لماذا منعت قناة سي بي سي المصرية برنامجا كوميديا مثل “البرنامج” لباسم يوسف إذا لم تكن تخاف من تأثير السخرية على النظام المصري الجديد بعد 30 يونيو؟
لا يوجد تفسير أخر يمكن أن يصدقه صاحب عقل سوى أن البرنامج الذي كانت حلقات موسمه الثاني -29 حلقة- بمثابة ضربات موجعة لنظام الرئيس المعزول محمد مرسي، قد يشكل تهديدا للوجوه التي تريد أن تستحوذ على الساحة السياسية بعد رحيل الإخوان.
لماذا منعت قناة سي بي سي المصرية برنامجا كوميديا مثل “البرنامج” لباسم يوسف إذا لم تكن تخاف من تأثير السخرية على النظام المصري الجديد بعد 30 يونيو؟
لا يوجد تفسير أخر يمكن أن يصدقه صاحب عقل سوى أن البرنامج الذي كانت حلقات موسمه الثاني -29 حلقة- بمثابة ضربات موجعة لنظام الرئيس المعزول محمد مرسي، قد يشكل تهديدا للوجوه التي تريد أن تستحوذ على الساحة السياسية بعد رحيل الإخوان.
السخرية سلاح المصريين الفعال لاتزال مستمرة في التأثير، وكما يؤمن الكثيرون ممن نزلوا للشارع ضد مبارك بأن الثورة مستمرة حتى بعد سقوط رئيسين لا واحد، يعتقد عشاق السخرية في صورتها المنتشرة حاليا “القلش” أنه لا يوجد مسئول أو قيادة مصرية يمكنها أن تتجنب “قلش “المصريين عليها.
أصناف السخرية
سخرية المصريين تندرج تحتها أصناف عدة من أشكال الفكاهة، أشهرها طبعا النكتة الشعبية بمفهومها التقليدي والتي أوشكت على الانقراض قبل سنوات من ثورة يناير بسبب جمود الحياة السياسية التي لم تعد تتح للمصريين الفرصة لتأليف النكات وابتكارها، حتى أن النكات الموجهة ضد مبارك كانت تتكرر كل عدة سنوات لكن مع تغيير اسم رئيس الوزراء الذي يشاركه النكتة.
من أصناف السخرية أيضا، الامثال الشعبية التي تستخدم في التهكم على مواقف معينة، وهي أمثال لا تتجدد رغم تعاقب الأجيال، وطبعا رسوم الكاريكاتير والكوميكس، لكن هذه تحتاج فنانين محترفين، وحده “القلش” متاح لكل صاحب “دم خفيف” كما يصف المصريون خفيف الظل.
القلش هو العبارات الضاحكة التي يعلق صاحبها على تصريحات المسئولين وعناوين الصحف والشعارات التي يستخدمها السياسيون والأحزاب في حملاتهم الانتخابية، ويتميز أن أشكاله كثيرة ولا يحتاج سوى لكتابته عبر فيس بوك وتويتر ثم تنهال التعليقات المرحبة أو الرافضة للقلشة حسب الموقف السياسي لصاحب التعليق.
على سبيل المثال
مثلا، يطرح سامي عنان رئيس أركان حرب الجيش المصري سابقا صورة جديدة وعليها عبارة “سامي عنان .. رئيسا لمصر 2014” ، ليرد نشطاء ساخرون بنفس الصورة وعليها عبارة “سامي عنان ..رئيسا لحي النزهة 2014” ، وحي النزهة أحد أحياء مصر الجديدة، في اشارة واضحة لعدم قدرة عنان على تحمل مسئولية حكم مصر.
يكشف المثال السابق عن أهمية القلش كترمومتر لقياس اتجاهات الرأي العام على الأقل للجمهور الذي يملك حسابات على فيس بوك وتويتر، لست بحاجة هنا لسؤال الناس هل تؤيدون ترشح سامي عنان للرئاسة أم لا، فقط يمكن أن ترصد مدى تقبلهم للصورة صاحبت التعليق الساخر أو كما يقول المصريين “الصورة اللي بتقلش على سامي عنان” .
مثال أخر يؤكد أن القلش لا يؤثر فقط في الشخصيات وإنما الإتجاهات والتيارات السياسية، صاحب القلشة تخيل الحوار التالي:
هو: حضرتك بتدرس ايه/ أنا: تجاره / هو: شكلك كبير بس تجارة عربي ولا انجليزي ولا تجارة خارجية؟/ أنا: لا حضرتك أنا تجارة دين شعبة عقيدة، والمعنى من الحوار “القالش” واضح بكل تأكيد.
غير أن القلش لايمكن القول أنه محاصر داخل أسوار مواقع التواصل الإجتماعي، فهناك سهولة كبيرة في انتقاله للشارع عبر هؤلاء الذين تلقوا “القلشة” لأول مرة عبر فيس بوك مثلا، ثم نقلوها لسائقي التاكسي والبائع وعامل المصعد وغيرهم ، يضاف إلى ذلك أن فئات عديدة من هؤلاء الذين لم يعرفوا شيئا عن فيس بوك قبل الثورة باتت لهم حسابات على الموقع الأزرق.
صفات القلاش
وإذا كان “القلش” متاحا لكل المصريين، فإن من تميزا فيه تمتعوا بصفات محددة أبرزها طبعا خفة الظل، بجانب الاطلاع الدائم على الأحداث الجارية وسرعة التعليق عليها حتى يستطيع مواكبة تطلعات الجمهور الذي ينتظر دائما أول قلشة على أبرز حدث سياسي، فللقلش تاريخ صلاحية ولا يمكن لقلشة أن تنجح إذا مر على الحدث الخاص بها يومين على سبيل المثال. من الصفات أيضا التي يجب أن تتوفر في القلاش المتميز استقلاله السياسي، لأنه لو أردت اسعاد المصريين بقلشاتك لابد أن يتأكدوا من عدم انحيازك.
ما سبق ربما يفسر سبب عدم نجاح الإخوان والتيارات الدينية في مواجهة القلش ضدهم باطلاق قلشات ناجحة على معارضيهم، أولا بسبب غياب الإبداع والحس الفكاهي عن معظم أعضاء الجماعة، وثانيا لأنه من المستحيل أن يصدقك الجمهور في “القلش” على المعارض ويسامحك أذا سكت ولم تسخر من نفس الموقف إذا قام به السياسي الذي تدعمه رئيسا كان أو وزيرا أو نائبا برلمانيا.
قواعد عامة
يمكن رصد عدة قواعد تحكم انتاج القلش في وسائل التواصل المصرية منذ ثورة يناير وحتى الآن. يتقدمها أنه لا يوجد مسئول الآن يستطيع منع القلش ضده، يضاف إليها أن القلش سيظل مستمرا في نفس الاتجاه الحالي طالما الحياة السياسية تسير على نفس الوتيرة الحالية، وطالما يعطى المسئولين الفرصة للساخرين لامساك عبارات وتصريحات معينة والقلش عليها، وأخيرا، لا يسخر المصريون أبدا من أي مسئول أو شخصية يحترمونها ويصدقونها.