التقلبات السياسية التي تشهدها مصر منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 جعلت رياحا محملة بالأتربة تهب على الحياة الأسرية. الخلافات بدأت تتصاعد في عش الزوجية بسبب الانتماءات السياسية للزوج والزوجة والتي لم تظهر قبل ذلك إلا عقب الثورتين. وبعض هذه الخلافات تدخل في نفق مظلم وتصل إلى حد “الطلاق الثوري” ويتشرد معها الأطفال دون النظر إلى السنوات التي عاشها الزوجان معا.

طلاق بسبب خلع مبارك

التقلبات السياسية التي تشهدها مصر منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 جعلت رياحا محملة بالأتربة تهب على الحياة الأسرية. الخلافات بدأت تتصاعد في عش الزوجية بسبب الانتماءات السياسية للزوج والزوجة والتي لم تظهر قبل ذلك إلا عقب الثورتين. وبعض هذه الخلافات تدخل في نفق مظلم وتصل إلى حد “الطلاق الثوري” ويتشرد معها الأطفال دون النظر إلى السنوات التي عاشها الزوجان معا.

طلاق بسبب خلع مبارك

سهير علي 33عاما من مدينة البرلس بكفر الشيخ. تزوجت في التاسعة عشر من عمرها وأنجبت طفلين من زوجها بدر الذي يعمل عاملا في أحدى الشركات. لم تكن الحياة بها الكثير من الشجار، وكان كل ما يشغلهما هو استمرار أسرتهما الصغيرة.

“جاءت ثورة إل 25 من يناير جاء معها الغم والهم بالنسبة لأسرتنا، فزوجي كان ينتمي إلى الحزب الوطني المنحل، وكان من أشد المؤيدين للرئيس المخلوع حسنى مبارك. أما أسرتي فتنتمي لأصول أخوانية، ولم يسبق أن حدث صدام بين الأسرتين”، تقول سهير.

بعد خلع مبارك بدأ الشجار والمشاحنات بين العائلتين حتى وصل الأمر إلى ضرب سهير وسحلها تحت قدمي زوجها دون رحمة أو شفقة حسب وصفها. “لقد قام بطردي من المنزل وبدأت الأسر تتدخل في هذا الأمر ونمت معها الخلافات كلا حسب انتمائه السياسي، حتى حدث مشكلة بين شقيقي الأصغر وبين شقيق زوجي بسبب هجوم الأول على مبارك ووصفة بالظالم، ومن هنا وقعت مشاجرة كبيرة استخدمت فيها الأسلحة النارية والبيضاء وأصيب عدد من الطرفين، وعقب ذلك كان الطلاق”.

الصغار يدفعون الثمن

أسرة سهير وبدر ليست الوحيدة التي تحطمت بسبب الشقاق السياسي. يقول سامح شكري 39 عاما موظف ويقيم في أحدى قرى مركز مطوبس في إحدى القطاعات الحكومية بالمحافظة “رزقني الله ابنتي بعد أن حرمت سنوات، ومن الله علينا أنا وزوجتي رحمة بطفلتنا “منة”. وكانت حياتنا قبل الإنجاب يسودها الحب والاحترام ويخاف كلا منا على الأخر. وما إن جاءت ثورة 30 من يونيو (المظاهرات المطالبة بعزل الرئيس مرسي) لم نعرف الفرح بل عرف الحزن قلوبنا يوما تلو الأخر”.

وأوضح سامح أن شقيقه الأكبر ينتمي لبعض الحركات الثورية بمركز مطوبس وهو خصم سياسي لجماعة الإخوان المسلمين وشارك كثيرا في المظاهرات والوقفات الاحتجاجية المطالبة بسقوط حكمهم.

“ومنذ أن تم عزل مرسي تبدل الحال بالنسبة لزوجتي وأصبحت أنا في نظرها صورة لشقيقي الأكبر، ولم يسكن لسانها عن الكلام عنه وعني واصفة إيانا بأننا ناس لا يريدون الشرعية لأننا ليبراليين، هدفنا هدم الدين على حسب وصفها. عندها لم اعد اصدق أن هذه زوجتي التي تزوجتها عن اقتناع وبدأت تخرج في مظاهرات مؤيدة مع الإخوان وتضع كل مشكلات السياسة في شخصي البسيط رغم أنني لا انتمى لأي حزب أو تيار سياسي”.

ويضيف سامح “في ليلة مرضت طفلتنا منة وكان ذلك عقب ثورة 30 من يونيو وكانت زوجتي في صباح اليوم التالي قد ذهبت لتشارك في مظاهرة لجماعة الإخوان مع عدد من السيدات المشاركن بها في مدينة كفر الشيخ. ثم تطور مرض الطفلة يوما بعض الآخر”.

زاد الخلاف بين سامح وبين زوجته حتى قررت الزوجة الذهاب إلى بيت والدها وظلت هناك أيام ثم عادت. ويتابع سامح قائلا “لم يكن حال طفلتي أفضل بكثير، حيث اشتد عليها المرض في هذه الفترة، ثم اختارها الله إلى جواره، وبعدها لم أر أمامي إلا الطلاق، ولا أعرف إلا الدعاء بالصبر ولله أن يطفئ نار قلبي المحترق وعيوني التي لا تجف يوما”.

طلاق ثوري بنيران صديقة

حالات الطلاق بسبب السياسة إذن متعددة ولا تقتصر على خلافات بين معسكرين سياسيين بعينهما، بل أحيانا تحدث بين معسكرات سياسية متحالفة. هناء .ك 29 عاما تعمل مدرسة بمركز كفر الشيخ ولها طفل من زوجها باسم. هي تنتمي للتيار الشعبي الناصري، وزوجها ينتمي لحزب الدستور الذي أسسه الدكتور محمد البرادعي.

تقول هناء: “سعينا خلال حكم الإخوان لمصر إلى الرحيل عن البلاد، وشاركنا في مظاهرات عدة سعيا لذلك، وما إن رحلوا عن حكم البلاد عقب ثورة إل 30 من يونيو ومع فض اعتصام رابعة والنهضة بالقاهرة، وتصريحات الدكتور محمد البرادعى نائب رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية سابقا عن أسلوب فض الاعتصام ثم مغادرته البلاد، حتى ظهرت الخلافات الزوجية بيني وبين زوجي، وتطور النقاش إلى ضربي لي وطردي وأهانتا لخلافي معه في الرؤى لتصريحات البرادعى وهو أمر لم أعهده من الخلافات بيننا إن يصل لهذا الحد حتى زادت فجوة الخلافات لينتهي الأمر بنا للطلاق”.

غضب مفهوم

ماهو إذن سبب هذه الظاهرة الغريبة على الأسرة المصرية؟ يقول الدكتور فاصل عبد العزيز أستاذ علم الاجتماع والعلم النفسي بجامعة كفر الشيخ، إن الطلاق المسحوب بالخلافات السياسية هو حالة نفسية عارضة ظهرت في المجتمع المصري عبر ثورتين عرف فيهما الشعب الغضب النفسي بهدف السياسة بعد أن كان ما يعرفه هو الغضب للقمة العيش، ناصحا الأسر التي تتعرض لمثل هذا النوع من الخلافات إلى زيارة متخصص في علم النفس، لأن الزوجين عقب الانفصال سرعان ما يندم كل طرف منهما ويلوم نفسه على ما حدث ويعرف إن تفكيك الأسرة لا يساوى انتماء سياسي أو غير ذلك.

زواج المستقبل

ظاهرة “الطلاق الثوري” لم تؤثر على رغبة الشباب في الزواج، وإن جعلتهم أكثر وعيا بأهمية التناغم السياسي. محمد عبده شاب في السادسة والعشرين، ينتمي لحزب الكرامة الناصري، يرى أن من المهم بالنسبة له معرفة الخلفية السياسية لزوجة المستقبل.

وقال “ليس هناك ما يمنع إن أتزوج فتاة ليس لها انتماء سياسي إذا كان هناك توافق، ولكن إذا توافقت معي فتاة ولها انتماء سياسي معين فلابد أن أدرس الأمر بعناية، هل عائلتها تنتمي للحزب الوطني المنحل وكيف يكون فكرها هل هي من عائلة أخوانية. لابد من التمهل في التفكير لان في الحالتين سوف يكون الفكر مختلف”.

نعيم المصري شاب في 24 من عمره من ينتمي للحركات الثورية بمحافظة كفر الشيخ، يرى أن انتماء زوجته السياسي عامل هام، ولكن أخلاق الزوجة شرط أساسي في ذلك الأمر. “كانت تربيتي السياسية في كنف جماعة الإخوان المسلمين ثم اتجهت للحركات الثورية في عام 2010، وهذا لم يؤثر في أفكاري من ناحية الزواج. ربما اختار فتاة للزواج من أصول أخوانية أو سلفية أو مدنية ليبراليية ونتفق مع بعضنا البعض نحو الديمقراطية والإصلاح والعدالة الاجتماعية. وهذه شروط تتفق مع أفكاري ولكن إذا قوبل ذلك برفض من عندها فهذا شئنها وحدها لابد من التوافق على أمور حياتنا قبل الزواج”.