استفاق أهالي القصرين يوم 11 نوفمبر/ تشرين ثان على مشهد غير معتاد، إذ شهد محيط مستشفى القصرين انتشارا أمنيا واسعا، وتولت فرقة مختصة تمشيطه من الداخل، وخضعت جميع السيارات القاصدة المستشفى الى عمليات تفتيش.

وجاء هذا الانتشار وتلك الاجراءات المشددة بناء على معلومة وصلت إلى السلطات الامنية بوجود متفجرات في إحدى زوايا المستشفى، وتهديدات بتفجيره. لكن رواية أخرى أفادت أن أحد المواطنين استمع الى سيدة كانت توجه تعليماتها الى شاب بوضع شيء ما داخل المستشفى فاتصل المواطن بأحد المراكز وأبلغ عما سمعه فتم تطويق المستشفى تحسبا لوقوع مكروه.

استفاق أهالي القصرين يوم 11 نوفمبر/ تشرين ثان على مشهد غير معتاد، إذ شهد محيط مستشفى القصرين انتشارا أمنيا واسعا، وتولت فرقة مختصة تمشيطه من الداخل، وخضعت جميع السيارات القاصدة المستشفى الى عمليات تفتيش.

وجاء هذا الانتشار وتلك الاجراءات المشددة بناء على معلومة وصلت إلى السلطات الامنية بوجود متفجرات في إحدى زوايا المستشفى، وتهديدات بتفجيره. لكن رواية أخرى أفادت أن أحد المواطنين استمع الى سيدة كانت توجه تعليماتها الى شاب بوضع شيء ما داخل المستشفى فاتصل المواطن بأحد المراكز وأبلغ عما سمعه فتم تطويق المستشفى تحسبا لوقوع مكروه.

المستشفى الذي يقع في أطراف المدينة غير بعيد عن جبل الشعانبي وعن مركز القرار الجهوي لمقر المحافظة أصبح قبلة للمجموعات المسلحة بعد أن كان شاهدا منذ اندلاع ثورة 14 جانفي/ كانون ثان 2011 على أحـداث الثورة في المنطقة والمـحافظات المجاورة.

أيام صعبة زمن الثورة

في أيام الثورة، استقبلت هذه الوحدة الصحية العمومية المئات من القتلى والجرحى في الفتـرة المتراوحة بين نهاية ديسمبر/ كانون أول 2010 وجانفي/ يناير 2011 وكانت أيام 6 و7 من الشهر الأخير من أقسى الأيام التي عرفها المستشفى .

في تلك الفترة كانت الوحدات الصحية تستقبل يوميا المئات من الضحايا الذين طالتهم أيادي القناصة في مدينة القصرين ومناطق تالة وحيدرة. وكان الطاقم الطبي، على تواضع امكانياته، يجتهد في وقف نزيف الدم المتواصل والاستعانة في الحالات الصعبة بالمستشفيات الكبرى بالعاصمة.

كما شهد مستشفى القصرين أيام الثورة أعنف صور القتل والقنص. وكان الإطار الطبي يصطدم في كل مرة بالجماجم المتهشمة والأجساد المحترقة، وبأطفال مختنقين بالغاز المسيّل للدموع.

العشرات من أبناء الجهة وخاصة من المتكونين في قطاع الصحة تطوعوا لمساعدة الإطار الطبي في إسعاف الجرحى، والقيام بأعمال التنظيف والتعقيم التي لم يعد في مقدور الممرضين والأطباء القيام بها، وهو ما اضطر العديد منهم إلى المرابطة في المستشفى لأسابيع متواصلة دون راحة.

مرضى في البهو

بعد أكثر من ستنين من الثورة لم يشهد مستشفى القصرين أي تغيير. ورغم تتالي ثلاث حكومات فإن وزارة الصحة التونسية لم تستطع توفير أدنى التجهيزات لهذه الوحدة الصحية،  التي تستقبل يوميا عديد المرضى من مناطق مختلفة رغم نقص أطباء الاختصاص وحتى الأدوية الأساسية في بعض الأحيان.

ورغم الأراضي الشاسعة التي تحيط بمبنى المستشفى، والتي تعود ملكيتها إلى وزارة الصحة، إلا أن الاكتظاظ مازال السّمة المميزة لهذا المرفق الصحي.

ويرقد عديد المرضى في غرف صغيرة الحجم لا تتسع لمريضين على أقصى تقدير. بينما نجد فيها ستة فما فوق، بل بلغ الأمر الى استغلال البهو لإقامة المرضى رغم ضيقه.

ولم تشمل التوسعة هذا المستشفى الذي يمثل بوابة تونس من ناحية الغرب حيث يستقبل مرضى جزائريين علاوة على تغطيته حاجيات حوالي 600 ألف ساكن في الجهة، فضلا عن مناطق من المحافظات المجاورة على غرار قفصة وسيدي بوزيد والكاف.

المستشفى على لائحة الاستهداف

ذاكرة مستشفى القصرين التي ستحفظ في تاريخها  كل مراحل تطور الإرهاب في منطقة الشعانبي، ستذكر أيضا أبشع حادثة شهدتها المنطقة في شهر رمضان الماضي.

بعد غروب شمس يوم 29 جويلية/ تموز 2013، استقبل  المستشفى جثث 8 عسكريين تونسيين ذبحوا في كمين. يومها استهدفت مجموعة مسلحة تتبنى أفكارا جهادية سيارة عناصر من الجيش والأمن التونسي أثناء قيامهم بمهمة استكشافية، لملاحقة أثر المسلحين المتحصنين بجبل الشعانبي.

تلك الحادثة ولّدت صدمة كبرى في صفوف الأهالي والعاملين بالمستشفى، الذين سارعوا كعادتهم إلى الإحاطة بالجرحى بنفس الإمكانيات المحدودة.

هذه الوحدة الصحية التي عمقت العمليات الإرهابية جراحها واستقبلت في مناسبات عديدة ضحايا من عسكريين ومدنيين، باتت هي أيضا مستهدفة وذلك في إطار مخطط كامل لإرباك المدينة وبث البلبلة في صفوف الأهالي.

العناصر المسلحة المتواجدة في الجبل المحاذي للمستشفى، أرادت إرباك الامنيين حتى تتمكن من التنقل بكل حرية وتنفيذ مخططاتها، وهو ما يفسر استهداف الإطار الطبي في أكثر من مناسبة مما جعل العديد منهم يغادرون مواقع عملهم دون رجعة رغم الامتيازات المادية التي تقدمها وزارة الصحة للأطباء الإخصائيين العاملين في الجهات الداخلية.

تواصل المعاناة

الحالة التي آل إليها مستشفى القصرين ليست بمعزل عن الوضع في المحافظة عموما. فالمسلحون المتحصنون بالشعانبي منذ أشهر ساهموا في عزل المحافظة وتقليص نوايا الاستثمار ودفع التنمية في الجهة.

فلا حديث اليوم عن مشروعات صناعية ولا مصانع ولا استثمار أجنبي في المنطقة، بل ارتبط اسم القصرين بالإرهاب والقصف في الشعانبي، والنقص الفادح في الامكانيات والأدوية، مما ولد  لدى أهالي المنطقة احساسا بالظلم والشعور بسياسة التمييز التي تمارسها الحكومات المتعاقبة بالمقارنة الامكانيات المرصودة للمستشفيات في مختلف الجهات.

ويحتوي المستشفى على خمس قاعات عمليات لا تشتغل منها سوى ثلاث، حتى أن الأطباء يجدون أنفسهم في الانتظار مهما كانت حالة المريض.

كما يعاني هذا المرفق الصحي من نقص حاد في الأطباء إذ يتوفر إحصائيا طبيب واحد لكل 300 ألف ساكن في قسم الأذن والأنف والحنجرة و4 لكل 600 ألف ساكن في الجراحة وطبيبين لكل 600 ألف ساكن في طب العيون وطبيبين في قسم المجاري البولية أما قسم القلب وهو القسم الحساس فلا وجود ولو لطبيب واحد فيه، وكذلك الشأن بالنسبة لقسم الأمراض الجلدية وطب الأمراض الصدرية والحساسية والروماتيزم وأمراض المفاصل، في حين نجد في مناطق شرق تونس 16 طبيبا مختصا  لكل 100 ألف ساكن.
مازال مستشفى القصرين، الذي أحدث في الثمانينات من القرن الماضي، يعاني إلى اليوم من الفساد الاداري والوساطة في تحديد المواعيد، إضافة إلى قلة الامكانيات.