فضلت عائشة التي تعيش في مدينة طبرق – أقصى الشرق الليبي – ذكر اسمها مجرداً عند حديثها لـ “مراسلون”، وطلبت عدم ذكر أي بيانات توضح شخصيتها أو تظهر صورتها، فالمرأة المطلقة في ليبيا ضحية عادات مجتمع لايرحم، ومجرد ظهورها لوسائل الإعلام يعد جريمة لا تغتفر.
حلمت عائشة ككل الفتيات بزواج “ينقلها إلى حياة تمنحها السعادة والاستقرار، و كسر شوكة العزوبية في مقتبل العمر، قبل أن يداهم حلمها الجميل خريف اليأس، ويفوتها القطار”، بحسب قولها.
فضلت عائشة التي تعيش في مدينة طبرق – أقصى الشرق الليبي – ذكر اسمها مجرداً عند حديثها لـ “مراسلون”، وطلبت عدم ذكر أي بيانات توضح شخصيتها أو تظهر صورتها، فالمرأة المطلقة في ليبيا ضحية عادات مجتمع لايرحم، ومجرد ظهورها لوسائل الإعلام يعد جريمة لا تغتفر.
حلمت عائشة ككل الفتيات بزواج “ينقلها إلى حياة تمنحها السعادة والاستقرار، و كسر شوكة العزوبية في مقتبل العمر، قبل أن يداهم حلمها الجميل خريف اليأس، ويفوتها القطار”، بحسب قولها.
وبعد أن تجاوزت سن الزواج دق بابها فارس ليس من فضاء أحلامها، لكنه جاء بمعرفة الأب، الذي اعتبر زواجها صفقة من صفقاته مع صاحب مهنته، دون أن يكون لها رأي في ذلك، فاعتبرته نصيبها، ووافقت.
حياة مستحيلة
تم الزفاف ودخلت “عائشة” في حياة أخرى كانت تتمنى أن تكون سعيدة ومستقرة، إلا أن الزوج الذي جاء به القدر فجأة لم ير في عائشة الزوجة والشريكة في حياته، بل أرادها خادمة في البيت، كأي قطعة من أثاثه.
فرفضت هذا الواقع، واعترض الزوج، وانقلبت حياتهما رأساً على عقب، و تحول زوجها إلى جلاد يطال سوطه جسدها لأبسط الأسباب.
الضرب المبرح كان سبباً كافياً تغادر به “عائشة” بيت الزوجية إلى بيت أبيها، الذي بدوره لم يتفهم حجم المعاناة التي تتكبدها ابنته، وأجبرها على العودة إلى زوجها، حتى استقر بها الحال أمام قاضي الأحوال الشخصية، الذي يبحث في أوراق القضية، التي نصت صحيفة دعواها على أن “عائشة تطلب الطلاق للضرر المتمثل في الضرب المبرح وسوء المعاشرة الزوجية”.
غياب الأدلة
تقول عائشة “القاضي طلب دليلاً على تعرضي للضرب، فإما أن آتيه بشاهدين يحلفان اليمن على أنهما رأياني أُضرب على يد زوجي، أو تقرير شرعي يثبت تعرضي للضرب المبرح، وإلا فإن الدعوى تكون باطلة”.
وتستطرد “من أين لي أن آتي بشاهدين وأنا أعيش وحيدة بين أربعة جدران”، إلا أن فقدانها للإثباتات لم يثنيها عن عزمها على الطلاق.
فأصرت على ادعائها بالرغم من عجزها عن إثبات الضرر، وأمام هذا الإصرار قضت المحكمة بتطليقها حضورياً دون أية حقوق شرعية، لتتحول “عائشة” من جحيم الزوج إلى مطلقة ينظر إليها المجتمع نظرة دونية، وتعاني التمييز الذي يمارس ضدها في كل موقف من مواقف الحياة.
تزايد ملحوظ
قام “مراسلون” بجولة على مسؤولي سجلات محكمة طبرق الجزئية، وبالرغم من شح المعلومات التي حصلنا عليها، الا أننا تحققنا من أن عدد حالات الطلاق في الأشهر العشرة الأولى من عام 2013 بلغت 390 حالة، بمتوسط 39 حالة شهرياً، في المدينة التي بلغ تعداد سكانها 120 ألف نسمة بحسب تعداد عام 2011.
لم تتوفر في المحكمة قاعدة بيانات مستوفاة عن حالات الطلاق، من حيث الأسباب والأعمار وتباينها بين الزوجين، وغيرها من المعلومات التي قد تفيد في توصيف هذه الظاهرة.
طلاق دون حقوق
إلا أن اللافت للانتباه أنه غالباً ولغياب الدليل وشهود الإثبات تضطر الزوجة إلى الاتفاق الصلحي، الذي تحصل بموجبه على ورقة الطلاق مقابل تنازلها عن كافة حقوقها، أما في حالة تمكن الزوجة من إثبات الضرر فهي تضمن كافة حفوفها المادية التي تعينها على الحياة خاصة في وجود أطفال.
يرى نزار الجالي المحامي أن “القانون الليبي بشأن الأحكام الخاصة بالزواج والطلاق وتعديلاته يعد قانوناً سليماً، ولا توجد فيه ثغرات تتعثر عندها العدالة، خاصة بعد إلغاء قانون تعدد الزوجات”.
ويضيف الجالي لـ “مراسلون” أن القاعدة العامة تقول “القانون لا يحمي المغفلين”، ومن هذا المنطلق يعتبر أن “التأخير في تقديم الدعوى للضرر الناجم عن ضرب الزوج لزوجته حتى اختفاء آثر الضرب يزيل أسباب الدعوى”.
أسباب كثيرة
أما أستاذة علم الاجتماع العائلي ورئيس قسم علم الاجتماع بكلية آداب طبرق الدكتورة سالمة عبدالله ترى أن “أسباب الطلاق متعددة منها ما هي شخصية تعود إلى الفوارق الثقافية بين الزوجين، وينتج عنها انعدام لغة التفاهم، مما يؤدي إلى انشقاق بين الزوجين ينتهي بالطلاق، ومنها ما هي اجتماعية كالتباين في الوضع الاجتماعي، وتفاوت العمر بين الزوجين”.
واعتبرت عبدالله أن “شرب الخمر وتعاطي المخدرات من قبل الأزواج يعد أحد تلك الأسباب، بالإضافة إلى مشكلات العقم وعدم الانجاب، بينما تبقى مشاكل السكن، وانخفاض دخل الزوج من أبرز الدوافع إلى الطلاق”.
وأشارت إلى الأثار الاجتماعية للطلاق ليس على المجتمع والأسرة والأبناء فحسب، فهو يؤدي أيضاً إلى “انسحاب المطلقة من الحياة الاجتماعية وفقدانها الأمل في زواج أخر” وخاصة في وجود أطفال.
وأكدت عبدالله على ضرورة توسيع نطاق برامج الرعاية والمساعدات الاجتماعية لإزالة الأسباب المادية المهددة لحياة الأسرة.
وبين انعدام لغة التفاهم، والتباين الاجتماعي، والتعاطي، إلى جانب مشاكل السكن و انخفاض الدخل، وغياب الرعاية الاجتماعية؛ تبقى “عائشة” وبنات جنسها ضحية انشقاق بينهن والجنس الآخر، لا ينتهي بالطلاق فحسب، بل يحكم على المطلقة بفقدان الثقة في النفس، والعزلة الاجتماعية.