وأنت تسير في أزقة مدينة طرابلس القديمة سيلفت نظرك تزايد عدد المحلات التي تعرض المنتجات والحلي المصنوعة من العاج، رغم أن الإتجار بهذه المادة مجرم دولياً، كما أن أسعارها تفوق أسعار الذهب الأصفر بأضعاف.
فكيف تكون هذه السوق؟ ومن أين تأتي البضائع المعروضة فيها؟ ومن هم الزبائن الرئيسيون؟ أسئلة قادت “مراسلون” للقيام بجولة على أصحاب المحلات التي تبيع العاج للوقوف على حيثيات هذه الظاهرة.
امتنعوا عن الكلام

وأنت تسير في أزقة مدينة طرابلس القديمة سيلفت نظرك تزايد عدد المحلات التي تعرض المنتجات والحلي المصنوعة من العاج، رغم أن الإتجار بهذه المادة مجرم دولياً، كما أن أسعارها تفوق أسعار الذهب الأصفر بأضعاف.
فكيف تكون هذه السوق؟ ومن أين تأتي البضائع المعروضة فيها؟ ومن هم الزبائن الرئيسيون؟ أسئلة قادت “مراسلون” للقيام بجولة على أصحاب المحلات التي تبيع العاج للوقوف على حيثيات هذه الظاهرة.
امتنعوا عن الكلام
تخوف التجار وامتناعهم من الحديث للإعلام كان متوقعاً، فبعض التجار سمح بالتقاط صور لبضاعته، إلا أنه رفض الحديث عن الموضوع خوفاً من “لفت نظر الجهات المسؤولة عن منع تداوله بالسوق الليبية”، بحسب قولهم.
ولكن بعد زمن من البحث التقينا محمد صالح، أحد التجار السابقين، والذي أكد أنه ترك هذه المهنة بعد الثورة، حيث “رحلت معظم الشركات الصينية التي كان موظفوها يشكلون الفئة الأكثر طلباً لهذا النوع من السلع الثمينة، بالإضافة إلى الجنسيات الآسيوية الأخرى وإن كان بنسب أقل”، يقول صالح.
سوق للصينيين
عدد من التجار تحدث لـ”مراسلون” عن سبب سعي الصينيين لاقتناء العاج، فهم “يعتقدون بأنه يقي من الحسد وفق الثقافة الصينية، كما أن اقتناءه كما يبدو يدل على المنزلة الرفيعة”.
شجع هذا الإقبال الصيني الكثير من تجار السوق التقليدية الليبية على استيراد العاج على هيئة تحف وحلي وأشياء أخرى مصنعة، رغم ارتفاع أسعاره عالمياً.
وعن كيفية استيراد العاج أجابنا أحد التجار بالسوق قائلاً “عن طريق التهريب”، وأكد أنه “تم إحياء طرق وخطوط تجارية قديمة تربط بين داخل افريقيا و سواحل المتوسط”، بخاصة وأن ضعف سيطرة أجهزة الدولة على المنافذ البرية ساعد على تنشيط الحركة فيها بحرية.
عبر المنافذ الرسمية!
إلا أن الطرق البرية ليست المعبر الوحيد لمرور هذه السلعة الثمينة، بل هناك من يتجرأ على تهريبها عبر منافذ الموانئ والمطارات، خاصة أن الجهات الرقابية في ليبيا لا تدقق عليها، وليبيا ليست من الدول الموقعة على اتفاقيات حماية الحيوانات المعرضة للانقراض بشتى أنواعها. لكن الخطر في هذه الحالة يكمن في إمكانية القبض على التاجر في أحد المطارات والموانئ الخارجية.
يقول أحد تجار العاج في سوق الصناعات التقليدية إن “قائمة المنتجات المصنوعة من العاج تشمل الحلي والتحف والتماثيل الصغيرة والعاج الخام وأقراط الزينة وغيرها”.
في حين يتم البيع، بحسب التاجر، وفق الحجم والشكل، وقد يتجاوز سعر بعض القطع مئات الدينارات حسب دقة وجمال النقوش، حيث يقدر سعر المشط بنحو 65 ديناراً (أكثر من 50 دولاراً أمريكياً)، والحلي تتجاوز ثمن القطعة الواحدة 200 دينار (160 دولاراً)، فيما تفوق أسعار التحف ذلك بأضغاف.
الحاضرة الغائبة
تكافح المنظمات والهيئات المعنية بالحفاظ على الحياة البرية، بالتعاون مع الدول الإفريقية لسن قوانين تحد من ظاهرة صيد الفيلة من أجل عاجها الثمين، إلا أن تجارة العاج تسجل في ذات الوقت نشاطاً كبيراً وملحوظاً في السوق الليبية.
والجدير بالذكر أن ليبيا قبل ثورة السابع عشر من فبراير شكلت عن طريق نقابة الذهب والفضة والمعادن الثمينة، (المتوقفة في الوقت الحالي عن عملها كالكثير من الجهات العامة)، لجنة مشتركة بعضوية أفراد النقابة والأمن الداخلي والخارجي والحرس البلدي لمكافحة هذا النوع من التجارة.
وكان السبب في مكافحتها هو ما سيترتب عليها من مخاطر على سوق الذهب، فقد تؤدي إلى رفع أسعار الذهب بشكل كبير، لأن رواج تجارة مماثلة للذهب من حيث الجودة والسعر ودقة الصنع كفيلة بغزو السوق الليبية والتسبب في ارتفاع أسعار المعدن الأصفر، ولكن اللجنة التي شُكلت توقفت هي الأخرى عن العمل لأسباب غير معلنة.
وقد تعذر على “مراسلون” تتبع موضوع اللجنة وما وصلت إليه في هذا التكليف، فالجهات المشتركة في تشكيلها إما تم حلها كونها أجهزة أمنية كانت تتبع نظام القذافي، أو متوقفة عن العمل حالياً لأسباب مختلفة.
يرى مراقبون اقتصاديون أن البلاد خلال هذه الفترة تشهد انفتاحاً تاماً، الأمر الذي يشجع التجار على استغلال الفرصة لترويج العديد من السلع، بما فيها المحظور عالمياً، بسبب غياب الجهات الرقابية، وكثرة الطلب على هذه الأنواع من السلع المربحة والنادرة عالمياً.