أثارت فتوى صادرة من دار الافتاء الليبية، ومهمورة بتوقيع ثلاثة من مشايخها فضلاً عن المفتي، جدلاً وسط العديد من الأوساط التربوية والإعلامية في مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما أفتت بوجوب لباس المعلمة الشابة النقاب إذا كانت تدرس أطفالاً بالغين او قاربوا البلوغ.

أثارت فتوى صادرة من دار الافتاء الليبية، ومهمورة بتوقيع ثلاثة من مشايخها فضلاً عن المفتي، جدلاً وسط العديد من الأوساط التربوية والإعلامية في مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما أفتت بوجوب لباس المعلمة الشابة النقاب إذا كانت تدرس أطفالاً بالغين او قاربوا البلوغ.

الفتوى جاءت رداً على استفسار من وزارة التربية والتعليم، كما أكد وكيل الوزارة السيد رضا ارحومة لمراسلون “بعد أن وصلتنا شكاوى من إدارة التفتيش ومسؤولي قطاع التعليم في المناطق وبعض أولياء الأمور، بأن ارتداء النقاب يؤثر سلباً على العملية التعليمية، وقبل استصدارنا لأي قرار بالخصوص، راسلنا دار الإفتاء بصفتها الجهة الشرعية لأخذ رأيها من الناحية الدينية”.

الصحفي فتحي بن عيسى أبدى استغرابه من تعميم الفتوى غير الواضحة، والمشتملة على كلمات فضفاضة قائلاً “اختار ساداتنا المشايخ الشيخ (أحمد الغرياني) والشيخ (محمد كريدان) والشيخ (غيث الفاخري) وباعتماد الشيخ (الصادق الغرياني)، من كل الأقوال الفقهية والتفاسير أن الوجه والكفين من الزينة المنهي عن إظهارها خشية الفتنة”.

ويتسائل بن عيسى “كم عمر الشابة المقصود في الفتوى، من 18 إلى 30 مثلاً، أو 35 باعتبار أن النساء اليوم يتزوجن في هذه السن، أم حتى سن اليأس؟”

ويضيف الصحفي بن عيسى “الفتوى تتحدث عن معلمة شابة؟ لم تقل جميلة أو شديدة الجمال، واستعملت عبارة (يجب) وهذا مصطلح فقهي له دلالته (الوجوب بمعنى الفرض إلا في الحج)، ثم ماذا عن المعلم  الذي يخشى من فتنته؟ ماذا نفعل به (سورة سيدنا يوسف مثالا)؟ وما هي حدود هذه الفتنة؟ وهل سنرى الأمر يعمم على الموظفات في كل قطاعات الدولة؟”.

تجاوز الاستفسار

رد دار الافتاء والمنشور على صفحتها في شبكة الإنترنت لم يقتصر على الإجابة على استفسار الوزارة، والتي أوضحت في رسالتها الموجهة لدار الإفتاء “تأثر العملية التعليمية سلباً من ارتداء الخمار، فهل من رخصة في نزع الخمار لأجل ذلك، أم لا؟”، وإنما اجتازت ذلك وذهبت إلى ضرورة اتخاذ الوزارة الاجراءات اللازمة لفصل البنات عن البنين في كل الفصول الدراسية، ابتداءً من الابتدائي وصولاً إلى الجامعة.

وأضافت دار الإفتاء “فإن لم يتيسر الفصل التام في الوقت الحالي بعد بذل الوسع والطاقة، فلا أقل من فصلهم داخل ساحات المدارس والفصول وأبواب الدخول والخروج، وتخصيص المدرسين الذكور لتدريس الطلاب، والمدرسات الإناث لتدريس الطالبات”.

التأثير السلبي

من المعروف أن الاتصال في مجال التعليم (نقل المعلومات) يعد أساس كل العملية التعليمية، حيث يهدف إلى نقل خبرات متنوعة، معرفية ومهارية ووجدانية للتلاميذ.

وعملية الاتصال التعليمي كما يوضحها المختصون بعلم التربية والنفس، تتطلب استخدام لغة اتصال بين المرسل (المعلم) والمستقبل (التلميذ)، والتي تنقسم إلى نوعين هما اتصال لفظي و يتم عبر الكلمات والألفاظ، اتصال غير لفظي ويتم عبر لغة الجسد، من تعبيرات الوجه وحركة العينين والحاجبين واتجاه وطريقة النظر.

ويتضح ذلك جلياً عندما يحاول الإنسان التواصل مع الآخرين في موقف اتصال، فإنه يستخدم الاتصالين معاً ولا يمكن فصلهما، فعندما يذكر عبارة للتعبير عن فكرته أو رأيه في موضوع معين نجده يحرك يديه يميناً ويساراً، أو ترتسم تعبيرات معينة على وجهه، أو يستخدم إشارات معينة.

عائق الاتصال

ويؤكد التربويون أن استخدام الاتصال غير اللفظي مثل الإشارة والإيماءات تسهم في زيادة التذكر، فقد وُجد أن التذكر يزداد كلما دخلت أكثر الحواس في تلقي الرسالة، فنجد العين على رأس الأعضاء في الاتصال البشري، وكذلك الأيدي والوجه يمكن أن يضيفا الكثير إلى الاتصال غير اللفظي، من خلال الإشارات والإيماءات الصادرة عنهما، فالمعلم عندما يقدم درساً في الفصل الدراسي ولا تظهر أي تعبيرات على وجهه نجد التلاميذ قد يشردون منه ولا ينجذبون إلى حديثه.

لذلك أشار التربويون وعلماء النفس أن على المعلم ان يدرك أهمية استخدام الاتصال غير اللفظي، ودوره في إيصال الرسالة إلى تلاميذه، وأنه لا يمكن الفصل بين الاتصال اللفظي وغير اللفظي، وعليه فإن استخدام النقاب أثناء التواصل يعتبر عائقاً لعملية الاتصال غير اللفظي، لأنه ببساطة يفقد أهم مقوماته، وهي تواصل العينين وإظهار الاهتمام والتجاوب.

دكتور فرج درودر وهو خبير تربوي يرى بأن “نقاب المعلمة يشكل عائقاً كبيراً أمام حدوث اتصال فعال ومؤثر مع الآخرين، لأن المعلمة المنقبة تواجه صعوبة في توصيل الإيماءات وحركات الجسد، وتعابير الوجه بشكل صحيح، فالابتسامة محجوبة ولغة العين محجوبة، وقراءة مخارج الأصوات وتقاسيم الوجه مثل الفرح والحزن والسخرية أو الارتياح والإشراق غير مجسدة وواضحة”.

مؤيد ومعارض

وفي استطلاع رأي أجريناه لعينة شارك فيها 65 شخصاً من الإعلاميين وأولياء الامور والمعلمين والتربويين، حول موافقة ولي الأمر بأن تدرس ابنه أو ابنته معلمة ترتدي النقاب أثناء التدريس أم لا، كانت النتيجة بأن 74% من المشاركين يرفضون ارتداء المعلمة للنقاب، بينما يوافق 26% من المشاركين على ارتدائه.

الكاتب والإعلامي عزالدين عبد الكريم يرى أن “النقاب بغض النظر عن ارتدائه أثناء العملية التعليمية أم لا، هو ثقافة لاعلاقة لها بالدين أصلاً، وتسويق الأمر على أنه من تعاليم الإسلام فخ يجب أن لا يقع فيه أحد، ونقاشه هو جزء من الوقوع في الفخ”.

أما الأستاذة هالة الأسد فلا توافق على أن تدرس ابنها أو ابنتها معلمة تلبس النقاب، وتضيف “أن هذا يزرع في المجتمع فكرة أن المرأة مخلوق شاذ، ويزيد من انتباهه للجنس الآخر وكل تفاصيله، فكل ممنوع مرغوب”.

الأستاذة نجية صبخة، مديرة المناهج الابتدائية في وزارة التعليم، كانت إحدى المشاركات في الاستبيان وشددت على عدم موافقتها للبس النقاب أثناء العملية التعليمية.

عليمة بكل العلوم

سبق لدار الإفتاء الليبية أن أصدرت العديد من البيانات في أوقات سابقة، استهجنت فيها ما يحدث في المؤسسات التعليمية من اختلاط بين الذكور والإناث، وراسلت وزارة التربية والتعليم في أكثر من مناسبة، مطالبة إياها تارة بتغيير مناهج التربية الوطنية، وتارة أخرى بإلغاء مادة الموسيقى، وثالثة بفصل الذكور عن الإناث.

د. فرج درودر يقول “مثلما يستمع علماء التخصصات الأخرى إلى علماء الدين ولا يجادلونهم في فقههم أو ينحازوا للاختلافات بينهم، يجب على علماء الدين أيضاً، ألا يخوضوا فيما ليس لهم به علم”.

ويضيف دردور “أن الجدل القائم في اليمن بين من يرفض ارتداء النقاب في المدارس ومن يؤيده، أعاق سير العملية التعليمية في اليمن، بعد أن صار بعض المتطرفين يدخلون في مواجهة مع مسؤولي التعليم. فهل تعي دار الإفتاء خطورة إثارة مثل هذا الموضوع عندما تتخذه بعض المليشيات المتطرفة ذريعة لفرض النقاب على المعلمات اهتداءً بهذه الفتوى؟، ولا تتنصل بعد ذلك من مسؤولياتها مما سوف تؤول إليه الأمور”.

دور الوزارة

لم يكن لدى وكيل وزارة التربية والتعليم رضا ارحومة إجابات حول سبب استشارة وزارته لدار الافتاء، مع علمها بأن النقاب عائق للعملية التعليمية، وعدم رد الوزارة حيال الفتوى غير الواضحة، وعجزها عن تعميم قرار يلزم المنقبات بخلع نقابهن داخل الفصول، مع العلم أن قرار منع لبس النقاب في العمل الذي فرضته حكومة القذافي لا يزال ساري المفعول ولم يتم الغاؤه، والقيام بدلاً من ذلك بتعميم رسالة على المدارس تتضمن فتوى دار الإفتاء وتترك لمدراء المدارس حرية تنفيذ ما ورد فيها من عدمه، لتزيد الأمور بلبلة.

يقول دردور”بالرغم من أني على علم ببعض التدخلات المختلفة من بعض الجماعات لفرض رؤيتها على مدخلات التعليم، وهو ما يشكل ضغطاً إضافياً يقلل من أداء مسؤولي التعليم، إلا أن هذا لا يعفي سيادة الوزير ووكلائه من مقاومة هذه التدخلات”.

ويضيف “يجب السماح بعلاقة متوازنة بين خبراء التعليم ودار الإفتاء، فيما يتعلق بمواضيع تخص الوزارة، مع الاحتفاظ بحق الخبراء في أخذ ما يمكن أخذه ورد ما يتعارض وظروف قطاع التعليم، ومع الأخذ في الاعتبار إذا ما كان رأي دار الإفتاء يتسق مع سياسة الاعتدال بين الآراء الفقهية، أو أنه يدعو إلى توجه لا يتفق عليه أغلب الفقهاء”.

وإلى أن يكون هناك مسؤولون يستطيعون الإجابة على تلك التساؤلات، واتخاذ قرارات جريئة تدفع بعجلة الحياة إلى الأمام، سيظل التلميذ هو الضحية.