كشفت ثورة 14 كانون ثان/ يناير 2011 في تونس النقاب عن مواضيع كانت تعتبر من الملفات المسكوت عنها أو من المحظورات، التي لا يمكن الحديث عنها إلا في المجالس الخاصة.

وموضوع التحول الجنسي الذي كان فيما مضى من “التابوهات” لا يقبل أي شخص تداوله، أصبح اليوم حديث العديد من وسائل الإعلام في تونس، والفضل في ذلك يعود إلى فاطمة مليح التي تحولت بحكم القانون إلى محمد علي مليح، والذي قبل برحابة صدر الحديث إلى “مراسلون”.

كشفت ثورة 14 كانون ثان/ يناير 2011 في تونس النقاب عن مواضيع كانت تعتبر من الملفات المسكوت عنها أو من المحظورات، التي لا يمكن الحديث عنها إلا في المجالس الخاصة.

وموضوع التحول الجنسي الذي كان فيما مضى من “التابوهات” لا يقبل أي شخص تداوله، أصبح اليوم حديث العديد من وسائل الإعلام في تونس، والفضل في ذلك يعود إلى فاطمة مليح التي تحولت بحكم القانون إلى محمد علي مليح، والذي قبل برحابة صدر الحديث إلى “مراسلون”.

كل الملامح وتقاسيم الوجه وتعبيرات الجسم والحركات تدل على أن محدثنا رجل مكتمل الذكورة. في إحدى المقاهي الشعبية بتونس العاصمة جمعنا لقاء مع “دالي”، هكذا يريد أن تقع مناداته بعد أن غير اسمه في الوثائق الرسمية من فاطمة إلى محمد علي.

يقول محمد علي صاحب الثلاثين ربيعا لـ”مراسلون” إنه قرر التحدي ومواجهة نظرات الآخرين، فهو يريد أن يسترد رجولته المسلوبة طيلة ثلاثين عاما.

بدأت قصة فاطمة أو محمد علي منذ أن تفتحت عيناه في مجتمع ذكوري وفي بيئة يحكمها الرجال، فعندما ولد في محافظة تطاوين، المحافظة، بالجنوب التونسي، لم يتفطن والداه إلى وجود عيب خلقي وتشوه جعله لا أثنى ولا ذكر، وقررا أن يسجلاه “أنثى” بمسمى فاطمة في دفاتر الحالة المدنية. وربما بسبب قلة الوعي أو ربما الخوف من رد فعل هذا المجتمع القاسي، لم يفكر والده في أن يخضع المولود لأي فحص طبي دقيق.

كبرت البنت فاطمة، ولم تكن تدري أي مستقبل ينتظرها، بل لم تكن تعلم أي جنس هي، غير أنها اكتشفت ميولاتها الذكورية منذ الصغر.

يقول محمد علي “كنت شغوفا جدا برياضة كرة القدم، وأصرّ على لعب هذه الرياضة الرجالية مع الأولاد بزي فتاة مفتولة العضلات وكنت أبرع منهم، لكن شقيقي الأكبر كان ينهرني ويضربني أحيانا ويهددني بالويل أن عدت إلى مرافقة الأولاد”.

الهروب نحو المجهول

بدأت فاطمة عند سن البلوغ تكتشف اختلافها الكلي عن سائر الفتيات، فهي لم تحلم يوما بفارس يخطفها على حصان أبيض، ولم تتمن أن تكون يوما أمّا، بل عاشت مشاعر حيرة ورافقتها أسئلة جعلها خجلها تكتمها في سرها.

يتحدث محمد علي عن فاطمة فيقول “لم أشعر أنني فتاة عادية، فميولاتي كلها رجولية حتى في طريقة مشيتي التي لم تقدر ملابسي النسائية على إخفاء ملامحها. عند سنّ البلوغ ازدادت حيرتي، لا أعرف ماذا حصل؟ فما أنا بأنثى لديها نهدان وتأتيها الدورة الشهرية، ولا رجلا مكتمل الرجولة يقدر على معاشرة أثنى”.

ويضيف مستحضرا ماضيه القريب “أمي لم تكن قادرة على افهامي، والخجل ينتابني في اليوم ألف مرة، فقررت أن أغلق الباب على نفسي، وأن انتظر الآتي”.

تمضى الأعوام وفاطمة في دوامة الاضطراب الجسدي والنفسي التي أدّت بها  إلى الانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة. وبعد أن ظلت حبيسة جدران البيت المغلقة، قررت أن تخوض تحديها الأول بمباركة من العائلة.

“لقد عقدت العزم على التوجه إلى العاصمة تونس، كنت آنذاك في سن التاسعة عشر ربيعا، لم أفكر وقتها في البوح بسري ولكني أردت الإنعتاق من السجن النفسي الرهيب. وقررت أن أخوض تجربة حياة جديدة بزي امرأة وخصوصياتها، ولم أجد أفضل من ممارسة كرة القدم كحلّ لبدء مرحلة جديدة”، هكذا تحدث محمد علي بعد أن أخذ نفسا عميقا من سيجارته.

بعد أن عانت طويلا خلال أيامها الأولى في العاصمة، حيث اضطرت إلى قضاء فترة طويلة لدى أحد الباعة أصيلي جهته تطاوين، قررت فاطمة أن تخوض تجربة ممارسة كرة القدم النسائية فتقدمت إلى فريق الملعب التونسي للسيدات، وتم قبولها دون إجراء أي فحص طبي خاصة وأنها أظهرت مهارات عالية.

وانطلقت رحلة ممارسة هذه الرياضة لتتحول من لاعبة عادية إلى لاعبة دولية نشطت مع أكثر من فريق تونسي وتقمصت زي المنتخب التونسي للسيدات والمنتخب الإماراتي أيضا.

عن هذه التجربة يقول محمد علي بنبرة رجولية وصوت أجش لا يدل أبدا على أنه كان إلى وقت قريب يعامل على أساس أنه أثنى: “لقد برعت مع الملعب التونسي وانتقلت إلى فريق تونسي آخر وفّر لي كل الظروف الملائمة ووجدت الدعم المالي، الذي أنفقت جزء كبيرا منه على العائلة، لم أكن أفكر في الفوارق الجسدية بيني وبين زميلاتي حيث كنت أخشى أن يتفطن إلى هذا الإختلاف، وكثيرا ما أغير ملابسي بعيدا عنهن”.

ويضيف مستطردا “نجاحي لكوني أكثر قدرة على التحمل وأقوى بينة جسدية جعلني أكون ضمن أفضل لاعبات المنتخب التونسي للسيدات، قبل أن تتم دعوتي للعب في إحدى الدورات مع المنتخب الإماراتي، لقد لعبت لسنوات طويلة دون أن يتفطن أي كان لوجود اختلاف بيني وبين كل الفتيات”.

حب جارف غيّر مسار حياتي

في غمرة الإنغماس بممارسة كرة القدم “بقناع” يخبئ سرا كبيرا، دفعت الظروف بفاطمة للسكن عند إحدى العائلات التونسية التي احتضتنها كابنة لها. ومرّت الأيام لتكتشف فاطمة أنها تعلقت بإحدى بنات تلك العائلة، لكنه لم يكن حبا ممنوعا، وفق تعبيرها، بل كان حب رجل لامرأة، رجل يتمنى أن يتزوج بها، فدفع هذا الشعور الجارف بفاطمة إلى البوح بهذا السر المدفون منذ سنين لتجد التفهم من الفتاة، وتقرر فاطمة أن تتحول إلى محمد علي.

ويفسر محمد علي ما حصل بقوله: “وجدت نفسي رجلا عاشقا لفتاة أحلامه، ولكن أي رجل يقدر على الزواج وهو يرتدي زي النساء وهويته تؤكد أنه إمرأة؟ قررت بلا تردد أن أعيد إلى نفسي روحها وأصلها، وإصلاح هذا العيب الخلقي الذي لازمني كظلي”.

خضعت فاطمة لفحوصات طبية ونفسية مطولة انتهت باعتراف الأخصائيين بأنها إنسان أقرب إلى الرجل منه إلى المرأة، “فانطلقت بعد ذلك في مرحلة استعادة رجولتي المسلوبة على الورق ليكون الحكم التاريخي في مارس/ آذار الماضي، عندما تحصلت على حكم بات من المحكمة بتغيير كافة وثائقي من أنثى إلى ذكر وتغير اسمي من فاطمة إلى محمد علي”.

رجولتي أهم من كلّ شيء

لم تقتصر مساعي محمد علي على مجرد تغيير الجنس على الورق فحسب، بل كان كل همه هو إصلاح العيب الخلقي في جهازه التناسلي، وبما أن التدخل الجراحي يتطلب مبلغا ماليا كبيرا لا يقدر على توفيره، قرر “دالي” في الفترة الأخيرة الخروج عن المألوف وكسر حاجز الصمت ليكشف عبر وسائل الإعلام عن قصته المثيرة، علّه يجد من يساعده على توفير المبلغ المطلوب كي يجري العملية الجراحية.

يقول لمراسلون “لقد تعبت كثيرا في الفترة الماضية فبعد أن غيرت شكلي ونزعت عني ملابس النساء وحففت من شعري اضطررت للعمل في حضائر البناء بحثا عن الزرق بعد أن اعتزلت اللعب مع فرق النساء، لكن ذلك لا يفي بالغرض لأن استرداد الرجولة يتطلب الكثير من التنازلات والتضحيات.”

ويضيف “قررت أن أطرح قضيتي على الملأ، أنا رجل ولا أخشى لومة لائم رغم كل تلك النظرات المستغربة والمذهولة والقاتلة”.

ولعلّ إقدام محمد علي على اتخاذ هذه الخطوة كان مثمرا للغاية، لأن رئيس الإتحاد التونسي لكرة القدم حرص على استدعائه في مكتبه بعد إطلالته الإعلامية الأولى عبر قناة إذاعية، وسلمه مبلغ 8 ألاف دينار تونسي (4 ألاف أورو)، وقرر منحه جراية شهرية تناهز 320 دينار تونسي (أكثر من 150 أورو).

“هي مسألة حياة كريمة ولا بد أن أجاهد حتى يمكن لي أن أكون جديرا بعيشها، لذا قرّرت رفع التحدي ومواجهة الحقيقة دون خوف أو وجل، فأمنيتي أن أكون رجلا مثلما حلمت طويلا، والرجولة لا تكتمل إلا بالزواج والإنجاب” هكذا تحدث محمد علي المليح.

وقال في ختام لقائه بمراسلون أنه سيسافر قريبا إلى أحد البلدان الاوروبية حتى يخضع لعملية جراحية على مستوى جهازه التناسلي كي يخفي كل معالم الأثونة ويقدر على معاشرة زوجته مستقبلا بشكل طبيعي.