بعد أزمة سياسية في تونس استمرت أكثر من ثلاثة أشهر، يبدو أن هناك بصيص ضوء في نهاية نفق الأزمة، التي اشتدت بعد اغتيال البراهمي في 25 تموز/يوليو الماضي. وكادت الخلافات العميقة بين الحكومة والمعارضة أن تعصف بكامل المسار الانتقالي.

فقد اتفقت مختلف الأطياف السياسية على استقالة الحكومة الحالية، وأن تتولى شخصية مستقلة بالتوافق تشكيل حكومة غير متحزبة. وإنهاء أعمال المجلس التأسيسي وإنجاز دستور خلال ثلاثة أسابيع.

بعد أزمة سياسية في تونس استمرت أكثر من ثلاثة أشهر، يبدو أن هناك بصيص ضوء في نهاية نفق الأزمة، التي اشتدت بعد اغتيال البراهمي في 25 تموز/يوليو الماضي. وكادت الخلافات العميقة بين الحكومة والمعارضة أن تعصف بكامل المسار الانتقالي.

فقد اتفقت مختلف الأطياف السياسية على استقالة الحكومة الحالية، وأن تتولى شخصية مستقلة بالتوافق تشكيل حكومة غير متحزبة. وإنهاء أعمال المجلس التأسيسي وإنجاز دستور خلال ثلاثة أسابيع.

بوادر انفراج الأزمة ظهرت صبيحة الجمعة 24 تشرين الثاني/أكتوبر بعد تعهّد خطي لرئيس الحكومة الإسلامي علي العريّض بالاستقالة بعد 3 أسابيع من انطلاق الحوار الوطني الذي يجمع الفرقاء السياسيّين، فكانت بداية انقشاع الغيمة السوداء التي خيمت على سماء تونس ما بعد الثّورة.

عودة الغاضبين

إثر التعهّد بالاستقالة مباشرة عاد نواب المعارضة، الذين انسحبوا على خلفية اغتيال البراهمي، إلى المجلس التأسيسي ليملأوا مقاعد ظلّت شاغرة قرابة 3 أشهر، ويواصلوا عملهم الذي بدأ قبل عامين من أجل وضع دستور جديد يأمل التونسيّون بكل اختلافاتهم أن يكون ضماناً حقيقيّاً لحرّياتهم وحقوقهم.

وقد بدا رئيس حركة النّهضة التي تقود الحكومة في تونس مستبشراً ومتفائلاً من خلال تعليقه على تعهّد العريّض بالاستقالة وعودة النّواب المنسحبين للمجلس التأسيسي، إذ قال “اليوم وُضع قطار تتويج المرحلة الانتقالية على السكة الصحيحة، وبالنسبة للنهضة فهدفها هو الخروج من الأزمة الحالية. وسيصل القطار إلى محطته الأخيرة في غضون أشهر قليلة لتتويج ثورتنا بأول انتخابات حرة نزيهة تنتج أول ديمقراطية حقيقية في العالم العربي”.

يقول النّائب العائد لأروقة المجلس التأسيسي هشام حسني في حديث لـ”مراسلون”: “عدنا لعملنا بحيويّة أكثر، ويمكن الحديث عن بداية انفراج بجلوس الفرقاء السياسيّين على طاولة الحوار وعودة النّوّاب المنسحبين إلى المجلس التأسيسي (البرلمان) وتعهّد رئيس الحكومة بالاستقالة وفق خارطة الطّريق. وإلى اليوم  كل المؤشّرات تدل على ذوبان جليد أزمة أضرّت بكل المجالات تقريباً وفسحت المجال أمام الإرهاب لضرب أمن البلاد”.

كما أكد النائب المعارض لـ”مراسلون” أن جميع الحساسيّات السياسيّة تعي مدى خطورة الوضع، وهي عازمة على تجاوزه وتذليل العقبات في إطار الحوار الوطني الذي يعتبر أنّه لا يمثّل تعدياً على مهام المجلس التأسيسي، مثلما يقول عدد من نوّاب الائتلاف الحاكم خاصّة، إنّما هو مكمّل للسلطة الأصليّة ومحاولة لإيصال البلاد إلى برّ الامان.

التوافق هو الحل

وفي السياق ذاته ذهبت الأمينة العامّة للحزب الجمهوري المعارض ميّة الجريبي في اتجاه زميلها في تصريح لـ”مراسلون”، فهي ترى أنّ بوادر انفراج الأزمة ظهرت بوضوح بتوافق الأحزاب السياسيّة والانطلاق الفعلي للحوار الوطني؛ ممّا يطمئن المؤسسات المالية الدولية التي أبدت مؤخّراً تخوّفها من وضع تونس السياسي وتأثيره الخطير على اقتصاد البلد.

لم تكن النّائبة المعارضة على خطأ، فبعثة صندوق النقد الدولي التي زارت تونس خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي أبدت قلقها إزاء المخاطر السياسية الكبيرة في تونس، مما يؤخر تطبيق خطة المساعدة التي أقرها الصندوق. كما حذرت البعثة من زيادة المخاطر المحدقة بالاقتصاد التونسي بسبب الأزمة السياسية والتطورات الأمنية.

بالتزامن مع تحذيرات صندوق النّقد الدّولي ألغى البنك الإفريقي للتنمية القسط الثاني من القروض التي تم الاتفاق عليها مع الحكومة بسبب عدم وضوح الرؤية الاقتصادية وخاصة السياسية، ولكن ها قد بدأت الرؤية تتوضّح، الأمر الذي سيعث برسائل مطمئنة للمؤسسّات الماليّة، حسمبا أكّدت النّائبة المعارضة لـ”مراسلون”.  

المحلّل السياسي الجمعي القاسمي اعتبر في حديث أدلى به لـ”مراسلون” أن ما تم خلال الأيام القليلة الماضية هو مقدّمة لانفراج لأسوا أزمة عرفتها البلاد، باعتبار أن رئيس الحكومة أودع تعهّداً نصيّا باستقالته وفق خارطة الطّريق، أي في غضون 3 أسابيع من انطلاق الحوار الوطني.

يتابع المحلّل السياسي قائلاً: “بدأ العدّ التنازلي، وتشكّلت اللجان لتطبّق محاور خارطة الطّريق بمعنى المسار الحكومة والدّستوري والتحضير للاستحقاق الانتخابي المقبل عبر إنشاء هيئة انتخابات وسن قانون انتخابي وتحديد موعد نهائي لإجرائها”.

عقبات في الطريق

وفي ختام حديثه مع “مراسلون” أشار القاسمي إلى عدم إمكانيّة الحديث عن بوادر انفراج الأزمة دون التطرّق للعقبات التي يمكن أن تحصل خلال الأيّام القادمة في حال عدم الاتفاق على رئيس الحكومة المقبل، وتجاوز عقبة المجلس التأسيسي فيما يتعلّق بمنح الثقة للحكومة الجديدة وغيرها من النقاط الخلافيّة التي تسعى الأحزاب السياسيّة للتوافق بخصوصها.

خارطة الطريق التي تقدّمت بها منظّمات وجمعيّات، من أهمّهم الاتحاد العام التّونسي للشغل، نصّت على أن يقدم رئيس الحكومة استقالة حكومته في أجل أقصاه ثلاثة أسابيع من تاريخ الجلسة الأولى للحوار الوطني، على أن تحل محلها حكومة كفاءات ترأسها شخصية وطنية مستقلة لا يترشح أعضاؤها للانتخابات القادمة.

كما تنص على تشكيل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي ستتولى تنظيم الانتخابات العامة القادمة في أجل أسبوع واحد من تاريخ الجلسة الأولى للمفاوضات وإصدار قانون انتخابي في أجل أسبوعين من تاريخ الجلسة الأولى للمفاوضات وتحديد تاريخ المواعيد الانتخابية في أجل اسبوعين من إنهاء تركيز هيئة الانتخابات.

وبحسب الخارطة يتعين على المجلس التأسيسي أن يصادق على الدستور الجديد لتونس في أجل أقصاه أربعة أسابيع من تاريخ الجلسة الأولى للمفاوضات بالاستعانة بلجنة خبراء تتولى دعم وتسريع أعمال إنهائه لتمر البلاد إلى ثاني انتخابات بعد الثّورة وإنهاء المرحلة الانتقالية.

وتجدر الإشارة إلى أن بداية الأزمة كانت يوم 25 تموز/يوليو الماضي الذي مثّل تاريخاً أسود باستهداف جماعة سلفيّة للنّائب القومي محمّد البراهمي بأربع عشرة رصاصة استقرت في أنحاء متفرّقة من جسده لتخمد أنفاسه.

على إثر العملية انسحب نوّاب المعارضة من المجلس التأسيسي (البرلمان) وتعطّلت أعماله محمّلين الحكومة التي تقودها حركة النّهضة الإسلاميّة المسؤوليّة ومطالبين باستقالتها فوراً، وهو ما رفضته الحركة، ممّا دفع المعارضة التّونسيّة لتنظيم ما عُرف باعتصام “الرّحيل” في ساحة باردو يقابله اعتصام مساندة الشّرعيّة لأنصار الحكومة، فكان مشهداً مصغّراً لانقسام التّونسيّين.

الوضع تفجّر أكثر بعد تسريب وثيقة تثبت أنّ حكومة الإسلامي علي العريّض كانت على علم باستهداف النّائب البراهمي قبل 12 يوماً من اغتياله ولم تحرّك ساكناً، فزاد الاحتقان ودخلت البلاد في حداد لا يقطع سكونه سوى صوت الرصاص، الذي تصدره أسلحة المتشدّدين من جهة وعويل أمّهات بلغهنّ خبر وفاة أبنائهن دفاعاً عن الوطن خلال الاشتباكات بين الأمن والجيش مع هؤلاء المتشدّدين.

نهاية هذه الازمة التي عصفت ببلد لا طموح لأبنائه سوى الاستقرار والحريّة وتحسين ظروف المعيشة كانت رهينة توافق بين النّخب السياسيّة.