رغم الإعلان المبدئي عن عدد المنازل المتضررة في بعض المناطق في ليبيا، إلا أنه لم تصدر لحد الآن أية إحصائيات حكومية رسمية توضح حجم الكارثة في مختلف المناطق التي غرقت بالأمطار والسيول.

لكن الصور التي تناقلها المواطنون عبر مواقع التواصل الاجتماعي كانت الشاهد الوحيد على هول الكارثة، والاهمال المتراكم على مدى عقود.

رغم الإعلان المبدئي عن عدد المنازل المتضررة في بعض المناطق في ليبيا، إلا أنه لم تصدر لحد الآن أية إحصائيات حكومية رسمية توضح حجم الكارثة في مختلف المناطق التي غرقت بالأمطار والسيول.

لكن الصور التي تناقلها المواطنون عبر مواقع التواصل الاجتماعي كانت الشاهد الوحيد على هول الكارثة، والاهمال المتراكم على مدى عقود.

الإعلامي عبد العزيز عفيف من مدينة الزاوية – 40 كم غربي طرابلس – والذي لا يزال في العقد الثالث من العمر كان أحد اللذين قضوا غرقاً ليل الجمعة 29 تشرين ثان/نوفمبر، بينما كان داخل سيارته التي غمرتها مياه الأمطار بمنطقة الصياد على طريق عودته من طرابلس، ولم يتمكن من الخروج منها.

وكانت مدن طرابلس والساحل الغربي قد شهدت هطول أمطار غزيرة يومي الجمعة والسبت الماضيين، أدت لتدافع سيول كبيرة أغرقت الشوارع وغمرت مئات المنازل وأتلفت محتوياتها بالكامل.

فيما شهدت شوارع العاصمة طرابلس اختناقات مرورية، وتعطلت حركة السير نهائياً في بعض الطرقات الرئيسية والفرعية، إلى جانب غرق عدد كبير من سيارات المواطنين الذين حاصرتهم المياه تحت بعض الجسور والكباري، خاصة في الطريق السريع الرابط شرق طرابلس بغربها.

ورصد “مراسلون” في اليومين التاليين تحول العديد من الأحياء السكنية في مدينتي طرابلس والزاوية إلى بحيرات مياه، جرّاء انسداد فتحات تصريف مياه الأمطار، وتهالك البنية التحتية في بعض الأحياء، مما تسبب في دخول المياه إلى بيوت المواطنين، وإلحاق أضرار جسيمة بممتلكاتهم، وانهارت أجزاء من بعض المساكن القديمة.

ولم تسلم مخيمات النازحين وخاصة مخيم نازحي تاورغاء في منطقة الفلاح بطرابلس، فقد غمرته المياه بشكل شبه تام بعد ارتفاع منسوب مياه الأمطار وعدم وجود أي قنوات تصريف، خاصة وأن المخيم يقع على أرض شبه ترابية.

لا مؤتمر ولا حكومة

في ظل تلك الأوضاع السيئة كان المؤتمر الوطني العام عاجزاً حتى عن عقد جلسة طارئة يصدر فيها ولو بياناً يواسي المواطنين، فقد علق جلسته ليوم الأحد بسبب سوء الأحوال الجوية التي شهدتها العاصمة، ولم يحضر من أعضائه سوى 80 عضواً – من أصل 200 – بسبب سوء الطقس وما صحبه من إلغاء للرحلات الجوية، وغلق عدد من الطرق بسبب السيول التي حالت دون وصول الأعضاء إلى مقر المؤتمر.

أما رئيس الحكومة الليبية المؤقتة علي زيدان فقد سافر السبت رفقة وفد وزاري إلى المملكة الأردنية، تلبية لدعوة من عبدالله النسور رئيس وزراء الأردن، وذلك لتقديم الشكر والامتنان للملك عبدالله الثاني وحكومة وشعب الأردن على دعمهم للشعب الليبي وثورة 17 فبراير، ولتفعيل وتوطيد العلاقات الثنائية.

جهود مثمرة

ولولا تعاون فرق هيئة السلامة الوطنية والدفاع المدني والإنقاذ، وشركة الخدمات العامة والصرف الصحي والعاملون في صيانة الطرق والجسور، وبمساندة من رجال الجيش الوطني والشرطة والنجدة، لكان عدد الضحايا نتيجة هذه الأزمة أكثر بكثير.

حيث قامت الجهات المذكورة بمساعدة المواطنين الذين احتجزتهم مياه الأمطار داخل سياراتهم على الطرقات العامة بطرابلس، وتم سحب العديد منهم وانتشالهم من المياه.

كما عملت فرق شركة الخدمات العامة والصرف الصحي رغم قلة الإمكانيات، على توفير عربات شفط وتسريح فتحات تصريف مياه الأمطار في الأحياء والتجمعات السكنية التي حاصرتها المياه، مما حد من هول الكارثة.

أما  مديرية الأمن الوطني بمدينة بطرابلس فقد نبهت المواطنين إلى ضرورة أخذ الحيطة والحذر، وخصصت رقماً هاتفياً للاتصال عند حدوث أي طارئ أو لطلب النجدة.

وأعلنت الحكومة لاحقاً من خلال قنوات الدولة الرسمية بأنها أنشأت غرفة طوارئ، تضم هيئة السلامة الوطنية ومديرية أمن طرابلس ووزارة الداخلية ووزارة الصحة وجهاز المياه والصرف الصحي، لمعاونة اي مواطن تضرر من كثافة الأمطار.

شكاوى المجالس

وفي اتصال هاتفي بالمجلس المحلي طرابلس قال السادات البدري رئيس المجلس “إن الجميع في حالة تأهب واستعداد لأي طارئ، وأن شركة الخدمات العامة و الصرف الصحي رغم قلة إمكانياتهم حاولوا حــل الأزمة، والتي تسبب بها سوء البنية التحتية وقوة الأمطار وغـرف الصرف الصحي المغلقة”.

واشتكى البدري من أنه يفقد سبل التواصل الجيد التي تساعده وأعضاء المجلس المحلي في القيام بمهامهم بسبب الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي منذ يوم الجمعة الماطر، وذلك بسبب الأمطار من جهة والاعتصامات المستمرة في المدينة من جهة أخرى.

كما ألقى باللوم على الحكومة التي اتهمها بأنها “لا تعطي المجالس المحلية الحرية الكاملة لوضع حلول لبعض المختنقات”.

وهو ما أكده رئيس لجنة الأزمة بالمجلس المحلي طرابلس ناصر الكريوي، الذي كشف لـ”مرسلون” أن “المجالس المحلية الفرعية بدأت في حصر جميع الأضرار الناجمة عن هطول الأمطار، وأن العمل جارٍ على تخفيض منسوب الأتربة والمياه المتراكمة في الطرق والشوارع، وخاصة في مداخل العاصمة طرابلس”.

الزاوية المنكوبة

رئيس المجلس المحلى الزاوية محمد الخذراوي أعلن من جهته حالة الطوارئ القصوى في المدينة التي كانت من المدن الأكثر تضرراً، وذلك اعتباراً من مساء السبت 30 تشرين ثان/نوفمبر، وتعليق الدراسة حتى يوم الإثنين في جميع المدارس.

وقال الخذراوي إن المجلس اتخذ من مقر فوج كشاف الزاوية المقابل لكلية المعلمين مقراً لغرفة الطوارئ، وأعلن أن الغرفة على استعداد تام لتلقي أي اتصال من المواطنين المحتاجين للمساعدة.

وكان المجلس المحلي الزاوية قد أعلن عن غرق عدد من المنازل بمنطقة قمودة وطريق المنقع وبئر الغنم ومناطق متفرقة من الصابرية لمسافة تجاوزت 1.5 م، وانهيار جزء من جدار كلية الهندسة وغرق المنطقة المحيطة بالكلية بالكامل، بينما تم نقل عدد من العائلات المتضررة التي تمكن المنقذون من شباب المدينة من الوصول إليها إلى أحد المدارس، وإمدادهم ببعض الحاجيات الضرورية من فرش وأغطية.

وذكرت وسائل إعلامية عديدة نقلاً عن مصادر بفرع الشؤون الاجتماعية بمدينة الزاوية، أنه قد تضرر بشكل كامل حوالي 400 منزل في المدينة، بالإضافة إلى حدوث انجرافات في الشوارع والمزارع وعدد من المدارس والمساجد والمؤسسات العامة.

وأكد عدد من تجار شارع الجملة بالزاوية لـ “مراسلون” أن خسائرهم جراء غرق المحلات “التي تحوي أغلبها مواد غذائية وأجهزة إلكترونية بلغت ملايين الدينارات”.

نزوح وغرق

أما رئيس المجلس المحلي تاورغاء عبد الرحمن الشكشاك، فقد عبر عن استياءه من الأوضاع المأساوية التي يعيشها النازحون بالمخيمات، مؤكداً أن “أهالي تاورغاء سيضطرون إلى الاستعانة بالمنظمات الدولية لتقديم العون والمساعدة الإنسانية لهم، إذا لم تهتم الحكومة بمشكلتهم”.

وأضاف الشكشاك لـ “مراسلون” أن “أهالي تاورغاء يعانون مأساة معيشية حقيقية، زادتها كارثة الأمطار الغزيرة”، مشدداً على أنه “رغم عدم الوصول إلى حل لملف المصالحة والعودة لمدينة تاورغاء، كان من الواجب على الحكومة الاهتمام بالمخيمات، وتوفير أبسط ظروف العيش الكريم”.

وأشار الشكشاك إلى أن “كثيراً من الخيرين قاموا بمد يد العون، وبتقديم المساعدة لأهالي تاورغاء بعد ما شاهدوا معاناتهم إثر الأمطار الغزيرة التي أغرقت كل المخيمات” على حد قوله.

وبحسب الشكشاك فإن عدد سكان مدينة تاورغاء النازحين يبلغ أكثر من 38 ألف نسمة، وهم موزعون حالياً على أكثر من مدينة أبرزها طرابلس وبنغازي.

ورغم الإعلان المبدئي عن عدد المنازل المتضررة بالزاوية، إلا أنه لم تصدر لحد الآن أية إحصائيات حكومية رسمية عن اجمالي عدد القتلى أو المتضررين، وحجم الأضرار. وكل ما تم الإعلان عنه هو وفاة شخصين غرقاً، أحدهما العفيف والأخرى طفلة في الثالثة كانت صحبة والدها ابراهيم العموري في السيارة التي غرقت بهما في ذات المنطقة التي غرق بها العفيف، وعجز الوالد عن إنقاذها.

الصور التي تناقلها المواطنون عبر مواقع التواصل الاجتماعي أعطت مؤشراً على حجم الأضرار، ووثقت نكبة العديد من المدن والقرى. ورغم تعاطي البعض معها بنوع من السخرية والفكاهة، إلا أن الساخرين بالضرورة ليسوا من المنكوبين الذين لا يجدون في مأساتهم أية مساحة للضحك.