لم يغير انتشار التيار الديني وضع المرأة داخل المجتمع المصري فقط ولكنه أيضا دمر أنماط تقليدية أقدم كانت تعطي مساحات حرية أوسع للمرأة. فمنذ أن توقف تنقل القبائل البدوية واستقرارها فى محافظة مرسى مطروح (550 كيلو مترا شمال غرب القاهرة) كان للمرأة اليد الطولى داخل البيت البدوى إذ يطلقون عليها في القبيلة “عامود البيت” لأنها الأساس فى الحياة البدوية،

لم يغير انتشار التيار الديني وضع المرأة داخل المجتمع المصري فقط ولكنه أيضا دمر أنماط تقليدية أقدم كانت تعطي مساحات حرية أوسع للمرأة. فمنذ أن توقف تنقل القبائل البدوية واستقرارها فى محافظة مرسى مطروح (550 كيلو مترا شمال غرب القاهرة) كان للمرأة اليد الطولى داخل البيت البدوى إذ يطلقون عليها في القبيلة “عامود البيت” لأنها الأساس فى الحياة البدوية،

ربما تعد هذه الصورة مناقضة للصورة النمطية للمرأة البدوية، نتعرف هنا على صورة جديدة ومغايرة لهذا التنميط، وكيف تعطي الحياة التقليدية داخل القبيلة مساحة حرية غير معروفة لساكني المدن. وأيضا نرى كيف أثر تغلل التيار السلفي – الاوسع انتشارا في مطروح – على هذه الوضعية، وكيف قاومت المرأة هذه السيطرة بطريقتها الخاصة.

رمانة الميزان

يقول الكاتب البدوى عبدالله بوزوير من مرسى مطروح إن المرأه البدوية هى “رمانة ميزان البيت البدوي” والأسرة البدوية من قديم الأزل، وكلما كبرت فى العمر زاد وهجها وزادت قيمة ماتقوله وعز على من فى أسرتها أن لا ينفذوا ماتقول.

فمثلا في الماضي كان يعزى للمرأة أن تقيم “جابر البيت” وهو العامود الذى يوجد في منتصف الخيمة، ويجب أن يقام بحرفية إذ عليه ترتكز ثواقل الخيمة وعلى أساسه توزع الأحمال داخل البيت. وهذه المهمة فى بناء البيت دليل على التشارك بين الرجل والمرأة البدويين، وتقديرا لرأيها وأهميته فى الحياة الاجتماعية داخل الأسرة البدوية، يوضح بوزوير، وهى أيضا المسؤولة عن اطعام “الحوالة” – قطيع الخراف والماعز الذى تملكه الأسرة البدوية- وهى من تستقبل الضيف فى غياب الزوج ويؤخذ رأيها فى زواج الإبن وتقوم باختيار العروس له.

حق قديم

وعن بعض الحقوق التى تعتبر من الحريات التى تحظى بها المرأة البدوية منذ زمن بعيد داخل القبيلة حق الخلع. وهو ما يعرف فى الثقافة البدوية بحق “الزهد” وهو ما يشرحه فتحى فرج الباحث الحقوقى بقوله “أن يكون للمرأة كامل الحرية أن تعلن عن عدم رغبتها فى البقاء مع زوجها لأنها تعاف استكمال الحياة معه، ولها أسبابها التى من حقها أن تحتفظ بها لنفسها”.

ويضيف فرج  قائلا “إن من حق المرأة أن تذهب الى أحد كبار رجال قبيلتها ومن الأفضل أن لايكون والدها وتعلن عن إرادتها فى التخلي عن زوجها لعدم رغبتها فى الاستمرار معه ويقوم من “نزلت عنده” الزوجة – أي من ذهبت اليه للبقاء فى منزل أسرته مع نساء البيت لحين فض مشكلة زواجها – بالاتصال والتشاور مع أهلها وزوجها.

وفي كثير من الحالات التى تطلب فيها المرأة “الزهد” يكون لها ما أرادت خاصة إن أعلنت لمن نزلت عليه أسباب مقنعة فى طلب “الزهد” بل ويساعدها رجال القبيلة فى تحقيق ما أرادت طالما ثبت تضررها وأذاها من هذه الزيجة.

ويقول فتحى فرج إن هذا الحق قد حصلت عليه المرأة المصرية مؤخرا فيما عرف بـ “قانون الخلع” بينما تتمتع به المرأة البدوية منذ أزمنة سابقة “فهى فى هذا السياق مثلا تسبق المرأة المصرية بكثير” .

مكر اجتماعي

يرى بوزوير أن المرأة البدوية بذكائها الفطري المرتبط بالصحراء التى يمكن أن يتوه فيها من لايعلمها، خدعت التيار الدينى. فقد وافقت على ارتداء النقاب، على عكس ماكانت ترتدى من أزياء تقليدية ليست كاشفة لملامح جسدها لكنها كانت ذات وجه مكشوف ويمكن التعرف عليها فى مشيتها وعند انتقالها من نجع الى آخر للقيام بالواجبات الاجتماعية.

وبرغم أنها ارتضت أن ترتدى النقاب الذى ستر وغطى كل ملامحها لدرجة أنه يصعب على ابنها التعرف عليها فهى أطلقت لنفسها الحرية فى أن تقوم بأعمال لم تكن أبدا يمكن لها أن تقوم بها مثل “التسول” باستخدام هذا الساتر الظاهري الذى أرادت به أن تقول لأصحاب التيار السلفى أنه من السهل أن يستر الجسد، لكن يمكن للمرأة – إن أرادت – أن تقوم بما لا يتماشى مع فكرة الستر بالاساس باستعمال الساتر الخارجي المفروض عليها.

سلفيون لا يطبقون شرع الله

بينما كانت المرأة البدوية تتمتع بحقوق تقليدية قديمة مثل الخلع، كانت أيضا تعاني من هضم حقوق أخرى دينية بالاساس ولم يفلح التيار السلفي في استردادها، فعلى الرغم من نجاح السلفيين فى الانتشار فى ربوع الصحراء والنجوع القبلية منذ حوالى مايربو على الأربعين عاما، لكن لم يفحلوا فى استرداد حق أصيل وشرعى من حقوق المرأه البدوية وهو حقها فى ميراث والديها.

وكما يخبرنا فتحي فرج “أن المشاكل تتوالى بين أبناء العائلة الواحدة والقبيلة الواحدة بسبب عدم حصول المرأة على حقها فى الميراث بزعم أن ارث القبيلة لايخرج الى الأغيار من ابناء القبيلة التي تنتقل اليها المرأة البدوية بالزواج. رغم أن الشرع يعطيها ذلك الحق ومع ذلك لم يفلح التيار الدينى السلفى برغم انتشاره أن يعيد لها حقها المسلوب برغم أحقيتها له دينيا”.

معاناة التعليم

وعن تعليم المرأة البدوية وحقها فى الحصول على فرصة متساوية مع الرجل فى الوصول الى المراحل الجامعية من التعليم مثلها مثل الرجل البدوى تقول أم العز بريك وهي كاتبة بدوية ومدير عام باحدى الهيئات الحكومية بمطروح، إن مسألة التعليم داخل البيت البدوى خاصة للمرأة، محكومة بالاساس بتكوين البيت نفسه “فأنا مثلا لى أربعة اخوات غيرى كلهن واصلن تعليمهن الجامعى وبعضهن أكملت بعض من تعليمهن مافوق الجامعى من الدراسات العليا اعتمادا على ثقافة البيت الذى تربينا فيه حيث كانت أمى ترى أن التعليم للمرأه هو سلاحها الذى لايجب أن تفرط فيه برغم أميتها لكن وعيها سبق أميتها وعلمت بذكائها الفطرى أن الغد لن يكون فى صالح المرأة الا باستكمال تعليمها”.

وبالرغم من العقبات والضغوطات الاجتماعية التي تعرضت له من نساء القبيلة قبل رجالها فقد آلت  والدة الكاتبة على نفسها ألا تتركها وأخواتها دون استكمال تعليمهن الجامعي.

وفي نهاية حديثها أكدت أم العز أن المرأة البدوية مازالت تعاني من عدم حصولها على حقها فى التعليم مثلها مثل الرجل، لأن تأثير التيار السلفي فى الصحراء البدوية لم يعطها حقها كما يقول النص الديني أن لا فرق بين رجل وامرأة إلا بالتقوى وأن الجميع أمام الله متساوون بأعمالهم.