في ظل انفتاح آفاق النشاط السياسي وتكاثر الأحزاب أفرزت ثورة 14 كانون ثان/يناير في تونس ظاهرة جديدة، فقد وجد البعض الحل في الميدان الرياضي لكسب الشهرة وتوظيفها في الميدان السياسي.

عدد من السياسيين وجهوا اهتمامهم إلى الرياضة بالتوازي مع النشاط الحزبي والسياسي، من هؤلاء المهدي بن غربية، عضو المجلس الوطني التونسي التأسيسي والقيادي في حزب التحالف الديمقراطي، وسليم الرياحي رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر.

في ظل انفتاح آفاق النشاط السياسي وتكاثر الأحزاب أفرزت ثورة 14 كانون ثان/يناير في تونس ظاهرة جديدة، فقد وجد البعض الحل في الميدان الرياضي لكسب الشهرة وتوظيفها في الميدان السياسي.

عدد من السياسيين وجهوا اهتمامهم إلى الرياضة بالتوازي مع النشاط الحزبي والسياسي، من هؤلاء المهدي بن غربية، عضو المجلس الوطني التونسي التأسيسي والقيادي في حزب التحالف الديمقراطي، وسليم الرياحي رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر.

فالأول ظهر في دائرة الأضواء السياسية بعد تقلده منصب رئيس النادي الرياضي البنزرتي، وهو ما أكسبه شهرة محلية واسعة جعلته يكسب العديد من الأصوات، التي ضمنت له الفوز في انتخابات المجلس التأسيسي في 23 تشرين أول/أكتوبر 2011.

في حين وجه رجل الأعمال الثري سليم الرياحي ميولاته واهتماماته إلى الشأن الرياضي بعد أن خسر “المعركة” الانتخابية، ولم يكسب سوى مقعداً واحداً في انتخابات المجلس التأسيسي، رغم الأموال الطائلة التي انفقها خلال الحملة الانتخابية.

من السياسة إلى الرياضة

غير أن الرياحي سعى إلى مواصلة البقاء تحت الأضواء من خلال دخول معركة أخرى، وهي انتخابات رئيس نادي رياضي، وهو النادي الإفريقي، ليتم انتخابه في حزيران/يونيو 2012 رئيساً للنادي، لعله يجد في ذلك طريقا للنجاح السياسي مستقبلاً.

وفي هذا السياق يقول طارق العلايمي، المحامي والمحلل الرياضي المختص في شؤون الكرة التونسية: “إن الرياحي عمل على تلميع صورته في الداخل والخارج، وبعد فشل تجربته الأولى في أول عملية انتخابية تعيشها تونس بعد الثورة، اختار النهج الرياضي الذي يوفر له العديد من الامتيازات.”

ويضيف لـ”مراسلون”: “إن رئاسة فريق النادي الإفريقي المعروف بشعبيته وقاعدته الجماهيرية الواسعة يخول له كسب تعاطف شريحة هامة من المجتمع التونسي، كما أنه يساعده على التعريف بنفسه، بما أن صورته تتناقلها وسائل الإعلام المختصة في الرياضة ليكون بذلك وجهاً مألوفاً.”

فشل مؤقت

بعد أكثر من سنة على بداية تجربة سليم الرياحي الرياضية على رأس النادي الإفريقي لم يتمكن الفريق إلى حد الآن من تحقيق المطلوب.

ورغم ضخه أموالاً ضخمة ناهزت 30 مليون دينار تونسي (قرابة 13 مليون يورو) حسب تقارير مالية، إلا أن الفريق لم يجن أي نتيجة إيجابية.

وهو ما أكده العلايمي بقوله: “كانت جماهير النادي الإفريقي تعتقد أن فريقها سيكون رقماً صعباً في الموسم الماضي، إلا أن الفريق خرج من جميع البطولات دون أي لقب، سواء في كرة القدم أو كرة السلة أو كرة اليد، ولم تكن لأموال الرياحي أية فائدة إلى حد اللحظة.”

وما يحسب للرياحي في المقابل، هو أنه وجد الدعم الشعبي من قبل جماهير الفريق رغم الفشل الرياضي، وهو ما تبينه صفحته الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي، التي بلغ عدد المعجبين بها حوالي 200 ألف معجب أغلبهم من محبي النادي الإفريقي.

وهنا لا بد من الحديث عن النشاط السياسي لسليم الرياحي، الذي يحرص على أن تكون صفحته متوازنة بين الرياضي والسياسي والإعلامي (باعتباره يملك أيضا الذبذبات الخاصة بقناة التونسية التلفزيونية)، مما يؤكد أن هنالك توظيفاً – ولو كان غير مباشر – لمنصبه الرياضي في المجال السياسي.

يقول الإعلامي والمحلل السياسي الجمعي القاسمي لـ”مراسلون”: “إن الاستناد إلى القاعدة الرياضية التي تكون عادة واسعة بحكم شعبية الرياضة وخاصة كرة القدم، يعتبر نوعاً من استمالة الرأي العام ككل”، وهو ما حرص على القيام به السيد سليم الرياحي الذي غطت نشاطاته الرياضية والنتائج التي يحققها فريقه على نشاطه السياسي.

ويعتبر القاسمي أن وجود قاعدة جماهيرية واسعة اكتسبها الرياحي من خلال هذا النشاط الرياضي، قد ينجح في استمالتها وتوظيفها بشكل غير مباشر في المجال السياسي بما أنه يواصل تزعّم حزب سياسي.

غير أن هذه التجربة عادة ما تفشل، وفق قوله، “بحكم أن المزاج العام يختلف بين ما هو سياسي ورياضي”، فالقاعدة الجماهيرية الرياضية ليست بالضرورة هي ذاتها في الميدان السياسي، ولكل لعبة قواعدها وأصولها.

وفي هذا الشأن يقول القاسمي: “القاعدة السياسية عادة ما تكون متحولة ومتقلبة وفق المزاج العام والظروف السائدة، وهي بذلك تختلف كليةً عن القاعدة الجماهيرية، الأمر الذي يجعلنا نقول بأن توجه رجل الأعمال والسياسي سليم الرياحي إلى المجال الرياضي لا يعتبر بالضرورة ناجحاً، ولننتظر ما ستفرزه التجربة الانتخابية القادمة للحكم على مدى نجاح الرجل في الاستفادة من الحقل الرياضي.”

الإشعاع المحلي ضرورة

بالتوازي مع تجربة سليم الرياحي، التي رواح فيها بين السياسة والرياضة والإعلام، تلوح مرواحة عضو المجلس التأسيسي مهدي بن غربية، بين الرياضي والسياسي متوازنة وناجحة نسبياً.

فقبل الثورة كان بن غربية مغموراً، بل يكاد يكون مجهولاً لدى العامة رغم نشاطه السياسي في حقبة التسعينيات.

لكن إبان 14 يناير 2011 حصل تغيير جذري في مسار هذا الرجل الذي تقلد منصب رئيس النادي البنزرتي، ومن ثم ارتفعت أسهمه سريعاً، وهو ما خوله تحقيق النجاح في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عن محافظة بنزرت (شمال تونس) مرشحاً للحزب الديمقراطي التقدمي (قبل أن يتحول إلى حزب التحالف الديمقراطي حالياً).

ورغم التزاماته السياسية، واصل بن غربية رئاسة النادي البنزرتي فحقق معه بعض النجاحات التي جعلته يحظى بمساندة كبيرة من محبي هذا الفريق الرياضي.

ويعلق طارق العلايمي: “لقد سطع نجم النادي البنزرتي مع المهدي بن غربية، حيث أصبح منافساً جدياً على الألقاب المحلية، وفاز بكأس تونس لكرة القدم، وتأهل إلى نصف نهائي كأس الاتحاد الإفريقي”.

ويشدد على أن بن غربية نجح إلى حد كبير في مهمته الرياضية، وهو ما جعله محبوباً من جميع أبناء جهته في بنزرت لتتم مكافأته سياسيا بمنحه أصوات محبيه ومنحه الثقة ليفوز في انتخابات المجلس التأسيسي.

مشكلة قانونية

زواج المصالح بين الرياضة والسياسة لم يخلُ من بعض المشاكل التي طرحت في فترة سابقة، ومازالت إلى حد الآن لم تعرف الطريق إلى الحل.

وقد صدر بعد ثورة 2011 بتونس مرسوم جديد ينظم سير عمل الجمعيات وكيفية تسييرها، وهو المرسوم 88 لسنة 2011 مؤرخ في 24 أيلول/سبتمبر 2011 يتعلق بتنظيم الجمعيات. وبما أن الأندية الرياضية هي في الأصل جمعيات، فإن الفصل التاسع من هذا المرسوم، الذي يحظر الجمع بين تقلد مهام حزبية وجمعياتية في الآن نفسه، ينطبق عليها.

وقد تم في وقت سابق إعلام سليم الرياحي بضرورة الفصل بين رئاسة حزب الإتحاد الوطني الحر ورئاسة النادي الإفريقي، غير أن وجود بعض الثغرات القانونية جنبته هذه الورطة وبقي إلى حد الآن يمارس النشاطين دون أية مشكلة.

وتعالت بعض الأصوات التي تدعو الحكومة إلى تطبيق هذا القانون حتى لا يقع توظيف الجمعيات في خدمة الأغراض الحزبية والسياسية.

ومن بين الحريصين على هذه المسألة، المحامي صلاح الحجري الذي طالب الكتابة العامة للحكومة بضرورة احترام القوانين وتطبيقها. ويقول الحجري لـ”مراسلون”: “لقد أعددت ملفات متكاملة تبرز عدم احترام المرسوم 88 وكافة فصوله، وطالبت كتابة الحكومة بضرورة الحزم في تطبيقه حتى نتجنب توظيف الرياضة لأغراض وأهداف سياسية، لكن لا مجيب.”

ويقول محدثنا إنه تعرض لمضايقات لثنيه عن دفاعه المستميت عن هذا المرسوم، غير أنه مصرّ على المضي قدماً في مسعاه، مؤكداً أنه لا يستهدف أي شخص أو طرف محدد، بقدر  حرصه على تطبيق القانون والتقيد به.

وفي هذا السياق يعتبر أن هذا القانون لا يستثني أحداً، ولا يشمل فقط المسؤولين الرياضيين الذين لديهم نشاطات حزبية، بل يمس أيضاً بعض رجال السياسة الآخرين الذين أسسوا جمعيات خيرية على غرار الصادق شورو والحبيب اللوز (من زعماء حزب النهضة الحاكم)، واللذين يشرفان على جمعية الدعوة والإصلاح.

وبعيداً عن هذا الجدل القانوني واللغط الذي أثير سابقاً، فإن بعض المدافعين عن زواج المصالح بين السياسة والرياضة في تونس يرون أن هذه التجربة لا تعدّ حكراً على تونس، بل يمكن اعتبارها استنساخاً لتجارب دولية متعددة حدثت مثلاً في الخليج وفرنسا وإيطاليا، ولعل في تجربة سيلفيو برلسكوني، رئيس الوزراء السابق في إيطاليا ورئيس نادي ميلان، أفضل مثال على ذلك.