في كل مساء وفي وقت محدد سلفا، تلتقي مجموعة من الشباب يتوزعون على حلقات في واحات قفصة لشرب عصير النخيل، الذي يعرف لدى ابناء الجنوب التونسي بـ”اللاقمي”. وهو عصير يضاف له بعض المركبات الكيميائية ليصبح شرابا مسكرا. وعلى أنغام المطرب الشعبي “بلقاسم بوقنّة” تتواصل السهرة في الواحة حتى مطلع الفجر.
أيّوب أحد الشباب الذين اختصوا في صنع وبيع اللاقمي المخمر بإحدى واحات قفصة. بسرعة متناهية يقوم أيوب بشد حبل حول وسطه وببراعة يتسلّق النخلة وبواسطة سكين خاص يقوم بتحجيمها (بتر أجزاء منها) فيسيل عصيرها.
في كل مساء وفي وقت محدد سلفا، تلتقي مجموعة من الشباب يتوزعون على حلقات في واحات قفصة لشرب عصير النخيل، الذي يعرف لدى ابناء الجنوب التونسي بـ”اللاقمي”. وهو عصير يضاف له بعض المركبات الكيميائية ليصبح شرابا مسكرا. وعلى أنغام المطرب الشعبي “بلقاسم بوقنّة” تتواصل السهرة في الواحة حتى مطلع الفجر.
أيّوب أحد الشباب الذين اختصوا في صنع وبيع اللاقمي المخمر بإحدى واحات قفصة. بسرعة متناهية يقوم أيوب بشد حبل حول وسطه وببراعة يتسلّق النخلة وبواسطة سكين خاص يقوم بتحجيمها (بتر أجزاء منها) فيسيل عصيرها.
يستيقظ في ساعات الصباح الأولى ويقوم بطهي كمية من التمور مع العصير في آنية معدنية كبيرة. وعبر انبوب صغير يمر منه البخار ليتجمع في إحدى الأواني الأخرى، وبعد قرابة الثلاث ساعات، يحصل على مشروب يسمى “القرابا” أو اللاقمي، وهو مشروب يلقى رواجا كبيرا لدى الشباب، بسبب رخص ثمن الزجاجة الذي يعادل الدينار والنصف (دولار أمريكي واحد).
اللقمي بديل لارتفاع سعر الخمر
أماكن خاصة لا يمكن الوصول اليها إلا عبر اتباع مسالك محددة، تخصص لتخمير اللاقمي لمدة 24 ساعة، وتختلف الطريقة من مكان الى آخر، فالبعض يقوم بوضع قطعة من النحاس أو من الحديد او خميرة الخبز، والأكثر خطورة ان يقع اضافة غاز الطبخ الى شراب اللاقمي.
نبيل، 26سنة، عاطل عن العمل، يتدبر مصروفه اليومي من أجل عقد الجلسة الخمرية المعتادة مع أصدقائه. يقول “أمام ارتفاع ثمن المشروبات الكحولية لم يعد لي القدرة على احتسائها وبعدما كنت اكتفي بشرب الخمر مرة في الاسبوع أصبحت مدمنا على شرب اللاقمي نظرا لمقدرتي المالية على ذلك.
ما يفسد الأجواء هنا في واحة “لالة” (منطقة قريبة من قفصة) الحملات الأمنية، خاصة بعد أن أقدمت إحدى الدوريات الأمنية مؤخرا على إيقاف مجموعة من الشباب بتهمة ترويج واستهلاك المخدرات وبيع اللاقمي.
بعد 14 كانون الثاني/ جانفي ارتفع عدد مستهلكي المخدرات نظرا لانخفاض ثمنها فارتفع عدد المروجين لهذه المادة ووصل سعر “السيجارة” المحشوة بمادة الزطلة الى دينار واحد فقط.
في إحدى الواحات القريبة من قفصة التقيت أيمن الذي قبل بصعوبة بالحديث مع “مراسلون”. يقول “أنا معلّم تعليم اساسي، وهؤلاء اصدقائي معطلين عن العمل، وهم من حملة الشهادات الجامعية، كل نهاية أسبوع نأتي الى هنا (الواحة) نشرب لترين من اللاقمي المخمر بثلاثة دنانير، ثم نتحول الى إحدى الحانات بوسط المدينة لننهي السهرة بأقل التكاليف المادية”.
ارتفاع الاستهلاك في الاعياد
أيوب صاحب المقر السري لبيع اللاقمي يقول “بمناسبة الأعياد الدينية يرتفع عدد زبائني نظرا لغلق كل الحانات وهو ما يتطلب مني استعدادات كبيرة خاصة وأني أقوم بتوفير كميات من الجعة التي توفّر لي دخلا ماليا إضافيا”.
وبحسب أيوب فإن الزبائن متنوعون من الشباب والكهول، من أصحاب التعليم العالي وغير المتعلمين، ” لكننا مازلنا لم نتمكن بعد من جلب العنصر النسائي”، يضيف مازحا.
ويعتبر ناجي وهو عامل بحانة بوسط مدينة قفصة، أن محلات اللاقمي تقوم بالمنافسة غير الشريفة للمحلات العادية التي تقدم الكحول. ويقول “في السنوات الماضية لم نكن نسمح بدخول المحل إلا للحرفاء أو الذين لم يستهلكوا بعد مشروبات كحولية في الخارج، أما اليوم فأغلب زبائن المحل يتوافدون بعد الثامنة مساء لإكمال السهرة، بعد أن يكونوا استهلكوا اللاقمي المخمر في إحدى الواحات القريبة من هنا”.
ويضيف ناجي “عملت في هذه المهنة منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة، كانت الأسعار في متناول الجميع، والزبائن دائما ما يغدقون علينا البقشيش”. أما الآن فأصبح سعر قارورة نبيذ لا يقل عن عشر دنانير، وهو ما بات يثقل كاهل حرفائه ولم يعد بمقدورهم ان يقدموا له عمولة نظير ما يقدمه لهم من خدمات. وأصبح الأمر أسوأ برأيه بإضافة نوعية جديدة من الحرفاء، الذين يستهلكون اللاقمي وينتهون إلى الحانة في نهاية الليل لإضافة بعض الكؤوس.
انتاج اللاقمي عادة قديمة
إنتاج عصير “اللاقمي” في واحات الجنوب التونسي، قديمة قدم أشجار النخيل في هذه المناطق. وهو في الأصل مشروب حلو غير مخمر يقع تقديمه في المناسبات. وبقي على طبيعته، يقع انتاجه طبقا لما توارثه الآباء عن الأجداد، وهو مورد رزق للعديد من العائلات في عدة ولايات يكثر فيها شجر النخيل.
يقول عدد من الباعة الذين اختصوا في بيع اللاقمي الحلو غير المخمّر إن هذه الثروة أصبحت مهددة.
ويوضح هؤلاء أن تحويل هذا المشروب الى مادة مسكرة بات يعرّضهم للتبعات القانونية، فأصبحوا مطاردين من الدوريات الامنية خشية أن يقع تحويل العصير إلى مشروبات كحولية.
لكن أيوب يرى أن الحل يأتي عبر تقنين إنتاج “اللاقمي المخمر” ومراقبة مصنّعيه، خاصة وأن المادة الأولية متوفّرة ونبعها لا ينضب.