لم تندمل بعد مأساة عشرات الضحايا الذين خلفتهم “أحداث الرش” في ولاية سليانة. حينها واجهت قوات الأمن آلاف المتظاهرين، خرجوا ينددون بالأوضاع الاقتصادية، فقوبلوا بالرصاص الانشطاري أو ما يسمى رصاص الرش، ما أوقع عشرات الإصابات خصوصا في الأعين.
الأحداث التي وقعت في 27 تشرين ثان/ نوفمبر من العام الماضي لاقت ردود فعل عنيفة من المنظمات الحقوقية وجميع مكونات المجتمع المدني خاصة وأن سلاح الرش الذي تم استعماله لقمع المحتجين مخصص في الأصل لصيد الخنازير.
لم تندمل بعد مأساة عشرات الضحايا الذين خلفتهم “أحداث الرش” في ولاية سليانة. حينها واجهت قوات الأمن آلاف المتظاهرين، خرجوا ينددون بالأوضاع الاقتصادية، فقوبلوا بالرصاص الانشطاري أو ما يسمى رصاص الرش، ما أوقع عشرات الإصابات خصوصا في الأعين.
الأحداث التي وقعت في 27 تشرين ثان/ نوفمبر من العام الماضي لاقت ردود فعل عنيفة من المنظمات الحقوقية وجميع مكونات المجتمع المدني خاصة وأن سلاح الرش الذي تم استعماله لقمع المحتجين مخصص في الأصل لصيد الخنازير.
“مراسلون” حاولت الاطلاع على ما خلفته تلك الأحداث من خلال زيارة أحد المصابين، وهو العم طيب الذي كان يعمل ممرضا وكان بصدد إسعاف الجرحى فنال بدوره نصيبا من الرش حوله إلى شبه مقعد.
طيب بن سالم هو رجل في العقد الخامس من عمره، أثر الزمن واضح على ملامح وجهه، اختلط الأبيض بالأسود في شعر لحيته وطافت التجاعيد فوق جبينه. يصعد الدرج بخطوات متباطئة يرتكز فيها من حين لآخر على الحائط، يتجه بنا إلى شرفة المنزل التي تطل على مقر الولاية أين دارت الاحتجاجات منذ سنة، يجلس على الكرسي بصعوبة شديدة وبعد أن استقر بمكانه يروي قصته لـ “مراسلون”.
68 رصاصة انشطارية (حبة رش) استقرت بجسده من الخلف من أعلى الظهر إلى الأرداف والساقين. لم تكتف بذلك بل مرت بقسوة لتخترق حياته بأكملها. لم يعد يقدر على العمل الذي امتهنه منذ 25 سنة، فقد صار اليوم يتألم لمجرد الوقوف أو لحمل شيء ثقيل. وتصل به الحال أحيانا إلى عدم القدرة على المشي.
لازالت تلك الحادثة راسخة في ذهنه. “بينما كنت واقفا امام منزلي وبيدي معدات التمريض، لمعالجة الجرحى ولإسعاف للمصابين، لمحت سيارة رجال الأمن تتجه إلى مكان وقوفي مع المصابين فالتفت إلى باب منزلي وفتحته ودخلت لأصعد الطابق العلوي إلا أن قذائف الرش كانت أسرع من خطواتي”.
لم يكن طيب قادرا على إسراع الخطى بحكم خضوعه سابقا لثلاث عمليات جراحية على مستوى الظهر. فكيف له أن يشارك في مظاهرات واحتجاجات وهو يعلم مسبقا انه غير قادر على الركض؟
تم إسعافه في ذلك الوقت مباشرة بعد الإصابة ولكن الحماية المدنية والطبيب المباشر لتلك الحالات بمستشفى سليانة لم يتمكنوا من إخراج حبات الرش من جسده لشدة عمقها، واستطاعوا نزع رصاصتين فقط من قدمه أما البقية فضلت عالقة.
أجسام غريبة صارت تعيش معه منذ ذاك التاريخ. ومنذ 6 أشهر بدأت حالته الصحية تتدهور ولا يوجد حل ولا دواء حسب تشخيص الأطباء الذين اطلعوا على حالته، وفق ما أكد لـ”مراسلون”. فالطبيب المختص في جراحة العظام بالمستشفى الجهوي بسليانة نصحه بأن لا يسمح لأحد بانتزاع أي رصاصة انشطارية من جسمه لأن ذلك يمكن أن يتسبب له في الشلل المؤبد.
ألم ويأس يسيطران على وجهه وهو يروي لنا ذلك، فقد أصبح يخاف أن يستيقظ يوما من نومه ليجد نفسه غير قادر على الحركة فيقضي بقية حياته على كرسي متحرك.
طيب رجل كان مطلقا منذ أربع سنوات وقرر إعادة بناء حياته من جديد ولم يمض على زواجه الجديد سوى شهر ونصف ولكنه صار أكثر تأزما خاصة من الناحية النفسية خاصة وقد أثر ذلك على قدراته الجنسية حسب تأكيده.
ويضيف بأسف، إن اهتمام السلطات الحكومية انصب على المصابين بالرش على مستوى الأعين لكن لا أحد اهتم بالمصابين في بقية الجسم. ويوضح ”لم يهتم اتحاد الشغل (اكبر النقابات) ولا المجتمع المدني لإيجاد حلول لمعالجة هؤلاء المصابين”.
طيب، رجل ذو أنفة لا تسمح له بالشكوى ويقول انه لو كانت حالته المادية أفضل مما هي عليه، لما انتظر مساعدة أحد ولكان اتجه إلى مراكز مختصة للقيام بالفحوصات الطبية اللازمة لمعرفة سبب وصوله إلى مثل هذه الحالة. ويختم بأسف أنه لم يعد يستطيع حتى استقبال الضيوف لعدم قدرته على تحمل الجلوس لوقت طويل فهو يفضل الإستلقاء على الفراش كي يقل شعوره بالألم.
رغم الكثير من اليأس والألم يحتفظ عم الطيب بن سالم ببعض الأمل في إيجاد حل لاستخراج هذا الجسم الغريب من جسده ويختفي شبح الشلل من حياته. ويأمل أن يحصل ضحايا الرش على حقوقهم وتقع محاسبة من كان وراء هذه الجريمة التي جعلت الأهالي اليوم يخرجون بعد سنة في مسيرة رمزية لتذكير الحكومة بأن أهالي سليانة لن ينسوا حقوقهم.