رغم الانشقاقات المتتابعة في صفوف حركة النهضة المشكلة للأغلبية الحاكمة في تونس، ورغم الخلافات التي طفت على السطح بين أبرز قياداتها، يؤكد القيادي في النهضة ورئيس كتلتها البرلمانية الصحبي عتيق هذا الحوار مع “مراسلون”، أن الحركة مازالت تحافظ على رصيدها وإن تأثرت سلبيا بسبب إدارتها للحكم، وبسبب حملات خصومها ضدها، لكنها تبقى “أقل حركة سياسية أصابها الاهتراء”، بحسب وصفه.

في ما يلي نص الحوار:

مراسلون: إلى أي مدى يمكن القول أن حركة النهضة خسرت رصيدها الشعبي بسبب عجز حكومتها عن تحقيق الأهداف التي رسمتها؟

رغم الانشقاقات المتتابعة في صفوف حركة النهضة المشكلة للأغلبية الحاكمة في تونس، ورغم الخلافات التي طفت على السطح بين أبرز قياداتها، يؤكد القيادي في النهضة ورئيس كتلتها البرلمانية الصحبي عتيق هذا الحوار مع “مراسلون”، أن الحركة مازالت تحافظ على رصيدها وإن تأثرت سلبيا بسبب إدارتها للحكم، وبسبب حملات خصومها ضدها، لكنها تبقى “أقل حركة سياسية أصابها الاهتراء”، بحسب وصفه.

في ما يلي نص الحوار:

مراسلون: إلى أي مدى يمكن القول أن حركة النهضة خسرت رصيدها الشعبي بسبب عجز حكومتها عن تحقيق الأهداف التي رسمتها؟

عتيق: كل نتائج سبر الآراء تؤكد أنّ حركة النهضة مازالت تحافظ على رصيدها الشعبي، وعملية الاهتراء السياسي التي لحقت النهضة، أصابت كل الأحزاب السياسية دون استثناء وأزالت كل الأغطية التجميلية التي كان تكسوها. وربما حركة النهضة أقل حزب أصابه هذا الاهتراء.

الانشقاقات والاستقالات الحاصلة داخل حركة النهضة، هل ستقود إلى ولادة حزب من داخل الحركة قبل الانتخابات القادمة؟

رغم الخلافات الظاهرة للعيان وما خفي منها، بقيت حركة النهضة من أكثر الأحزاب تماسكا. والاستقالات التي شهدتها حركة النهضة هي استقالات بسيطة،  نتيجة بعض الغضب و التوتر.

ولم تشهد إلى اليوم  استقالات أحد قياديها من “الوزن الثقيل”  عكس ما شهدته العديد من الأحزاب من استقالات خلخلت توازن العديد منها.

و فيما يتعلق بكتلتنا داخل المجلس، فرغم الخلاف الدائم و بعد مرور أكثر من سنتين على عملها في المجلس الوطني التأسيسي بقيت كتلة حركة النهضة أكثر كتلة متماسكة. و لم تشهد استقالات حقيقية وذلك بسبب الانضباط والانسجام داخلها، وسرّه العمل والتضحية والمثابرة من أجل مصلحة تونس.

لكن القيادي في حزبكم والوزير السابق لطفي زيتون، اعتبر ان الحكومة تتخبط في القرارات العشوائية. هل يمكن اعتبار أن حكومة النهضة تعترف بفشلها في إدارة شؤون البلاد؟

تصريحات لطفي زيتون تلزمه لوحده، وحسب تقديري الشخصي اعتبر أن حكومة حركة النهضة نجحت في إدارة شؤون البلاد وقدمت الكثير عكس من يعتبره البعض بأنها فشلت. وما حصل هو أنه تم اقصاؤها وتشويهها إعلاميا، وارباكها بإضرابات من هنا وهناك. ولكنها كسبت الرهان في النهاية على من راهنوا على فشلها منذ البداية.

رغم ذلك يرى البعض أن حركة النهضة فقدت السيطرة على قواعدها بعد أن اختارت الحوار مع خصومها، وبعد تراجعها عن شعارات مثل المحاسبة وقانون تحصين الثورة وأيضا بسبب التراجع عن التعديلات الأخيرة في النظام الداخلي.

من الطبيعي أن تثير بعض قرارات حركة النهضة توتر وقلق داخل صفوف قواعدها يصل إلى الاحتجاج في بعض الأحيان. وخطاب قواعدنا المتشدد يأتي من باب الخوف من الانقلاب على مؤسسات الدولة وعلى الثورة وتنازل حركة النهضة عن الحكم.

وفي حقيقة الأمر نحن لسنا بصدد التنازل عن الحكم، وانما حركة النهضة قررت التعامل مع الظروف التي أجبرتها على ذلك بعد العمليات الأخيرة الإرهابية من اغتيالات وقتل للجنود وعمليات تفجيرية من أجل إنقاذ تونس.

من جهة أخرى اختارت النهضة مبدأ أن لا تكون في قيادة البلاد، حتى لا تتهم بتزوير الانتخابات القادمة. لذلك اختارت أن تكون الانتخابات القادمة تحت حكومة محايدة لضمان نزاهتها و شفافيتها. وهذا القرار جاء كصفعة من حركة النهضة لكل من يتهمونها بالتمسك بالسلطة.

أنتم من جهة تتحدثون عن انجاح الحوار الوطني والدفع به نحو كل التوافقات ومن جهة تعتبرون أن لا وصاية على المجلس الوطني التأسيسي الذي يبقى صاحب القرار النهائي في رفض أو قبول ما سيتوصل له الحوار.

لا وصاية على المجلس التأسيسي وسيبقى أعلى سلطة في البلاد، هذا ما نؤكده دائما داخل حركة النهضة بكل بقياداتها وقواعدها. تماما مثل موقف النواب المنسحبين الذين سبق وصرحوا أنه لا وصاية على المجلس باعتباره السلطة التشريعية العليا. وربما البعض لم يفهم علاقة الحوار الوطني بالمجلس التأسيسي التي نعتبرها علاقة دعم ودفع نحو التوافقات لا “علاقة تعويض” كما يعتبروها.

وهنا يبقي القرار النهائي للمجلس ولا تنازل أبدا عن صلاحياته إلى حين تزكية حكومة جديدة والانتهاء من صياغة الدستور وولادة الهيئة المستقلة للانتخابات.

وأذكر أنه في لقاء جمعني بحسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل صرح لي أن المجلس سيد نفسه والحوار الوطني ليس بديلا عن المجلس وإنما لدعم التوافقات بين الأحزاب وبتوافق الأحزاب تنجلي كل الخلافات بين النواب داخل المجلس ويتم تمرير القوانين والمصادقة عليها بسرعة.

ماهي الحالات التي تجعلكم كرئيس كتلة حركة النهضة داخل المجلس الوطني التأسيسي ترفضون التوافقات من خارجه؟

المجلس الوطني التأسيسي كسلطة اصلية يتفطاعل مع كل التوافقات والمقترحات في إطار التسريع في إنهاء هذه المرحلة الانتقالية وتوسيع دائرة التوافق. وبدورنا نحن كتلة حركة النهضة حرصا منا على التوافق وانجاح الحوار الوطني سندعم كل التوافقات.

لو فرضنا نجاح هذه المرحلة واستئناف الحوار الوطني مرة أخرى. هناك نقطة خلاف عميقة بين النهضة وبين الفرقاء السياسيين تتمحور في التنظيم المؤقت للسلطات.

الحوار الوطني سيستأنف قريبا. وأنا اعتبر أن الحاجر الحقيقي القادم ليس “الدستور الصغير” لأن الحديث عنه سابق لأوانه،  وإنما باب الأحداث الانتقالية التي من المنتظر أن تحدث عملية مناقشتها بعض الخلافات داخل المجلس.

التراجع عن تعديلات النظام الداخلي ( تعديلات أعطت صلاحيات مطلقة للأغلبية البرلمانية، واعتبرتها المعارضة انقلابا، ورفضها حزب التكتل، شريك النهضة في الحكم)، أحدثت زوبعة داخل المجلس إلى درجة توعد بعض نوابكم بإحداث مفاجأة في جلسة التصويت. كيف تعاملتم للسيطرة على نوابكم؟

عبر التوافق نحرص على نزع فتيل هذا الخلاف. هذه التعديلات التي عطلت في الحقيقة السير الطبيعي للحوار الوطني و عطلت أهم المسارات الاساسية التأسيسية من تشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات والانتهاء من الدستور.

الدستور الذي ينتظره الشعب التونسي والعالم منذ أكثر سنتين، لا يستكمل إنجازه إلا بالتوافق وإنجاح الحوار الوطني.

لقد اجتمعت لجنة الفرز وقررت كتلنا سحب هذه التعديلات بعد أن أصبحت مصدر خلاف لتقدم على هذه الخطوة الجريئة والكبيرة التي رأت فيها مصلحة تونس.

ومن الطبيعي أن يحدث هذا القرار كل هذا التوتر والغضب بين النواب سواء داخل كتلة حركة النهضة أو في كتل أخرى، فليس بالأمر الهين التراجع عن قرارات لجلسة عامة أعلى سلطة في المجلس الوطني التأسيسي.

رئيس مجلس الشورى في النهضة  فتحي العيادي تحدث عن ضغوطات داخل الكتلة النيابية لحركة النهضة للخروج من الأزمة. ما صحة  ذلك باعتبارك رئيس الكتلة؟

هناك غضب كبير داخل كتلة حركة النهضة، و حاولنا معالجة الأمر ولا أنكر أنني قمت باستدعاء كل من أمين عام حركة النهضة حمادي الجبالي ونائب رئيسها الشيح عبد الفتاح مورو وسمير ديلو وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية لتهدئة التوتر وامتصاص غضب رافضي المس من مشروع التعديلات.

وهنا أشير أنه لا أساس من الصحة بخصوص كل ما يروج عن صفقة عقدت خارج المجلس جعلت حركة النهضة تتراجع عن هذه التعديلات. كل ما في الأمر أن حركة النهضة ارتأت هذه الخطوة الجريئة ليس من باب التنازل وإنما لأن مصلحة تونس فوق كل اعتبار. وعلى الجميع العودة تحت قبة باردو للعمل و لا شيء غير العمل.

ما صحة التصريحات الأخيرة المتداولة المتعلقة بصفقة بين حركة النهضة ونداء تونس؟

نرفض أي صفقة مع نداء تونس. وهذه كلها تأويلات لا أساس لها من الصحة. و كل ما يجمعنا بنداء تونس هو الحوار الوطني. وأية صفقة ستجمعنا معها ستكون تحت قبة الحوار الوطني.

لقد قرر النواب المنسحبون أن عودتهم للمجلس غير مرتبطة بالتراجع عن تعديلات النظام الداخلي و إنما باستئناف اشغال  الحوار الوطني..

الحوار الوطني سيستأنف قريبا. و لكن على كل طرف تحمل المسؤولية كاملة و من جهتنا سنقوم دائما بكل الخطوات الجريئة التي من شأنها أن تدفع بالمسار الديمقراطي الانتقالي.

إن ما يعنينا ككتلة داخل المجلس وكحزب سياسي هو أن هذه التعديلات أحدثت أزمة فقمنا بهذه المبادرة وعيا منا بضرورة مواصلة الحوار الوطني. و دفع التوافقات لتجاوز كل الخلافات والتوتر. اليوم ترفع كل مسؤولية تجاه حركة النهضة ككتلة وكحزب حتى يعرف الشعب التونسي الأطراف الحقيقة التي تقف وراء التعطيل وتراهن على كل الطرف لإفشال الحوار الوطني.

عديد القرارات والأحداث التي أربكت عمل النواب وجعلتهم غير قادرين على الالتزام بخارطة طريق الرباعي للحوار الوطني. هل تعتقدون أنه كان من الأفضل عدم تقييد مهام المجلس بمدة زمنية معنية؟

صحيح ..حيث كان من الأجدر عدم ضبط الحوار الوطني برزنامة محددة قبل انطلاقه. كان يجب الإعداد لمرحلة تمهيدية يتم فيها ضبط حكومة بديلة محايدة والمصادقة على الدستور وهيئة الانتخابات ثم بعد ذلك الانطلاق في الحوار الوطني.

كنا كحركة النهضة قدمنا هذا المقترح غير أن المعارضة استعجلت الأمور خاصة الجبهة الشعبية و اليوم نعاني من هذا الخلل المنهجي العميق و بصدد معالجته بعد أن تعطل الحوار الوطني في مرحلته الأولى. نجاح الحوار الوطني يتطلب فلسفة لأنه “حزمة من الالتزامات”  يحمل وهي أن يتم تتويج كلا المسارين الحكومي و التأسيسي في نفس الوقت والمصادقة عليهما بعد التوافق.

البعض يعتبر أنه كان من الأجدر المرور مباشرة إلى الانتخابات، ما هو موقف حركة النهضة بخصوص هذه المقترح؟

مقترح جيّد، ولكن يصعب المرور إليه في ظل هذه الظروف.