تأتي حادثة اختطاف رئيس الوزراء الليبي علي زيدان لعدة ساعات فجر الخميس، من الفندق الذي يقيم به في طرابلس على يد مجموعة مسلحة، لتؤكد على بلوغ الانفلات الأمني في البلاد مرحلة خطرة جداً، وخضوعها لسيطرة ميليشيات مسلحة تعمل وفقاً لأجندات مؤدلجة ومتباينة، وبأن البلاد صارت تخطو مسرعة نحو نفق مظلم مليء بالأشواك القاتلة، في ظل عدم وجود توافق سياسي يشكل دعامة للبلاد في وجه العنف المتزايد.

مليشيات لفرض الامن

تأتي حادثة اختطاف رئيس الوزراء الليبي علي زيدان لعدة ساعات فجر الخميس، من الفندق الذي يقيم به في طرابلس على يد مجموعة مسلحة، لتؤكد على بلوغ الانفلات الأمني في البلاد مرحلة خطرة جداً، وخضوعها لسيطرة ميليشيات مسلحة تعمل وفقاً لأجندات مؤدلجة ومتباينة، وبأن البلاد صارت تخطو مسرعة نحو نفق مظلم مليء بالأشواك القاتلة، في ظل عدم وجود توافق سياسي يشكل دعامة للبلاد في وجه العنف المتزايد.

مليشيات لفرض الامن

فبعد مرور أكثر من عامين على الثورة الليبية لا زال الكثير من الشباب ينضمون إلى المليشيات، ويعتبرونها المهنة الأكثر جذباً. وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي عُشر القوى العاملة في ليبيا يعملون كمسلحين، ويقدر عدد أفراد الميليشيات المسجلة رسمياً من قبل الحكومة بنحو 20 ألف شخص على هيئة مليشيات.

الدولة الليبية تقوم بدفع الملايين لهذه المليشيات، بحجة أنها تستخدمها كقوات أمن، في غياب الجيش والشرطة وإلحاح المتطلبات الأمنية، ما خلق إغراءً جعل الشباب يفضلون الانخراط فيها، حيث لا يحتاج العمل إلى مؤهلات، ويمكن أن يتقاضى منها الشاب ثلاثة أضعاف الراتب الذي يتقاضاه من أية مهنة اخرى، ناهيك عن أن العمل في المليشيات قد لا يتجاوز 7 أيام في الشهر والباقي إجازة.

ويقدر خبراء الاقتصاد بليبيا ما صرفته الحكومة على المليشيات سنة 2013 م بمليار دولار، وأن كل رجل مليشيا بتقاضى ما بين 1000 إلى 4000 دينار شهرياً، ولو نظرنا إلى الواقع فإن الدولة تدفع هذة الاموال للقوات التي تقوض حكمها وتزيد من الخروج على القانون، فكل يوم تتعمق المخاطر الأمنية في ليبيا أكثر فأكثر، مع ارتفاع منسوب الاغتيالات والتفجيرات التي تنفذها هذه المليشيات التي عجزت الدولة عن لجمها.

صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في تقرير نشرته يوم الجمعة 11 تشرين أول/ أكتوبر على موقعها الإلكتروني، اعتبرت أن اختطاف زيدان وإطلاق سراحه الخميس يؤكد قوة الميليشيات في ليبيا، ولفتت الصحيفة إلى أن أسلحة الترسانات العديدة للقذافي هي حالياً في أيدي أشخاص، وأن كل بيت لديه بندقية.

الصحيفة قالت أيضاً أن نحو 200 ألف رجل مسلح في البلاد جميعهم يعملون لدى الحكومة، لكن ولاءهم فقط لقادتهم لاالحكومة المركزية، وذكرت أنهُ قبل حادثة الاختطاف بأيام قليلة  اقتحمت مجموعة من المسلحين مكتب زيدان ورفضوا المغادرة لساعات وقاموا بتخريب المكتب، وكل ذلك تم دون أن يواجهوا مساءلة من أحد.

قلق دولي

الوضع الأمني المضطرب دفع الأمم المتحدة إلى إصدار تقرير تعرب فيه عن قلقها البالغ إزاء تنامي حدة أحداث العنف في البلاد.

ويقول تقرير العفو الدولية 2013م بشأن الوضع في ليبيا “تستمر المليشيات بانتهاك حقوق الإنسان ولا تجد من يحاسبها، بما في ذلك القبض والاعتقال التعسفيان، والتعذيب والقتل غير المشروع، ويضل الإفلات من العقاب متجذراً سواءً فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في الماضي، أو بالنسبة لانتهاكات حقوق الإنسان حالياً علي يد المليشيات المسلحة”.

وعلى خلفية اختطاف رئيس الوزراء تداولت الأنباء نية عدد من السفارات والبعثات الدبلوماسية مغادرة الأراضي الليبية، في خطوة تدل على أن عواصمهم تتوقع ظهور مزيد من الاختراقات الأمنية في الفترة القريبة القادمة.

يُذكر ان بنغازي قد شهدت خلال الشهرين الماضيين سلسلة من التفجيرات وأعمال العنف، كان آخرها استهداف مبنى محكمة شمال بنغازي ومبنى فرع وزارة الخارجية بسيارات مفخخة، أدت إلى تدميرهما بشكل كبير.

كما استهدف اعتداء آخر بسيارة مفخخة قنصلية دولة السويد في بنغازي يوم الجمعة 11 أكتوبر، ما أدى إلى انهيار ضخم في مبنى القنصلية، وخلف أضراراً مادية جسيمة فيه وفي بعض المباني والسيارات المجاورة، إلا أن وزارة الخارجية السويدية أفادت بعدم وقوع ضحايا.

رشاوى لحل ألأزمة

ولم تقتصر موجة الأعمال المسلحة على الجرائم السياسية، وإنما امتدت لمراكز تصدير النفط، لتعطيل تصدير الموانئ الرئيسية مثل ميناء “الزويتينة” و “راس لانوف”، ونتيجة لهذة الأوضاع انخفض مستوى الإنتاج الليبي بحوالي مليون برميل يومياً.

وفيما ينتظر الليبيون حل هذه الأزمة برز إلى السطح التراشق بالاتهامات بين الدولة متمثلة في المؤتمر الوطني والحكومة، وبين إبراهيم الجضران، المسؤول السابق في حرس المنشآت النفطية ورئيس المكتب السياسي لإقليم برقة، والذي قام مع أخيه بقفل حقول وموانيء التصدير في شرق البلاد، واتهم الحكومة والمؤتمر الوطني برشوته مقابل فك الاعتصام وفتح الموانئ.

وأقر عضو المؤتمر المكلف بملف الطاقة بدفع الأموال من حسابه الخاص إلى الجضران، وقال أن دفع المبلغ كان مقابل فتح الحقول والموانئ المقفلة منذ مدة، والتي لم تفتح حتى الآن رغم الدفع.

انضباط الامن

وكان رئيس الوزراء قبل اختطافه بأقل من شهر، قد صرح أمام المؤتمر الوطني العام بأن وزارة الداخلية كونت 19 ألف عنصر من قوات الأمن، إلاًّ أن رجال الشرطة الذين يُكلفون بحراسة الوزارات والمؤسسات الرسمية، سرعان ما يختفون سواء أكانوا من الضباط أم من المرؤوسين.

وأضاف زيدان قائلاً “حتى الذين يحرسون رئاسة الوزراء، بل حتى الذين يحرسون مقر المؤتمر الوطني لا نجد لهم أثراً أحياناً”.

وخلال كلمة ألقاها عبر التلفزيون الرسمي مساء الجمعة، وصف زيدان عملية اختطافه الخميس “بالعمل البربري والهمجي والجبان”، وقال “لا أعتقد أن تحرك أكثر من 100 سيارة مدججة بالأسلحة، تقفل منطقة الفنادق وتمنعها عن المارة دون أمر من قيادة، هذا الأمر محاولة انقلاب على الشرعية”.

ولم يفته تذكير الليبيين بأسوأ الاحتمالات وهو جر البلاد إلى الحالة الأفغانية أو الصومالية، واتهم الطرف الذي قام بخطفه بأنهم لا يريدون “أن تكون ليبيا دولة قادرة، وعرقلوا عملية تكوين الجيش والشرطة، ويريدون أن يرهبوا القضاء والدولة “.

إلا أن زيدان لم يأتِ في مؤتمره الصحفي على اتهامات مباشرة وواضحة للتيار الذي يقصده، رغم اعترافه بأن أحد أعضاء المؤتمر المنتمي لذلك التيار هدده بالخطف قبل العملية بساعات، وقال بأن ذلك كان بهدف إجباره على الاستقالة بعد أن فشل خصومه السياسيون في جمع العدد الكافي من الأصوات في المؤتمر لإقالته.

من كلام زيدان يتضح حجم التحالف القائم حالياً بين رجال السياسة وحاملي السلاح، وهو الوضع الأخطر على مستقبل البلاد، ومادامت المؤسسة الأمنية على هذه الدرجة من التفكك والضعف، وبقيت الدولة لا تملك القوة التي تخولها فرض هيبتها والتحكم بالجماعات المسلحة وإخضاعها للقانون، فإن عملية بناء الدولة ستظل متعثرة، فيما ليبيا اليوم تواجه أكبر أزمة سياسية واقتصادية منذ قيام الثورة.