“النقيب أحمد أبودومة ابن خالي إتقتل النهارده في الإسماعيلية.. دايرة الوجع وصلت جوه كل بيت”. كان هذا ما كتبته على صفحتي الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي “الفيس بوك” بعد سماع الخبر بعدة ساعات، وأنا ما زالت في حالة بين الذهول والصدمة. حالة من تعّود على سماع أخبار الموت كل يوم وأصبح لا يعرف كيف يكون رد الفعل المناسب عندما يكون الدور هذه المرة على أحد أقاربه .

***

“النقيب أحمد أبودومة ابن خالي إتقتل النهارده في الإسماعيلية.. دايرة الوجع وصلت جوه كل بيت”. كان هذا ما كتبته على صفحتي الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي “الفيس بوك” بعد سماع الخبر بعدة ساعات، وأنا ما زالت في حالة بين الذهول والصدمة. حالة من تعّود على سماع أخبار الموت كل يوم وأصبح لا يعرف كيف يكون رد الفعل المناسب عندما يكون الدور هذه المرة على أحد أقاربه .

***

من بداية ثورة الخامس والعشرين من كانون ثان/يناير التي أيدتها بعقلي وروحي وأصبحت شغلي الشاغل كمثل كثير من شباب جيلي دائما كان يراودني شعور مرتبك عندما أرى صور الشهداء وأعرف حكاياتهم، وشعوري بالحزن الشديد على ذويهم الذين يكابدون ألم الفراق، مهما كان الطرف الذي ينتمي له الفقيد، أكان من الثوار أم من أفراد الشرطة أم ..ألخ. كنت أفكر كثيرا كيف سأشعر لو فقدت أحدا من أصدقائي أو من أقاربي مؤيدأ كان للثورة أو حتى ناقما عليها. كنت أقول لنفسي إن فقد عزيز أو قريب يمحو بمجرد مقتله ومفارقته الحياة هذا المسمى الذي كان يحمله، فقط يترك خلفه ألم الفراق لأي شخص عرفه يوما.

***

داخل البيت الكبير -كما نسميه هنا في أقصى الصعيد- وفي مكان عزاء السيدات سمعت نساء العائلة يتهامسن كثيراً عن حال البلاد الذي أصبح فوضويا محزنا، طبعاً انقسمت الآراء حول من المتسبب في مقتل فقيدنا أحمد .. البعض منهن اتهمن الإخوان “الخونة” على حد وصفهن بأنهم السبب الأساسي في استمرار الفوضى التي جعلت الخارجين عن القانون والبلطجية يرتعون في الشوارع يرتكبون الجرائم ويقتلون الأبرياء. إحداهن ظلت تحلف بأيام مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، وطالبت بضرورة عودتهم ووقف هذه المهزلة التي اسمها “ثورة”. كانت أصدق التعليقات التي سمعتها من إحدى قريباتي بعد مقتل أحمد عندما قالت لي “أحمد كان ملاك وربنا أخده قبل ما الشغلانه تخليه شخص وحش”. وأيضا حين صرخت عمته بلهجة صعيدية غاضبة حين بدأ عزف الموسيقى الحزينة أثناء الجنازة العسكرية “قتلتوه وبتزفوه!”.

وهناك في أحد أركان المنزل الكبير تجلس الأم التي فقدت وحيدها تذرف الدموع في صمت لا تأبه من قتله ولا كيف. لا تتحمل أن يتحدث عنه أحد وأن يذكر تفاصيل الحادث وتفاصيل تلقيه الخبر فتبكي بحرقة ووجهها في الأرض، وبجوارها أخته تلتصق بها..الأخت التي فقدت سندها والأخ الوحيد.

***

أحمد ابن خالي قتل أثناء أداء عمله وأثناء محاولته القبض عن بعض الخارجين عن القانون، ولا توجد أي شبهة سياسية في مقتله. كان أحمد خلوقاً، طيبا، خجولا بشكل ملفت، لدرجة أن أحداً منا لم يتخيل أنه سيستطيع من البداية أن يستمر في كلية الشرطة، وفي هذا العمل القاسي. أحمد تخرج العام الماضي فقط أي أنه لم يكمل عامه الأول كضابط شرطة.

***

حزنت لفراقه لدرجة أنني اندهشت عندما سألتني أحدى صديقاتي بكل قسوة معلقة على خبر موته قائلة “و ياترى نظرتك هتختلف ناحية الشرطة و تتعاطفى معاهم بقى ولا هتفضلى على رأيك انهم مش كويسين؟ اصل الحاجة لما بتيجى عندنا بتختلف نظرتنا للاشياء”.

لم أجبها شكرتها فقط على هذه التعزية القاسية نوعاً ما.

فكرت كثيراً في كلامها وعلا داخلي ذلك الصوت. نعم وزارة الداخلية وزارة تنتهج القمع وتلوث كل من ينتمي لها.  نعم العسكر ارتكبوا الجرائم وقتلوا الكثير من الأبرياء ولابد ان يحاكم المتورط. نعم الأخوان تجار دين وكانوا على وشك محو هوية مصر ولكن ما حدث في فض اعتصامي النهضة ورابعة مجزرة ولا يوجد له وصف آخر. هذا رأيي ولن يتغير حتى مع فراق أحمد.

***

دار في رأسي سيل من الأسئلة هل يعقل أننا أصبحنا حقاً نشمت في الموت؟ هل أصبحنا لا نتعاطف مع موت شاب لمجرد أنه كان يتبنى فكراً سياسياً مختلفاً عنا؟ أو لأنه كان ضابط شرطة؟ وما سبب ذلك؟ هل هو ضياع العدالة؟ هل هو ذلك الفساد المتجذر داخل تلك الوزارة التي تنتهج القمع؟ هل خلافتنا السياسية سوف تصل بنا أن نعتبر  “الإنسانية” نكتة سخيفة؟

لم أستطع أن أجد لأسئلتي إجابات، فقط استطعت أن أهرب مؤخراً على قدر الإمكان من متابعة الأحداث السياسية فبعد رحيل الإخوان من سدة الحكم أو إجبارهم على ذلك أصبحت أرى صورة ضبابية جدا. فالجميع يسخر من الجميع والجميع يسب الجميع والجميع يخون الجميع والجميع يزايد على الجميع ..