في دهشة وعينين يملؤهما الخوف بادرني طفل في ناصية الشارع بقوله “طاهر وعزيزة احترقا”، ومع دهشتي وتلعثم لساني أضاف الطفل “حوش عيلة سيدي إبراهيم انحرق”.

عرفت حينها أن الازدحام الذي في الشارع، والشادر الذي يقفل الطريق هو مأتم لطفلين لقيا حتفهما إثر احتراق بيت جدهما بسبب الألعاب النارية التي رمى بها الأطفال قرب مواد قابلة للاشتعال، محفوظة بجانب محرك توليد كهرباء تقتنيه أسرة الحاج إبراهيم المنصوري للتزود منه عند انقطاع التيار الكهربائي.

في دهشة وعينين يملؤهما الخوف بادرني طفل في ناصية الشارع بقوله “طاهر وعزيزة احترقا”، ومع دهشتي وتلعثم لساني أضاف الطفل “حوش عيلة سيدي إبراهيم انحرق”.

عرفت حينها أن الازدحام الذي في الشارع، والشادر الذي يقفل الطريق هو مأتم لطفلين لقيا حتفهما إثر احتراق بيت جدهما بسبب الألعاب النارية التي رمى بها الأطفال قرب مواد قابلة للاشتعال، محفوظة بجانب محرك توليد كهرباء تقتنيه أسرة الحاج إبراهيم المنصوري للتزود منه عند انقطاع التيار الكهربائي.

طاهر (ثلاث سنوات)، وابنة خالته عزيزة (سنتان ونصف) اجتمعا مع باقي أفراد الأسرة في بيت جدهما – في مدينة طبرق شرقي ليبيا – كعادة العائلة في استقبال العيد، ولكن هذه المرة جاء العيد متزامناً مع فاجعة غطت على بهجته، وسرقت الابتسامة من شفاه الأمهات، وخطف الموت براءة الطفلين.

قصة (طاهر وعزيزة) ليست فريدة من نوعها، بل عشرات القصص والكوارث تسببت بها الألعاب النارية التي تدخل إلى البلاد في ظل فوضى الثغور وغياب الأمن، ليشتريها الأطفال بثمن بخس، وبقصد إضفاء البهجة يلقون مصيرهم ما بين التشوه والموت.

إصابات العيد

يكشف رئيس قسم الإسعاف والطوارئ بمركز طبرق الطبي الدكتور إيهاب أحمد أن عدد الحالات المصابة بالألعاب النارية خلال أيام العيد فاقت الثمانية والعشرين حالة، من بينها حالات جاءت بحروق تصل لنسبة 100 في المائة توفيت متأثرة بها، وإصابات بليغة وأخرى بسيطة، وأكثرها بشاعة تلك التي احترق على أثرها الطفلان طاهر وعزيزة.

وأضاف أحمد لـ “مراسلون” أن أغلب الإصابات التي وصلت إلى الإسعاف والطوارئ أيام عيد الأضحى هي إصابات في الأطراف، مشدداً على خطورة هذه الإصابات وخاصة في أصابع اليد، والإبهام على وجه الخصوص، لأنه يرتكز عليه ما نسبته 70 في المائة من عمل اليد، وإصابته غالباً ما تؤدي إلى البتر.

جرائم اقتصادية

وفي تصريح لرئيس قسم البحث الجنائي بمديرية أمن طبرق المقدم إبراهيم عبدالله عبدالجليل اختص به “مراسلون”، كشف أن “القانون يمنع دخول الألعاب النارية للبلاد، ويعاقب على بيعها”، في إشارة منه إلى قانون الجرائم الاقتصادية، وهو عكس الاعتقاد السائد بعدم وجود نص قانوني يمنع الإتجار بالألعاب النارية.

لكن بسط القانون ما زال أمراً يصعب فرضه، ويضيف عبد الجليل أن “تطبيق أي خطة أمنية للقضاء على الفساد والسموم، يحتاج لتعاون رجال الجمارك والحرس البلدي في مكافحتها، وكذلك الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، في توعية المواطن وتثقيفه وتحميله المسؤولية المباشرة عن سلامة أطفاله”.

كما أعرب عبد الجليل عن أسفه لغياب السلطات المختصة في المنافذ البرية والبحرية والجوية، وهي التي تمر عبرها هذه الأنواع من البضائع المستوردة ولا يتم إيقافها، أو تطبيق القانون حيال مستورديها.

بيئة قاسية

يقول أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة طبرق ضيف حسن جبريل، إن “حب الأطفال لكل ماهو قاسٍ وعنيف يعتبر حالة مرضية غير طبيعية، إلا أنه يمكن اعتبارها طبيعية في ظل الظروف التي تعيشها ليبيا، والبيئة الاجتماعية المريضة” على حد وصفه.

وأكد حسن أن “الحالة تتزايد كلما تعرض الأطفال للعنف كما في حالات الحرب، وليبيا عاشتها أو بالأحرى ليست بعيدة عنها، كما أن الفترة التي عاشت فيها ليبيا حالة عنف هي فترة طويلة، والدراسات تؤكد صعوبة تغيير البيئة الاجتماعية في هكذا حالات”.

كما اعتبر حسن أن المعاملة التي يتلقاها الأطفال في مجتمعنا، وخاصة خلال السنوات الأولى من أعمارهم، تتسم بالقسوة والعنف وهذا من عيوب بيئتنا الاجتماعية.

اليونيسف تحتج

منظمة الأمم المتحدة “اليونيسف” لحقوق الطفل، سجلت موقفاً تستنكر فيه الكارثة التي قضى فيها (طاهر وعزيزة)، وقالت منسقة اليونيسيف في طبرق قدرية عثمان لـ”مراسلون”، إنه “بين جشع عُبّاد المال والكسب السريع، وغفلة الأسر سجلت المدينة كارثة لا يمكن أن تمر مرور الكرام، فالسماسرة يتاجرون بالموت علانية، وأطفالنا يمرحون وبراءتهم تُنتهك على مرأى ومسمع منا جميعاً”.

وأشارت عثمان إلى ضرورة الخروج في وقفة احتجاجية تهدف إلى لفت انتباه المواطن إلى الخطر الذي يداهم الأطفال جراء هذا النوع من الألعاب المميتة.

ربما لا تكون الوقفة الاحتجاجية كافية لمنع الاتجار بهذه السلع، فالألعاب النارية تعج بها الأسواق وبأسعار زهيدة، وتدخل إلى البلاد من المنافذ البرية والبحرية في ظل الفوضى الأمنية التي تشهدها ليبيا، وفي وجود قانون يجرم تداولها، تغيب القوة المنفذة للقانون عن ردع المخالفين والحد من هذه الظاهرة.