“يرجى من الركاب الذين بحاجة لكراسي متحركة البقاء في مقاعدهم حتى نزول بقية الركاب”، هذا ما قاله المضيف عبر مكبر الصوت على متن إحدى الطائرات الليبية لحظة هبوطها على أرضية مطار قرطاج الدولي بالعاصمة تونس، فيما ربضت سيارة الإسعاف قرب سلم الطائرة.
وجود المرضى على الطائرة التي قدمت من مطار بنينة الدولي كان جلياً، وأغلب الأصحاء جاؤوا كمرافقين لأقاربهم وأصدقائهم، وذلك بعد تزايد توافد الليبيين على مستشفيات تونس بحثاً عن العلاج، جراء تعثر حصولهم عليه في المستشفيات الليبية العامة والخاصة، فضلاً عمن لا زالوا يترددون عليها من جرحى ومصابي حرب التحرير.
“يرجى من الركاب الذين بحاجة لكراسي متحركة البقاء في مقاعدهم حتى نزول بقية الركاب”، هذا ما قاله المضيف عبر مكبر الصوت على متن إحدى الطائرات الليبية لحظة هبوطها على أرضية مطار قرطاج الدولي بالعاصمة تونس، فيما ربضت سيارة الإسعاف قرب سلم الطائرة.
وجود المرضى على الطائرة التي قدمت من مطار بنينة الدولي كان جلياً، وأغلب الأصحاء جاؤوا كمرافقين لأقاربهم وأصدقائهم، وذلك بعد تزايد توافد الليبيين على مستشفيات تونس بحثاً عن العلاج، جراء تعثر حصولهم عليه في المستشفيات الليبية العامة والخاصة، فضلاً عمن لا زالوا يترددون عليها من جرحى ومصابي حرب التحرير.
وفي حين تسيّر مطارات طرابلس وبنغازي وسبها ومصراتة و الأبرق ما يزيد عن 300 رحلة شهرياً قاصدة مدينتي تونس العاصمة و صفاقس، يعبر العديد من هؤلاء المرضى إلى الدولة المجاورة براً عبر منفذي رأس جدير و ذهيبة الحدوديين.
ألسنا نملك البترول
تجول “مراسلون” في مجمع عيادات إقامة الياسمين بمنطقة المنار في العاصمة تونس، حيث كان تواجد المرضى الليبيين واضحاً على حساب التوانسة أهل الدار.
فاطمة عبد الله (مواطنة ليبية 65 سنة ) قالت لمراسلون “منذ سنتين وأنا أعاني من سعال مزمن نهش صدري وجئت لتونس بعد أن لاحظت التحسن الذي طرأ على قريبة لي بعد عودتها من رحلة علاجية في هذا البلد”.
في قاعة الانتظار حيث جلست فاطمة تترقب دورها في الدخول على الطبيب جلس ليبيون آخرون من مدن ليبية عدة، وفي غرفة جانبية جلس أب ليبي يتابع بعينين حنونتين خضوع ابنه الصغير لاختبار حساسية الجيوب الأنفية، يتساءل الأب “لماذا لا تتوفر لدينا في ليبيا مستشفيات كهذه، ألسنا نملك البترول؟”.
وفي إحدى عيادات مستشفى ابن زهر قالت سليمة سعد (31 سنة) “جئت لعلاج ابني المريض ، لقد أبدت لي نساء تونسيات استغرابهن من قدومي لتونس وسألنني ألا توجد عندكم مستشفيات جيدة؟”.
نقل كثير من المرضى والمرافقين الليبيين لـ”مراسلون” تعجب الأطباء والكوادر الطبية التونسية من بعض الحالات المرضية القادمة من ليبيا، ومن غياب التشخيص الصحيح لأمراض يسهل التعرف عليها.
أحد هؤلاء المرافقين قال مبتسماً “كاد والدي أن يموت في ليبيا وعندما أحضرته للطبيب التونسي قال لي مندهشاً: هذه أعراض واضحة لمرض الدرن الرئوي، حتى أنت يمكنك ملاحظتها”.
خبرة فرنسية
رئيس اللجنة التأسيسية لاتحاد طلبة كلية الطب البشري بجامعة الزاوية الليبية أحمد الوحيشى قال لمراسلون “لدى التونسيين الخبرة الفرنسية داخل كلياتهم ومستشفياتهم، ومعظم أطبائهم يتلقون تدريباتهم وتخصصهم من فرنسا، الأمر يبدو وكأنك تتلقى العلاج في فرنسا العربية”.
وأوضح الوحيشي “تأثر القطاع الصحي في تونس بالنموذج الفرنسي زاد من ثقة جيرانهم الليبيين في الطبيب التونسي”، مضيفاً “يُقبل الليبيون على مستشفيات تونس لكونها تعمل على تخريج الأفضل من كلياتها الطبية”.
الوحيشى وهو أيضاً مسؤول لجنة “Scora” بالجمعية الليبية لطلاب الطب والأطباء الشباب، انتقد نقص المعدات الطبية والكوادر البشرية وبالأخص العناصر الطبية المساعدة في ليبيا.
وخلص إلى أن الدراسة النظرية التي يتلقاها طلبة الطب الليبيين، وقلة التدريب العملي وعدم منحهم فرصة المشاركة في ورش عمل تدريبية متقدمة من قبل قدامى الأطباء، تسببت في “عدم تطوير مهارات التشخيص لدى الطبيب الليبي، القائمة أصلاً على الفطنة وربط معطيات قصة المرض والتحاليل مع بعضها البعض”.
المشوار طويل
في حين قال مدير مركز بنغازي الطبي الدكتور فتحي الجهاني لمراسلون أن سفر الليبيين للعلاج في تونس مبرر “إلى حد ما”، مرجعاً ذلك إلى المعاملة السيئة التي يتلقونها في المستشفيات الليبية، ولانعدام ثقتهم بالمنظومة الطبية الليبية جراء “أمور بعضها حقيقي وبعضها مجرد إشاعات”.
الجهاني الذي يرأس واحداً من أحدث مستشفيات ليبيا أضاف “مشكلتنا ليست في كل التخصصات فهناك تخصصات فيها أطباء ليبيون أكفاء”، وأردف “هناك خطوات لتحسين قطاع الصحة، لكن المشوار طويل”.
وقد سبق لوزارة الصحة الليبية أن أعلنت في منتصف تموز/يوليو الماضي توقيع اتفاقية مع شركة “انترناشيونال هوسبتال كروز” الانجليزية، لإنشاء تسع مستشفيات موزعة على مختلف المدن والمناطق ضمن خطة الوزارة لتطوير القطاع، وتحسين الخدمات الطبية.
وبحسب وزير الصحة نور الدين دغمان فإن إنشاء هذه المستشفيات سيشمل تسع مدن ليبية مختلفة، وتبلغ الطاقة الاستيعابية في كل منها ما يقارب 120 إلى 150 سريراً.
وستقوم طواقم طبية تبلغ 20 طاقماً طبياً مشتركاً (إنجليزيا وليبيا)، من أطباء واستشاريين وإداريين بتشغيل هذه المستشفيات والإشراف عليها، وتدريب الكوادر الليبية الطبية المتدربة والمؤهلة.
دغمان أكد أن مدة تنفيذ هذا المشروع لن تتجاوز الـ15 شهراً، ولكن حتى هذه اللحظة لم يلمس الشارع الليبي أي خطوات بهذا الخصوص، ما يدعو للتساؤل عن إمكانية أن ترى هذه المستشفيات النور.
توطين العلاج
وحول هذا النوع من المشاريع تعلق وزيرة الصحة السابقة الدكتورة فاطمة الحمروش في حديث خصت به مراسلون أنه “لا حاجة لبناء مستشفيات جديدة في ظل وجود سعة سريرية تصل إلى 21000 سرير”. وهو ما يكفي بحسبها للتعداد السكاني الليبي.
بل شددت على ضرورة “استكمال المشاريع غير المستكملة والاهتمام بالرعاية الصحية الأولية والتأهيل الجسدي والنفسي”.
الحمروش رأت أن الحل يكمن في “توطين العلاج في البداية بالاستعانة بخبرات من الخارج، سواء أطباء ليبيين مقيمين بالخارج أو أجانب، مع إعطاء الأولوية لليبيين، وتحسين مستوى الخدمات عن طريق دورات تدريبية، بالإضافة إلى دورات في الأخلاقيات المهنية والطبية وتفعيل قانون المسؤولية الطبية، والمحاسبة على الأخطاء الطبية”.
وختمت متسائلة “قمت بالموافقة خلال وجودي بالوزارة على إقامة معهد للإدارة الطبية بالتعاون مع خبرات أمريكية، ولا أعرف الآن أين وصل البرنامج بعد خروجي “.
مشاريع غير مستكملة وأخرى متوقفة وثالثة تم إلغاؤها، فلكل مسؤول وجهة نظر مختلفة، فيما يبقى المواطن الليبي الذي يعاني من عرض صحي في مهب الريح خوفاً من أن يؤدي به خطأ طبي إلى ما لا يحمد عقباه، فيفضل أن يقصد تونس، الوجهة العلاجية الأولى التي يسهل الوصول إليها.