يتردد هيثم – 23 عاماَ – باستمرار على مكتب التعويضات بمصراتة (200 كم شرق طرابلس)، يتفحص القوائم لعله يجد اسمه، فبالرغم من مرور عامين ونصف على التحرير، لا زال يعيش مع عائلته المكونة من ثمانية أفراد في شقة بالإيجار، ولم يحصل على التعويض ليرمم شقته في شارع طرابلس.

يقول هيثم أن القوائم التي اعتاد متابعتها تحوي أحياناً أسماءً لأشخاص يعلم جيداً بأنهم لا يستحقون التعويضات، وأنهم هربوا أثناء الثورة ولم يدخلوا أية مواجهات، وهم من يُصطلح عليهم في مصراتة بـ “العائدون”.

التجار أيضاً

يتردد هيثم – 23 عاماَ – باستمرار على مكتب التعويضات بمصراتة (200 كم شرق طرابلس)، يتفحص القوائم لعله يجد اسمه، فبالرغم من مرور عامين ونصف على التحرير، لا زال يعيش مع عائلته المكونة من ثمانية أفراد في شقة بالإيجار، ولم يحصل على التعويض ليرمم شقته في شارع طرابلس.

يقول هيثم أن القوائم التي اعتاد متابعتها تحوي أحياناً أسماءً لأشخاص يعلم جيداً بأنهم لا يستحقون التعويضات، وأنهم هربوا أثناء الثورة ولم يدخلوا أية مواجهات، وهم من يُصطلح عليهم في مصراتة بـ “العائدون”.

التجار أيضاً

ليس فقط أصحاب المنازل في شارع طرابلس المكتظ، والذي دمر تماماً أثناء حرب التحرير، بل أيضاً التجار الذين أتت على تجارتهم عجلات الدبابات، أو تعرضت للنهب والسرقة من قبل أفراد كتائب القذافي الذين كانوا يتعمدون تخريب كل شيء، لا زال منهم من يعجز عن استئناف عمله.

أحمد عبد الهادي – 45 عاماً – دُمّر محله الذي كان يبيع فيه البقوليات بسوق الخضار في شارع طرابلس من قبل كتائب القذافي، التي لم تبقِ على شيء مما وقعت عليه أيديهم إبان حرب التحرير، وهو يعمل اليوم سائقاً لشاحنة يحاول جاهداً توفير ما يكفي لإعالة أسرته المكونة من 4 أبناء وزوجة، بانتظار أن يتم تعويضه ليستأنف تجارته.

وقد أعاد بعض التجار فتح محلاتهم وسط الدمار القائم في شارع طرابلس، ولكنهم أصبحوا مثقلين بالديون بانتظار أن تفك الدولة كربهم وتصرف لهم التعويضات.

حصر الأضرار

بدأت عملية حصر الأضرار في مدينة مصراتة بعد تحرير المدينة، فتشكلت لجنة برئاسة المهندس علي أبو ستة يوم 14 مايو 2011، وتم لاحقاً تشكيل لجنة أخرى من قبل المجلس المحلي مصراتة بتاريخ 13 ديسمبر 2012، برئاسة عضو المجلس المحلي ناصر ارفيدة، سميت لجنة الإشراف والمتابعة على صرف قيمة التعويضات عن الأضرار العقارية الناتجة عن حرب التحرير.

قامت هاتان اللجنتان بتجهيز قوائم بأسماء المتضررين وأحالتها إلى المؤتمر الوطني العام، الذي أصدر قراراً بشأنها، بحسب عضو المؤتمر عن مدينة مصراتة محمد الضراط الذي قال لمراسلون “تعويضات المباني صدر قرار بشأنها من المؤتمر الوطني، وتم صرف 50% من قيمة التعويض، وباقي القيمة ستؤجل للعام القادم”.

وهو ما أكده ناصر ارفيدة لمراسلون، حيث قال “صرفنا نصف القيمة بناء على قرار المؤتمر رقم 271/2012، وباقي المبلغ تم تكليف مكاتب للمراجعة لمتابعته وسيتم إحالة مخرجاتها إلى وزارة الإسكان والمرافق”.

قرارات متضاربة

إلا أن ذات القرار ينص على أنه “لا بد أن يشرف على حصر الأضرار وتقييمها جهاز تنمية المراكز الإدارية”، وهو ما ترفضه لجنة حصر الأضرار التي سيرتب عليها ذلك إعادة العمل منذ البداية، يقول ارفيدة “عند صدور القرار كنا قد أنجزنا 6000 ملف”.

ويضيف “نحن رفضنا ذلك لأننا أعطينا القيم في بداية شهر مايو، والقرار صدر في 18 يونيو 2012، وألزمنا الوزارة بدفع نصف القيمة على أن تتم إعادة المراجعة “.

عدد الملفات التي تم تقديمها إلى اللجنة من قبل مواطنين متضررين بحسب ارفيدة بلغت 9552 ملف، ويؤكد أن كل الملفات صدرت تعويضاتها، إلا من كان له مشاكل مع الورثة أو من قدم طعناً في التعويض المقدم له.

ملف مراسلات

وبحسب مراسلات تمت بين المجلس المحلي مصراتة و وزارة الإسكان والمرافق اطلع عليها مراسلون فإن عدد الملفات التي صدر قرار بشأن صرف نصف قيمة التعويض لها 4849 ملف، وعدد ملفات الدفعة الثانية 1656 ملف، أي أقل من العدد الإجمالي الذي حصرته اللجنة.

وفي ذات المراسلات ورد أن الصرف تم للمباني التي تبلغ قيمة التعويض عنها أقل من 30,000 دينار، وعددها 4333 ملف، والباقي أحيل للمراجعة من قبل مكاتب هندسية متخصصة.

أما أحد الردود المرسلة من وزارة الإسكان والمرافق كانت تطالب بعدم صرف نصف القيمة التي أقرها المؤتمر الوطني للمباني التي تزيد قيمة التعويض فيها عن 500,000 دينار، وأحالتها للمراجعة والتحقيق من قبل جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية، كما طالبت الوزارة بعدم صرف قيمة الأضرار لغير المباني الخرسانية إلا بعد مراجعتها من قبل المكاتب الاستشارية المكلفة.

ورد في ملف المراسلات الذي اطلع عليه مراسلون أيضاً أنه تم رصد قيمة التعويضات للمباني في مصراتة، وبلغت حوالي 336 مليون دينار، وصلت نصف القيمة ويتم التعامل مع مصرف الوحدة لإيداع قيم الصكوك للمتضررين.

وكذلك قامت وزارة الإسكان والمرافق بدفع قيمة 400 دينار ليبي شهرياً، لكل من تقدم بعقد إيجار منزل من المتضررين لوزارة الشؤون الاجتماعية، على هيئة بدل إيجار إلى أن تحل مشكلة التعويضات، إلا أن المبلغ يبقى زهيداً إذا ما قورن بأسعار الإيجارات اليوم.

مشكلة الوقت

المشاكل التي تواجه عملية حصر الأضرار لها علاقة بمرور الوقت الطويل، فلجان الحصر التي شكلت بعد التحرير كانت معظمها تطوعية، وفي أكثر من مكان، ولم يتم التسجيل في منظومة إلكترونية لضمان عدم تكرار الملفات، وهذا ما دفع البعض بقصد أو بدونه إلى تكرار تسجيل ملفاتهم ما سبب مشكلة في عملية الحصر.

كذلك بعض المتضررين الذين قاموا بأعمال الصيانة لمبانيهم بجهود ذاتية، سببوا إرباكاً للجنة التي اعتمدت على الصور التي التقطت للمكان بعد التحرير.

لجنة المنقولات

رغم المشاكل التي تواجه لجنة حصر المباني المتضررة إلا أن الأمور أصعب بالنسبة إلى حصر المنقولات، وهو الشق الذي يتعلق بالتجار، فعدد ملفات المنقولات في مصراتة بحسب علي أبو ستة رئيس لجنة حصر أضرار المنقولات يبلغ 10,749 ملف.

ويؤكد أحمد العصفور عضو لجنة متابعة ملف أضرار المنقولات، أن بداية العمل في حصر الأضرار كان مع المجلس المحلي المؤقت بعد التحرير، ويقول لمراسلون “رضينا تأخير تعويضاتنا بسبب الجرحى وغيرهم، ولكن بعد سنتين ونصف من انتظار التجار بدأنا التحرك، واجتمعنا أول اجتماع في قاعة الصمود – بمصراتة – في شهر مايو2013”.

ونتج عن هذا الاجتماع بحسب العصفور تشكيل لجنة بتاريخ 26 مايو 2013، برئاسة عضو المجلس المحلي المنتخب علي الناضوري، لمتابعة ملف الأضرار في المنقولات الناتجة عن حرب التحرير.

لجنة وزارية

وفي الاجتماع الثاني الذي حضره وزير الاقتصاد ورئيس المجلس المحلي ورئيس لجنة الأضرار علي أبو ستة يقول العصفور “طُلب منا تشكيل لجنة إدارية”.

مندوب وزارة الاقتصاد عبد الناصر أبو زقية يقول أن “رئاسة الوزراء شكلت لجنة فنية برئاسة  مندوب الحكم المحلي وعضوية مندوب وزارة الاقتصاد والحكم المحلي والتخطيط”، وبذلك أصبح هناك لجنة إدارية وأخرى فنية للعمل معاً.

ويوضح أبو زقية أن التعويض كمبدأ تم إقراره من الحكومة والمؤتمر الوطني، ولكن آلية التنفيذ هي ما ستناقشه اللجنة الوزارية، كما ستناقش “الآلية التي اعتمدت في الحصر وذلك من أجل الحفاظ على المال العام والحفاظ على حقوق الناس، ومنها ستشكل لجان فرعية في المدن”.

التجار ينتظرون

إلا أن بو زقية يرى أن “معظم أصحاب ملفات المنقولات هم من التجار، ويمكنهم الانتظار لتعويض العائلات التي تعيش في مساكن بالإيجار”، وهو ما يعتبره مبرراً للتأخير في العمل على هذا الموضوع.

وقد قدرت قيمة المنقولات بحسب قوله بحوالي 960 مليون دينار في مصراتة، وحوالي 3 مليار دينار في ليبيا ككل، وتم تقدير القيمة وفق أسعار الوقت الذي أتلفت فيه البضاعة.

أما بالنسبة للعقارات فيتم تقدر القيمة بالمتر المربع المسقوف، وفي حال وجود أضرار جسيمة في المبنى تحول دون معرفة عدد الأمتار المربعة يقول أبو ستة “يتم تأجيل الملف للدفعة الثانية حتى يتم التأكيد على الأسعار والمساحة”.

ويضيف “أسعار التعويضات كما الأسعار وقت الحصر، والأمر متروك للجنة المركزية ونحن حصرنا الأضرار في حينها”.

مدينة تجارية

تم تقسيم ملف الأضرار إلى عدة بنود أهمها المزارع، المواشي، الأثاث، قطع الغيار، المعادن الثمينة وغيرها، ويدرك العصفور حجم المشكلة لدى التجار والمستوردين الذين عليهم التزامات خارجية، وحتى الآن لا يوجد أي قرار بخصوصهم وكل  ما حصلوا عليه هو  وعود.

ويقول “مصراتة مدينة تجارية لها تعاملات مع دول كثيرة والتُجَّار عليهم التزامات كثيرة بمبالغ ضخمة فاضطر البعض لتغيير نشاط عمله وبعضهم خسر”.