ملف الأسر الليبية النازحة من المدن التي تضررت جراء حرب التحرير، أو تلك التي تعاني من صراعات مع مدن مجاورة، لا زال يلاقي الإهمال وغياب الجدية في إيجاد الحلول، فيما عدد النازحين يزداد وظروفهم تصبح أسوأ يوماً بعد يوم.

“مراسلون” زار أحد المخيمات في العاصمة طرابلس، المعروف بمخيم “رامكو” نسبة إلى الشركة العقارية التركية التي كان عمالها يقطنون المكان قبل الثورة، إبان تنفيذها لمشروع الهضبة السكني بالمدينة، والذي تحول اليوم إلى مخيم للنازحين من داخل طرابلس وخارجها.

ملف الأسر الليبية النازحة من المدن التي تضررت جراء حرب التحرير، أو تلك التي تعاني من صراعات مع مدن مجاورة، لا زال يلاقي الإهمال وغياب الجدية في إيجاد الحلول، فيما عدد النازحين يزداد وظروفهم تصبح أسوأ يوماً بعد يوم.

“مراسلون” زار أحد المخيمات في العاصمة طرابلس، المعروف بمخيم “رامكو” نسبة إلى الشركة العقارية التركية التي كان عمالها يقطنون المكان قبل الثورة، إبان تنفيذها لمشروع الهضبة السكني بالمدينة، والذي تحول اليوم إلى مخيم للنازحين من داخل طرابلس وخارجها.

تسكن المخيم 122 عائلة، منها 20 عائلة نازحة من تاورغاء، وعائلتان نازحتان من بني وليد، و98 عائلة من طرابلس، اضطرت للسكن في المخيم لعدم امتلاكها منازل وعجزها عن دفع إيجار مسكن في ظل ارتفاع أسعار العقارات.

جاؤوا قبل ثمانية أشهر

الخدمات والبنى الحتية في هذا المكان متردية الحال، غير مهيئة لاستقبال هذا العدد الكبير من الأسر.

يشتكى القاطنون هنا من المياه شديدة الملوحة، ومن القمامة المتكدسة في كل مكان دون أن تهتم الحكومة أو المجلس المحلي بنقلها، ما يضطر الأهالي لجمع مبلغ بين الحين والآخر لنقل القمامة رغم ضيق ذات اليد.

أشرف القماطي مشرف المخيم قال لـ “مراسلون”: “لم يأتِ إلينا أحد من الحكومة، لكن مجلس طرابلس المحلي على تواصل معنا. جاؤوا قبل حوالي ثمانية أشهر وقاموا بحصر كل العائلات القاطنة بالمخيم، لكن لم يحدث شيء بعدها”.

ويضيف أشرف “عندما هطلت الأمطار الغزيرة غرقت العديد من الأكواخ وحصل تماس كهربائي نظراً لأن الكوابل الكهربائية عارية، وأبلغنا غرفة السيطرة وطلبنا من شركة الكهرباء فصل المفتاح الرئيسي، وعدونا بالمجيء، لكن لم يأت منهم أحد، وستر الله ووقفت الأمطار، ولكن لا يزال ذلك الكابل مصدر خطر على جميع قاطني المخيم”.

دون حراسة

القماطي كان قد نزح إلى مخيم “رامكو” بعد أن استأجر منزلا بمبلغ 120 دينار شهرياً، لكن صاحب المنزل زاد الإيجار إلى 500 دينار وهو ما يعادل قيمة مرتبه كاملاً. “أنا صاحب أسرة فلم أستطع دفع الإيجار، واضطرت للمجيء إلى هنا”.

يصف القماطي الوضع الأمني للمخيم بأنه “سيء للغاية”، فقد تبادلت على حراسة المخيم ثلاثة كتائب والآن لا توجد أي منها تحرس المخيم.

“كثيراً ما يتجول في الليل متعاطو المخدرات أو الكحوليون، ولا أحد يستطيع إيقافهم، وقد أحرق بعض هؤلاء أحد العنابر منذ حوالي شهر، فاضطرت سبعة عائلات للمبيت في الشارع”، يقول المشرف.

ليس لدي مدخول

ترك “مراسلون” مشرف المخيم ليتابع الجولة ويلتقي بالنازحين، حيث كان أول من التقينا رمضان الغزال أحد النازحين من مدينة تاورغاء، والذي جاء إلى طرابلس قبل تحريرها، “نزحنا من تاورغاء إلى الهيشة ثم سبها ثم بنغازي وأخيرا طرابلس” يقول الغزال.

ويلفت إلى أن الظروف المادية لعائلات المخيم تتفاوت من عائلة إلى أخرى بحسب مصادر دخلهم. “أنا لا أتقاضى من الدولة أي مبلغ، لست مسجلاً في الحوافظ الاستثمارية ولا أتقاضى مرتباً تقاعدياً، ولدي زوجتان و11 ابناً وبنتاً، وعايش بالبركة”.

يتابع رب العائلة “أنا لا أعمل لأني غير لائق للعمل، فلدي كسر بالحوض ولا أستطيع القيام بأي مجهود عضلي، كنت جندياً منذ عام 1976 وشاركت في حرب تشاد (1978 – 1987)، وبعد انتهاء الحرب استغنوا عن خدماتنا ولم يعطونا أي شيء، وخرجنا من تلك الحرب شبه مجانين، وقد وضعت ملفي في كل جهات الدولة دون جدوى. زوجتي لديها ماكينة خياطة تكسب بها بعض المال بين الحين والآخر نقتات به”.

حلم العودة

رغم حدة الصراع لم يفقد الغزال الأمل في العودة إلى مدينته،”فما حدث بين مصراتة وتاورغاء فتنة، وسيكون المصراتي عوناً للتاورغي والتاورغي عونا المصراتي وستتم المصالحة، لدي أمل في الرجوع إلى مدينتنا تاورغاء طال الانتظار أو قصر”.

وكان سكان تاورغاء قد نزحوا من مدينتهم في أغسطس/آب 2011 مع اقتراب المقاتلين المسلحين من مدينة مصراتة القريبة.

وبحسب “هيومان رايتس ووتش” هناك نحو 35 ألف شخص من سكان تاورغاء موزعين على أنحاء ليبيا وقد منعتهم جماعات مسلحة من مصراتة من العودة، وتتهمهم بالقتال في صفوف قوات القذافي وبارتكاب جرائم حرب في مصراتة.

يرفض العزال ومعه كثيرون هذه التهم، كما يرفض أي حلول بديلة عن عودته إلى  دياره: “لن نرضى بأي مكان آخر غير تاورغاء، حتى لو وفرت لنا الحكومة مساكن أخرى لن نرضى، حتى ولو بقينا أربعين سنة نازحين، ومن يقول غير هذا الكلام ليس تاورغياً أصيلاً، مصيرنا سنرجع إلى مسقط الرأس وأرض الأجداد، لي أكثر من سنتين في طرابلس وقد مللت من السكن فيها وأريد الرجوع إلى مدينتي”.

ربما يكون وضع هذا الرجل التاورغي أفضل من غيره، فهو يطارد حلماً بالعودة إلى مدينته حيث العيش الكريم، أما النازحون من طرابلس فهم لايعرفون نهاية لهذا الوضع، ويعيشون بانتظار حلول تقدمها لهم الدولة.

كوخ محترق

عبد السلام محمد يسكن مع أبيه وأمه وأخته في المخيم، وهو طالب يدرس في جامعة طرابلس، وقد اضطرت عائلته للنزوح إلى هذا المكان لعدم امتلاكها منزلاً يؤويها ولا دخلاً يعينها على استئجار منزل.  

لم يستطع عبد السلام الذهاب إلى الجامعة هذه الأيام نظراً لاحتراق كوخهم وكل ممتلكاتهم في الحادثة التي رواها مشرف المخيم، وقد فقد في الحريق حتى بطاقة تعريفه كطالب وكتبه، وهم الآن يسكنون ضيوفاً لدى إحدى العائلات القاطنة في المخيم.

يقول عبد السلام بمرارة “أتى ممثل من مجلس طرابلس المحلي بعد احتراق كوخنا، وأعطانا مبلغاً من المال قيمته 150 دينار، وتلفزيون 14 بوصة، وهذا كل شيء”.

لا يعرف الطالب الجامعي كيف سيتصرف، ولا من أين سيتدبر أمر شراء كتب جديدة ليتابع دراسته، خاصة وأن الأكثر إلحاحاً في هذا الوقت هو إيجاد سكن بديل يؤويه مع أسرته، فضلاً عن شراء حاجيات جديدة بدل تلك التي احترقت، حتى يلوح في الأفق أي حل جذري للوضع الذي يعيشونه.