كانت الساعة تشير إلى الخامسة عصرا، وهو توقيت لا يرتاد خلاله الزبائن المطاعم بشكل كبير، بحكم أن موعد العشاء لم يحن وأغلب الموظفين بصدد انهاء أعمالهم في انتظار ساعة الخروج. غير أن هذا المطعم كان مختلفا عن بقية المطاعم، مليئا بالزبائن المتشوقين لخدمات مختلفة عما هو موجود في العادة.

دلفت إلى المطعم كأي زبون آخر، وكان المكان عامرا بالضيوف أغلبهم من المتدينين. فهذه عائلة اختارت زاوية منعزلة، وهذا كهل بلحية كثة اختارالجلوس في طاولة مفتوحة على الشارع، وفي مكان آخر جلست ثلاث منقبات يتبادلن الحديث في انتظار طبق الطعام.

كانت الساعة تشير إلى الخامسة عصرا، وهو توقيت لا يرتاد خلاله الزبائن المطاعم بشكل كبير، بحكم أن موعد العشاء لم يحن وأغلب الموظفين بصدد انهاء أعمالهم في انتظار ساعة الخروج. غير أن هذا المطعم كان مختلفا عن بقية المطاعم، مليئا بالزبائن المتشوقين لخدمات مختلفة عما هو موجود في العادة.

دلفت إلى المطعم كأي زبون آخر، وكان المكان عامرا بالضيوف أغلبهم من المتدينين. فهذه عائلة اختارت زاوية منعزلة، وهذا كهل بلحية كثة اختارالجلوس في طاولة مفتوحة على الشارع، وفي مكان آخر جلست ثلاث منقبات يتبادلن الحديث في انتظار طبق الطعام.

وفي البهو الخارجي كان هنالك بائع السمك افي انتظار من يرغب في اختيار بعض الأسماك. في حين تم تخصيص مكان آخر لبائع اللحوم، علق لافتة “لحوم خلال”. أما في الجانب الآخر فهناك مكان مخصص للشواء، وبين اللحظة والأخرى يخرج نادل شاب بلحيتة الطويلة كي يرشد الزبائن إلى الأماكن المخصصة لهم في الطابق العلوي للمحل.

الغناء ممنوع

قادني النادل الشاب البشوش ذو اللحية الكثيفة إلى طاولة مخصصة للرجال، بعيدا عن جناحي العائلات والنساء. يسود المكان هدوء عجيب، لا يقطعه سوى صوت خافت ينبعث من بعض مكبرات الصوت، هو صوت قارئ يردد بعض الأذكار والأدعية الدينية. للحظة ما يخيل للمرء أنه في معلم ديني يشبه الزاويا وأماكن العبادة.

سألت النادل، ويدعى سالم، عن سرّ هذه الأناشيد الدينية، فقال أن صاحب المطعم يريده “طاهرا لا رجس فيه”. لذلك منع بث الأغاني بأنواعها وهو الأمر الذي استحسنه العديد من الزوار والحرفاء” حسب قوله.

كان صاحب المطعم يجول بنظره في كل زوايا المطعم. انتبه إلى حديثي مع سالم، وقدر أنه خارج إطار خدمة الأكل، فنهر النادل الشاب، وغير وجهته إلى زاوية أخرى.

بعد انتظار لم يدم طويلا جاء شاب طويل بلحية طويلة يحمل بين يديه طبق الطعام ويردد عبارات السلام والثناء على جودة الخدمة الموجودة في المطعم، وبلا تردد أكد على أن صاحب المحل يريده طاهرا ولا مكان فيه لكل “حرام”.

سألت النادل عن نوعية الزبائن الذين يرتادون المطعم، فأكد أن كل فئات المجتمع تحبذ هذا المكان نظرا لجودة خدماته وتقديره الشديد للحرفاء “المحترمين”. وقال أن “أغلب الزبائن هم من العائلات، لكن ذلك لا يمنع من قبول مختلف أطياف المجتمع”.

ويقول النادل أنه حدث مرة أن جاءت فتاة غير محجبة وكانت ترتدي لباسا قصيرا للغاية، ومع ذلك ” قدمت لها الأخوات ما تريد من الأكل، بعد وقت قصير شعرت بخصوصية المكان وبحرمته فهاتفت صديقتها كي تأتيها بلباس أكثر حشمة بعد أن أحست بخجل شديد”.

خلوات شرعية

عند الإنهماك في أكل وجبة سمك كان أكثر أمر يلفت الإنتباه هي تلك الألواح الموجودة على امتداد الطابق العلوي، كل هذه الألواح كانت منقوشة بآيات من القرآن الكريم أو بعض الأدعية والأحاديث الدينية.

فجأة قدم أحد العاملين بسرعة، ورفع بعض هذه الألواح وأعاد فتحها لتصبح بمثابة كوخ صغير مغلق من الجهات الأربع. بعد ذلك دخل رجل يرتدي جلبابا أبيض ويعتم بقبعة بيضاء وتتبعه سيدتان منتقبتان، ثم دخل الجميع إلى تلك الخلوة.

كنت موزعا بين الشوق لمعرفة ماذا يحصل هناك، والانغماس في طبق السمك اللذيذ، لتدخل نادلة متحجبة تحمل بين يديها قائمة المأكولات ثم تدخل إلى الخلوة.

وفي غمرة البهتة والتعجب مما يحدث قدم النادل سالم لأبادره بالسؤال عما حدث، فضحك وهمهم قائلا:” أن مطعمنا يوفر خدمات للمتنقبات اللواتي يجدن حرجا في الأكل في المطاعم العادية، فوفر لهم المطعم هذه الخدمة الإضافية التي تبعد الشبهات وتجنبهم الحرج، هنا كل شيء حلال وكل الممارسات والخدمات تستجيب لما أوصى به الشرع”.

بعد زهاء الساعة على دخولنا للمطعم ومع تقدم الوقت بدأت أعداد الزبائن تتضاعف، وحسب ما أسر به لي سالم فالزبائن يأتون من أماكن كثيرة خارج سوسة. يقترب مني سالم وكأنه يقول لي سرا، بينما عيناه تراقبان صاحب المحل “لدينا زوار من كل مكان حتى من العاصمة، والمعلم في غاية السعادة والحمد لله”.

كان أحد الزبائن الذي يجلس قريبا مني، يثني بصوت مسموع على خدمات المطعم ولذة أكله. كان يتكلم بلهجة جنوبية. سألته إذا جاء خصيصا للمطعم، فقال بحماسة أنه سمع كلام جيد عن هذا المطعم، ورأى فيه نموذج المطعم المثالي الذي يوفر خدمات تستجيب لخصوصيات الدين الإسلامي ويمنع فيه الاختلاط، إصافة إلى أن أسعاره ممتازة مقارنة بالخدمات التي يقدمها.

ويخلص الحاج بدر الدين، هكذا قدم نفسه، “هي فكرة رائدة ونموذجية، وحبذا أن تعمم في كل المناطق لقد سئمنا من المطاعم المختلطة التي لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصية ديننا الحنيف”.

الحاج بدرالدين خلص إلى أن المطعم الاسلامي جزاءه مضاعف فهو “يمكننا ما لذ وطاب من مباهج الحياة، لكنه أيضا يبعدنا على المعاصي ويعطينا فرص أكبر لدخول الجنة”.

لسنا ضد السياحة

إزاء الرفض الكلي من صاحب المحل الحديث لم يكن أمامنا من سبيل سوى استراق بعض الوقت مع نادل يعمل هناك، لم يكن يعلم أننا بصدد الكتابة عن مكان عمله.

سألته كيف يوجد هكذا مطعم في مدينة سياحية تعتبر من أكثر الوجهات الجاذبة للسائحين الأجانب. لكنه أجاب بأن المطعم الاسلامي لا يتعارض مع السياحة. وقال لقد فتح المحل أبوابه قبل أكثر من خمسة أشهر أي في عز الموسم السياحي ورغم ذلك لم تكن هنالك أي معارضة.

ويضيف “خدماتنا لا تتنافى مع ما تقدمه الوحدات السياحية في الجهة، وأريد أن أؤكد أيضا أن بعض السياح قدموا إلى المطعم وتمت معاملتهم معاملة جيدة للغاية، نحن لا نرفض وجود السياح، وعملنا لا يتعارض مع خصوصية المدينة المعروفة بكونها قبلة عدد كبير من السياح”.

لكنه يستدرك بأن “هدفنا هو مراعاة خصوصياتنا الإسلامية وارضاء رغبات الجميع وخاصة العائلات والمنتقبات اللواتي يبحثن عن راحتهن عند تناول مأدبة غذاء أو عشاء خارج المنزل.

في المقابل انتقد بعض الناشطين على المواقع الاجتماعية هذا المطعم، ورأوا فيه تقسيم للمجتمع التونسي وشكل من العنصرية، وذهب البعض الاخر إلى أن الاسلاميين يستعملون المال لتغيير نمط المجتمع التونسي.

تركنا المكان وفي الذهن العديد من الأسئلة، حول جدوى فتح مطعم يقدم خدمات عادية لكنه يستند إلى المرجعية الدينية كي يسكب المزيد من الزبائن. وهل تصح كلمة مطعم إسلامي في بلد إسلامي؟