أحمد بزامة من سكان مدينة الكفرة، في أقصى الجنوب الشرقي الليبي، هو أحد الطلبة الخريجين لهذا العام من جامعة بنغازي، التي تعتبر أقرب جامعة إلى مدينتهم وتبعد عنها أكثر من 1000 كيلومتر شمالاً.

كان أحمد يضطر لقطع كل تلك المسافة جيئةً وذهاباً طيلة فترة دراسته، متحملاً ما يصفه بـ “سوء المعاملة” وتأخير صرف المنحة الدراسية المقررة.

التوسع الأفقي

تعد مدينة الكفرة من المدن الكبيرة في ليبيا، إذ يقطنها أكثر من 60 ألف نسمة، ويوجد بها فرع لجامعة بنغازي كلية الآداب والعلوم، يستقبل الطلبة من المدينة والمناطق المجاورة لها، فيما يوجد أكثر من 1000 طالب وطالبة يدرسون خارج المدينة لرغبتهم في دراسة تخصصات غير موجودة في الجامعة ككلية الهندسة.

يضيف بزامة “بلغ عدد الخريجين لهذا العام 200 طالب وطالبة، وكنا نطمح في الحصول على موافقة بشأن فتح فرع لكيلة الهندسة بالمدينة، غير أننا صُدمنا بالرفض بحجة عدم الرغبة بالتوسع الأفقي في بعض المدن، وهو ما دعا الطلبة للخروج في مظاهرة رافضة لقرار المؤتمر غير المقنع بالنسبة لهم”.

يعاني العديد من طلبة الجامعات في المدن والمناطق البعيدة بليبيا من مشكلة عدم توفر مرافق تعليمية عليا في مدنهم أو قريباً منها، حيث يضطرون للابتعاد عن الأهل وتحمل تكاليف السكن والدراسة التي لا يمكن أن تغطيها المنحة المقررة للطلبة.

طريق متهالكة

يقول رئيس المجلس المحلي لمدينة الكفرة محمد بو سدينة إنه خاطب هو وعميد جامعة الكفرة الدكتور سعد المنفي، عميد جامعة بنغازي بخصوص فتح فرع لكلية الهندسة في المدينة، وإن السبب الرئيسي لطلبه هذا كان سوء حالة الطريق الرابطة بين مدينتي الكفرة وبنغازي، فهي بحسب قوله “متهالكة ومحفوفة بالمخاطر، وتحول دون تمكن الطلبة من التنقل بين المدينتين بأمان”.

وقد قام عميد جامعة بنغازي – بحسب بو سدينة – بمخاطبة لجنة التعليم العالي بالمؤتمر الوطني العام، الذي رفض الطلب بحجة عدم التوسع الأفقي في بعض المدن ومن بينها الكفرة.

يقول الأستاذ باسم بوالناكرة، أحد أعضاء هيئة التدريس بجامعة بنغازي فرع الكفرة، إن “فتح كلية الهندسة هو مطلب رئيس لطلاب مدينة الكفرة، لافتاً إلى أنه ليس مستحيلاً ويصعب تحقيقه، وأن من حقهم الدراسة داخل مدينتهم”.

ونوه عضو هيئة التدريس إلى أن “سكن الطلبة السابق المخصص لهم في جامعة بنغازي احتل من قبل البعض، وتحول إلى مقار سكينة للنازحين من مدن متضررة جراء ثورة السابع عشر من فبراير”.

جامعة مستقلة

وقال “تقدمنا بطلب لفتح العديد من الكليات ومن أبرزها كلية الهندسة، ونتمنى من أعضاء المؤتمر عن لجنة التعليم العالي تبرير موقفهم الرافض لهذا الطلب، رغم أن الكفرة تملك جميع مقومات فتح الكلية، بالإضافة إلى أنها تملك ما يؤهلها لتكون فيها جامعة مستقلة، حيث توجد بها كلية آداب وعلوم وزراعة وقانون، فضلاً عن قسم افتتح لطلبة الإعداد بالكليات الطبية في الأعوام الماضية”.

ولفت أبوالناكرة إلى أن جامعة بنغازي فرع الكفرة تفتقر لعدة تخصصات منها الإعلام والهندسة ورياض الأطفال لتكون جامعة متكاملة ومناسبة لسكان المدينة، خاصةَ وأن المدينة تشهد تزايداً في أعداد الطلبة المتخرجين من سنة إلى سنة بسبب تزايد عدد السكان.

مشكلة كلية الهندسة بحسب عضو هيئة التدريس هي الأكثر إلحاحاً، حيث أن أمام الطلبة الذين تخرجوا من ثانوية العلوم الهندسية خياران، إما أن يتوقفوا عن الدراسة وإما أن يدرسوا في بنغازي في ظل هذه الظروف الأمنية المتدهورة، فضلاً عن بعد المسافة ومخاطر الطريق.

في السياق ذاته طالب أبوالناكرة وزير التعليم العالي ولجنة التعليم العالي بالمؤتمر الوطني بمراجعة قرار الرفض، وزيارة الكلية للاطلاع عليها وفتح قسم لكلية الهندسة أسوةً بكليتي الآداب والقانون بالمدينة.

أزمة الطالبات

من جانبه يلفت أحد أولياء الأمور الذي تحدث إلى “مراسلون” إلى مشكلة الطالبات بشكل خاص، إذ يقول “الطالبات يعانين من عدم قدرتهن على السفر والإقامة بعيداً عن الأسرة، خاصة في ظل عدم وجود سكن متاح للطلبة وسوء الأوضاع الأمنية في بنغازي، فأهالي المدينة يتصفون بالمحافظة والتقيد بالعادات والتقاليد، وهذا ما يدمر طموح العديد من الطالبات في المدينة”.

وكان لأعيان المدينة رأيهم في هذا الشأن أيضاً، حيث طالبوا إثر اجتماع عقدوه لبحث المسألة السكان بالتكاتف والتوحد على رأي واحد، واختيار وفد لمقابلة الحكومة ووزارة التعليم العالي، ينقل ردة فعل قوية من المدينة بهدف الحصول على الموافقة لإنشاء فرع لكلية الهندسة، من أجل مستقبل أبناء الكفرة وعدم تحميلهم مشاق السفر والبعد عن الأهل.

فتح هذه الكلية في المدينة سيمثل حلاً لعدد من فئات المجتمع، وهو مطلب اجتمع عليه طلبة الهندسة، وطلبة الشهادة الثانوية الهندسية، وأيضاً حاملو الشهادات العليا من ماجستير ودكتوراة، والذين نظموا مطلع الأسبوع الماضي وقفة احتجاجية للمطالبة بتعيينهم كأعضاء هيئة تدريس أسوة بزملائهم المعينين، وذلك لسد حاجة المدينة من أعضاء هيئة التدريس، وفتح تخصصات أخرى غير موجودة في جامعة الكفرة تستوعب عدد حاملي الشهادات العليا العاطلين عن العمل.

أما طلبة الثانويات الهندسية فقد اعتصموا بدورهم سلمياً أمام المجلس المحلي للمدينة، مطالبين بفتح فرع لكلية الهندسة، ومحملين المسؤولية كاملة لعضوي المؤتمر الوطني عن مدينتهم، نظراً لتواجدهم داخل المؤتمر باسمهم وعدم سعيهم لحل هذه المشكلة، والتي يعانى منها أكثر من 200 طالب وطالبة في المدينة، إضافة للطلبة الموجودين الآن في بنغازي للدراسة هناك منذ فترة.