بدأت القضية بخروج ابراهيم جضران رئيس المكتب السياسي لإقليم برقة غير المعترف به رسمياً في ليبيا، وشقيقه سالم جضران على القنوات الفضائية يوم 22 سبتمبر 2013، واتهامهما للمؤتمر والحكومة بمحاولة رشوتهما، ودفع أموال لهما مقابل فك الحصار على الموانئ النفطية التي يغلقانها.

وذكر جضران اسم رئيس لجنة الطاقة بالمؤتمر الوطني العام ناجي مختار، باعتباره من قام بدفع الأموال التي بلغت قيمتها 30 مليون دينار ليبي (أكثر من 23 مليون دولار أمريكي) على هيئة صكوك، مختار أنكر في البداية تلك الاتهامات، مشيراً إلى أن السيد جضران هو من طلب المال من أجل فك الحصار، ونافياً قيامه بالدفع.

بدأت القضية بخروج ابراهيم جضران رئيس المكتب السياسي لإقليم برقة غير المعترف به رسمياً في ليبيا، وشقيقه سالم جضران على القنوات الفضائية يوم 22 سبتمبر 2013، واتهامهما للمؤتمر والحكومة بمحاولة رشوتهما، ودفع أموال لهما مقابل فك الحصار على الموانئ النفطية التي يغلقانها.

وذكر جضران اسم رئيس لجنة الطاقة بالمؤتمر الوطني العام ناجي مختار، باعتباره من قام بدفع الأموال التي بلغت قيمتها 30 مليون دينار ليبي (أكثر من 23 مليون دولار أمريكي) على هيئة صكوك، مختار أنكر في البداية تلك الاتهامات، مشيراً إلى أن السيد جضران هو من طلب المال من أجل فك الحصار، ونافياً قيامه بالدفع.

لكنه عاد وتراجع عن تصريحاته واعترف بأنه أعطى صكوكاً لجضران من ماله الخاص بغية حل الأزمة، وأنه لم يستشر في ذلك أحداً من المؤتمر ولا من الحكومة.

كشف حساب

بعد ذلك تداول نشطاء على الفيس بوك صوراً لكشف حساب ناجي مختار، يبين أن هناك مبلغاً تم إيداعه في الحساب يوم 22 سبتمبر 2013، بموجب صك مؤرخ في 21 سبتمبر 2013، من حساب في مصرف الصحاري الرئيسي، ممهور بتوقيعين وتبلغ قيمته 3.7 مليون د.ل.

ويًظهر الكشف أنه في نفس اليوم تم تحويل مبلغ 2.5 مليون د.ل لسالم الجضران، وتحويل مبلغ 3000 د.ل لعلي فرج حماد (موظف بديوان المؤتمر الوطني العام ومنسب للجنة شؤون الطاقة بالمؤتمر بمنصب مدير العلاقات العامة بلجنة الطاقة).

هذا و لم يوضح الكشف هوية أو بيانات الطرف الثالث الذي قام بتحويل المبالغ لناجي مختار ليقوم بدوره بتحويلها للأخوين جضران.

كرة نار

الإعلامي عيسى عبد القيوم  يقول أنه “على السيد النائب العام أن يخرج لمواجهة الرأي العام، فالقضية تحولت إلى كرة ثلج تتدحرج وتزداد حجماً، والصمت ربما يحولها إلى كرة نار، وعليه تقع مسؤولية تهدئة الشارع، والسيد المفتي قال على قناة ليبيا الوطنية إذا لم يحقق (النائب العام) فى القضية فليستقيل”.

وبدأ الرأي العام يتجه إلى أن القضية هي قضية رشوة، تورط فيها المؤتمر الوطني العام بالاشتراك مع الحكومة.

ليست من حسابات الدولة

الأربعاء 2 اكتوبر 2013، خرج رئيس الحكومة الليبية على زيدان، مؤكداً أن الصكوك المدفوعة في أزمة إغلاق الموانئ النفطية لم يصرف مليم واحد منها من حسابات الدولة، وأن ديوان المحاسبة على اطلاع على الأمر.

مضيفاً “ما جرى هو أن فئة أبدت نيتها بيع السلاح، وأبدينا نيتنا دفع المبلغ بالمقابل، واشترطنا الدفع بعد الاستلام، ولم يتم التسليم من جانبهم، فلم يتم الدفع من قبل الحكومة، وإذا قام شخص بالدفع من حسابه فهو أمر يهمه، ونحن واثقون بما قمنا به، وإذا تكرر الأمر سأكرره مرتين وثلاثاً، ولا إشكال في ذلك، ونحن حريصون على المال العام”.

إلا أن زيدان لم يوضح كيف تم التفاوض على شراء السلاح من جضران، وما هي الأدلة التي تثبت مزاعمه، ومن هم الشهود؟.

حسابات حكومية متورطة

بعد ذلك تم تسريب تقرير وحدة مكافحة غسيل الأموال بمصرف ليبيا المركزي، مختوم بتاريخ 24 سبتمبر 2013 – وتزينه كلمة سري جداً – موجه لمحافظ المصرف، ويتحدث التقرير عن قيام الوحدة بتتبع وتحري مزاعم عن تلقي سالم الجضران مبلغ 30 مليون دينار كرشوة من ناجي مختار رئيس لجنة الطاقة بالمؤتمر الوطني مقابل فك الحصار عن الموانئ النفطية.

التقرير يبيّن بعد التحقيق والتحري أن ناجي مختار تحصل على الأموال من حساب بمصرف الصحارى تابع لمجلس الوزراء – قوة الردع، خلافاً لما صرح به من أن ما قام بدفعه هو من ماله الخاص ولا علاقة لمجلس الوزراء به، وخلافاً أيضاً لما قاله زيدان بأن الصكوك التي عُرضت لم تكن صكوكاً من الحكومة بل من حسابات خاصة، والشخص المعني اعترف بها.

الأسئلة كثيرة هنا نحتاج من يجيب عليها، بداية من سالم الجضران، هل سيرجع هذه الأموال أم سيبقيها لديه؟، وماذا سيترتب على هذه المعاملات المليونية؟، وهل تورط مصرفا الصحارى والتجارة والتنمية في التسهيل لتحويل هذه الأموال بدون مراجعة الجهة المعنية؟، ومتى سيكون لدينا نظام مصرفي رقابي بمنظومة موحدة تسائل وتحاسب من تصرف له أموال بهذه القيمة؟، ومن المخول بالتوقيع عن حساب قوة الردع التابعة لمجلس الوزراء، والذي قام بالتوقيع على الصك المدفوع؟.

النائب العام يحقق

المتحدث الرسمي باسم مكتب النائب العام الصديق الصور أكد لـ “مراسلون” أنه بعد تسلمه “تقريراً من وحدة مكافحة غسيل الأموال بمصرف ليبيا المركزي بخصوص الصكوك المقدمة لسالم جضران، بدأ المكتب بالتحقيق في القضية، والتي تم على ذمتها حبس كل من أمين شؤون التنظيم بديوان مجلس الوزراء والمراقب المالي فيه، حبساً احتياطياً على ذمة التحقيق”، مؤكداً استمرار التحقيقات.

رغم كل هذه الحقائق عاد السيد زيدان ليقول في 21 أكتوبر 2013 أن “حكومته مستعدة لشراء أسلحة إبراهيم جضران لوقف خسائر الدولة التى بلغت أكثر من 6 مليار د.ل، جراء توقف تصدير النفط، وحقناً للدماء، وذلك فى إطار سياسة الحكومة لجمع الأسلحة من المسلحين”.

وأعلن في ذات الوقت أن حكومته “حررت صكاً بـقيمة 3.7 مليون د.ل، وأن هذا الصك موجود الآن في خزينة مجلس الوزراء تحت رقابة ديوان المحاسبة، و لم يخرج منه مليم واحد”.

السؤال البديهي هنا كيف يكون ذلك الصك (3.7 مليون) موجوداً في خزينة الدولة، بينما يبين كشف حساب ناجي مختار أنه قد تم تحويل مبلغ 2.5 مليون د.ل لسالم الجضران من ذلك الصك؟.

فدية وليست رشوة

الدكتور مسعود الكانوني أستاذ القانون الدستوري يقول لـ “مراسلون” بأن الصكوك التي أودعت في حساب ابراهيم جضران “لا تعتبر رشوة وإنما هي جزء من فدية، لأن الرشوة لا تقوم إلا بوجود صفة الموظف العام، وجضران لا يعمل مع الدولة، وبالتالي فصفة الرشوة منتفية”.

ويفسر الكانوني ذلك بأنه يعتبر النفط مخطوفاً، والخاطف بادر بالطلب والاشتراط بأن تدفع له مبالغ مالية، ويضيف “كل الدول تعقد صفقات سرية لحل بعض الأزمات التي تتعرض لها، وتخصص مبالغ مالية تحت بند سري، وأشهر مثال على ذلك ما قامت به الولايات المتحدة مع عصابات الكونترا وأبوسياف في الفلبين”.

ويعتبر الكانوني دفع الصكوك بأنه لا يشكل جريمة، وإنما هو تصرف سيادي سياسي يمتنع القضاء عن البت فيه، حيث أن أعمال السيادة تخرج عن نطاق القضاء في كل دول العالم.

ويعتقد الكانوني أن ما قام به جضران من تصريحات متضاربة من نفي ثم اعتراف هو سوء تصرف منه، “وهو قد اعترف شخصياً بأنه سنة أولى سياسة، وأنه استشار المفتي ولجنة الطاقة بالمؤتمر ورئاسة الوزراء”.      

فساد ليس بجديد

هذه ليست المرة الأولى التي تتورط فيها الحكومة الانتقالية الحالية بقضايا فساد، فقضية الـ 900 مليون التي صرفت للدروع (كتائب من الثوار تتبع وزارة الدفاع)، من ميزانية استثنائية اعتمدها رئيس المؤتمر الوطني العام، وقامت الحكومة بتنفيذها، وتوزيع مرتبات سنة كاملة على أفراد الدروع (بما يعادل 14000 دينار لكل فرد).

تُتهم الحكومة في هذا الموضوع بأنها وزعت الأموال وفق آلية توزيع غير صحيحة، ولم يتم التأكد بأن الأفراد المسجلين في كل كتيبة هم بالفعل يقومون بعمل، بل كانت هناك بعض الكتائب التي لا وجود لها على أرض الواقع، وصرفت بعض تلك الأموال على أطفال لم يبلغوا الثامنة عشرة.

السيد وزير الدفاع السابق أسامة الجويلي يقول لـ “مراسلون” بأن “السبب في هذا الفساد المستشري الآن، والذي زاد حجمه عن فساد عهد النظام السابق، هو إعطاء الحكومة الأموال نقداً وليس بآلية واضحة يتم فيها وضع البيانات كاملة مع وجود وثائق تثبت الهوية يتم إدخالها الكترونياً”.

ويؤكد الجويلي أن ذات الخطأ وقع عند صرف مكافآت الثوار “والتي كان المجلس الانتقالي برئاسة المستشار مصطفى عبد الجليل سبباً في صرف الملايين لقادة الثوار نقداً، ليوزعوها على باقي أفراد كتائبهم، ولم يتم محاسبة أي منهم إلى يومنا هذا”.

في ظل آلية محاسبة هشة، وفي ظل وجود مراقبين ماليين في كل الوزارات والهيئات العامة مقصرين في أداء واجباتهم، وإهمال وزارة المالية في محاسبتهم ومسائلتهم ومتابعة أعمالهم، والاعتماد على الصرف النقدي في المكافآت وعلاوات السفر والمبيت، وشراء التجهيزات والعهد المالية المفتوحة، وذلك تهرباً من استخدام الصكوك، وكذلك عدم القيام بختم جميع المعاملات المالية، سيبقى الفساد لصيقاً بمؤسسات الدولة المترهلة أصلاً، ولن ترى هذه الدولة الناشئة أي عنوان للتقدم أو البناء في كل مجالات الحياة.