بعد دوران عجلة الحوار، وانطلاق الترشيحات لرئاسة الحكومة الجديدة، تبدو عديد الاستفهامات مطروحة حول مصير الكُتل السياسية الحالية في ترتيبات المشهد القادم، وحول التحالفات التي يمكن أن تولد من رحم الحوار، وتلك التي قد لا تبقى متماسكة إلى غاية وصول الاستحقاق الانتخابي القادم.
فالتحالفات السياسية المكوّنة الآن على شكل جبهات، قد لا تستطيع الاستمرار أكثر في صورة نجاح الحوار، وانطلاق العدّ العكسي استعداداً للانتخابات القادمة، والتي يرجّح الكثيرون أنها قد لا تتجاوز ذكرى عيد الاستقلال في العشرين من آذار/مارس القادم.
بعد دوران عجلة الحوار، وانطلاق الترشيحات لرئاسة الحكومة الجديدة، تبدو عديد الاستفهامات مطروحة حول مصير الكُتل السياسية الحالية في ترتيبات المشهد القادم، وحول التحالفات التي يمكن أن تولد من رحم الحوار، وتلك التي قد لا تبقى متماسكة إلى غاية وصول الاستحقاق الانتخابي القادم.
فالتحالفات السياسية المكوّنة الآن على شكل جبهات، قد لا تستطيع الاستمرار أكثر في صورة نجاح الحوار، وانطلاق العدّ العكسي استعداداً للانتخابات القادمة، والتي يرجّح الكثيرون أنها قد لا تتجاوز ذكرى عيد الاستقلال في العشرين من آذار/مارس القادم.
والجبهات الحالية بُنيت أساساً على تحالف مرحلي، سواء في المعارضة أو في السلطة. والأقرب إلى الاعتقاد أن الجبهة الحاكمة، أو ما عُرفت في الساحة التونسية بـ “الترويكا” والمكونة من ثلاثة أحزاب، هي حزب النهضة الإسلامي، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الوسطي، وحزب التكتل ذو الطابع الليبرالي، تبدو اليوم أقرب إلى التشتّت.
فقد استنفد هذا التحالف أهدافه تقريباً، ويعيش منذ فترة خلافات، قد لا تظهر علناً، لكنها موجودة وملموسة، سواء في المواقف من أهم القضايا أو في خلال التصويت داخل المجلس التأسيسي.
النهضة بقيت متماسكة
وباستثناء حزب حركة النهضة، الذي بقي عملياً متماسكاً إلى حد الآن، ولم يعرف انشقاقات أو انسحابات، فإن حزبي المؤتمر والتكتل، قد عرفا منذ اليوم الأول لاستلامهما السلطة، خروج عدد كبير من مناضليهما وقياداتهما، بل وتكونت منهما تيارات وأحزاب أخرى بكاملها.
هذه الانشقاقات جعلت من حزبي الرئيس منصف المرزوقي والرئيس مصطفى بن جعفر، حملاً ثقيلاً على حركة النهضة، وأصبحا منذ فترة ليست بالقصيرة، غير قادرين، لا على تقديم الإضافة للمشهد السياسي، ولا حتى على النهوض بأعباء الشراكة في الحكم.
الأمر الذي سيدفع النهضة بالتأكيد إلى البحث عن حليف جديد قادر على سدّ الفراغ الذي تركه الحزبان الحليفان الآن في السلطة، وقادر بشكل خاص على تعويض التراجع الشعبي الذي بدأت تعاني منه الحركة منذ اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد في شباط/فبراير الماضي. وتجلّى ذلك في عدة استطلاعات للرأي التي تقول إن نسبة الرضا على الحركة في الأوساط الشعبية وفي نوايا التصويت ما انفكّت تتراجع يوما بعد آخر.
يرى العديد من المراقبين أن أقرب الأحزاب اليوم إلى عقد شراكة انتخابية مع حركة النهضة، هو حزب حركة نداء تونس، فحركة السيد الباجي قائد السبسي هي الأقرب عملياً إلى التحالف مع حركة الشيخ راشد، لما يتمتع به الرجلان من براغماتية عالية وقدرة على اقتراح الحلول السياسية لأهم المعضلات، وتقارب بدأ مؤخراً يلقي بظلاله على سير الحوار والحراك السياسي عامة في تونس، إضافة إلى حسابات المصلحة والخسارة عند كلا الرجلين وفي كلا الحزبين.
النداء هو الحل
تبحث حركة النهضة عن حليف قوي ومتقارب معها في الخيارات الاقتصادية والاجتماعية، أي اقتصاد السوق، وقيم المحافظة، وهو ما لن تجده إلا في حركة نداء تونس.
ومن ناحيتها تحظى حركة نداء تونس بزخم شعبي، لكنها تفتقر إلى تواجد برلماني؛ وتزخر بالكفاءات السياسية والإدارية والاقتصادية، لكنها تحتاج إلى مشروعية دينية تمسح عنها الاتهامات.
إذ طالما كفّر بعض الأئمة القريبين من النهضة “جماعة السبسي” وصنّفهم في خانة النظام الديكتاتوري القديم، عدوّ الإسلام كما يسمونه. في حين تحتاج النهضة أيضاً إلى حزب كبير ومحافظ تواجه به ما تسمّيه الجبهة الواسعة من العلمانيين واليساريين أعداء الدين.
وما تفتقر إليه النهضة قد لا تجده إلا في حركة النداء، والعكس بالعكس، وهو ما قد يوفّر أرضية من الحدود الدنيا للتلاقي بينهما.
وتمثل المشاورات والدعم الخارجي واللقاءات الثنائية، حتى وان كانت قليلة، بين قائدي الحزبين، مؤشرات ايجابية في طريق تحالف قد يرى النور بعد مخاض الحوار، وقد لا يصل إلى مبتغاه، إذا استجدّت أمور أخرى خلال سير العملية التفاوضية.
أما حزب المؤتمر، الذي خسر الكثير بخروج عدد من المؤسسين مثل عبد الرؤوف العيادي وأم زياد ومحمد عبو وغيرهم من قيادات الحزب، الذي زادت مشاكله تعقيداً، باختياره البقاء خارج العملية السياسية الدائرة حالياً، ورفضه التوقيع على خارطة الطريق.
على يمين النهضة
يدرك حزب المؤتمر يعرف جيداً أن صورة المشهد السياسي بعد نجاح الحوار الوطني لن تكون هي الصورة الحالية، وأن حلفاء الأمس ليسوا بالضرورة من سيكمّل معهم المشوار السياسي، لذلك بدأ منذ اليوم الأول لانطلاق الحوار، في البحث عن حلفاء جُدد.
وعاد إلى دائرة تواجده الطبيعي، حيث التقى مع حزبي محمد القوماني والهاشمي الحامدي في رفضهما للحوار، كما بدأ السيد عماد الدايمي، الأمين العام للمؤتمر، في إجراء مشاورات ماراثونية لا تنتهي مع كل من حزب حركة وفاء لعبد الرؤوف العيادي والتيار الديمقراطي لمحمد عبّو، وبعض الخارجين عن العريضة الشعبية، وتيار المحبّة (وجلها أحزاب ذات مرجعية إسلامية).
ويبدو أن هذه الأطراف التي تسعى قيادة حزب المنصف المرزوقي اليوم إلى الالتقاء معها حول رفض شروط الحوار، هي التي ستشكّل معها جبهة انتخابية قادمة، إذا ما توصّل المتحاورون إلى صيغة للاستحقاقات القادمة.
في نفس الوقت، يبدو أن متاعب حزب التكتّل، الشريك الثالث في الحكم، لا تنتهي. فإضافة إلى الانشقاقات التي لازمته منذ اليوم الأول لصعوده إلى دفّة الحكم، صحبة شريكيه.
ولا يبدو القرار السياسي للتكتل اليوم في يد واحدة، بل كثيراً ما يظهر مشتّتاً وحتى متناقضاً، بين جناح برلماني يصرّ على مواصلة تحالفه مع النهضة في كل القرارات، والذي يمثّله السيد المولدي الرياحي، وجناح خارج أسوار البرلمان، يحاول عبثاً أن ينحاز إلى المعارضة دون جدوى، ويمثله السيد محمد بنّور.
لكن الأقرب إلى الواقع، أن حزب التكتل قد فقد من شعبيته الكثير، وأن المركز الهام الذي تبوّأه الدكتور مصطفى بن جعفر، رئيس المجلس التأسيسي، لم يعط الإضافة للحزب، بقدر ما ساهم في تشظّيه وانقسامه.
ويجد حزب التكتل نفسه الآن في وضعية أقرب إلى التلاشي، بل قد يخرج من الخارطة السياسية نهائياً، في صورة غياب مفاجئ من أي نوع كان، لرئيسه، الذي قد يختار توديع السياسة إذا انتهى الدستور.