الليبي عبد الحكيم بلحاج، رجل السياسة حاليا، والقائد العسكري زمن الثورة الليبية، والإرهابي التائب زمن معمّر القذافي هو شخصية غامضة، مثيرة للاهتمام و للشبهات، ولغز يسعى الجميع في تونس لفك “شيفراته” خاصّة من خلال النبش في ماضي الرجل ودفاتره القديمة وكشف حقيقة العلاقة التي تجمعه مع “أبو عياض” زعيم تنظيم أنصار الشريعة المصنف على لائحة المنظمات الإرهابية في تونس.    

أبو عياض تحت حماية بلحاج؟

الليبي عبد الحكيم بلحاج، رجل السياسة حاليا، والقائد العسكري زمن الثورة الليبية، والإرهابي التائب زمن معمّر القذافي هو شخصية غامضة، مثيرة للاهتمام و للشبهات، ولغز يسعى الجميع في تونس لفك “شيفراته” خاصّة من خلال النبش في ماضي الرجل ودفاتره القديمة وكشف حقيقة العلاقة التي تجمعه مع “أبو عياض” زعيم تنظيم أنصار الشريعة المصنف على لائحة المنظمات الإرهابية في تونس.    

أبو عياض تحت حماية بلحاج؟

علاقة عبد الحكيم بلحاج أو “أبو عبد الله الصادق” أمير الجماعة الليبية المقاتلة الموالية لتنظيم القاعدة  وسيف الله بن حسين أمير تنظيم أنصار الشريعة بتونس ظلت إلى حدود آذار/ مارس 2010 علاقة يكتنفها الكثير من الغموض.

فأبو عياض الملاحق أمنيا في تونس والمختفي عن الأنظار منذ 14 أيلول/ سبتمبر 2012 تاريخ الاعتداء على السفارة الأمريكية، من المرجّح أن يكون غادر التراب التونسي خلسة إلى ليبيا التي أصبحت “جنة الإرهابيين” في غياب كلّي لكل مقومات الدولة وذلك بمساعدة قدماء المجاهدين في كل من أفغانستان والعراق.

وإلى الآن لم يدل أبو عياض بأي تصريح ينفي أو يؤكّد علاقته بعبد الحكيم بلحاج أو أبو عبد الله الصادق الذي سارع إلى التأكيد عبر الإعلام التونسي أنه لا توجد أي علاقة تربطه بتنظيم أنصار الشريعة الذي صنّفته وزارة الداخلية كتنظيم ارهابي. وذلك منذ انكشاف وثيقة مسرّبة من الداخلية التونسية تصف أبو عياض بالإرهابي وتفيد اعتزامه القيام بأعمال إرهابية في تونس.

وشدد بلحاج في تصريحه على أنه ضد ما تدعو اليه جماعة أنصار الشريعة من أفكار وضد ما ينتهجونه من منهج وما يعتمدونه من وسائل، ولا تربطه أي علاقة بهم أو أي تواصل سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة خاصة وأنهم لا يعترفون به أصلا، وأكد أنه لم يلتق مطلقا بزعيم التنظيم سيف الله بن حسين  المكنى بـ ” أبو عياض”.

ويعدّ عبد الحكيم بلحاج من أبرز الأفغان العرب وكان مقرّبا من أمير المجاهدين الشيخ عبد الله عزّام، ثم لاحقا زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

كما كان بلحاج رئيسا للمجلس العسكري الليبي في طرابلس وأحد أبرز القادة الميدانيين للمعارضة المسلّحة الليبية وشارك في فتح باب العزيزية بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي في عملية دموية منحهتها قوات الناتو اسم مفعما بالمشاعر وهو “فجر عروس البحر”.

وكان بلحاج كان اعتذر من القذافي سابقا على الهواء مباشرة، بعدما أفرج عنه في آذار/ مارس 2010 في إطار ما سمي “بتوبة الجهاديين” أو مراجعة الجماعة الليبية المقاتلة لأفكارها الجهادية والتخلّي عنها. وكل ذلك تم في إطار أجندة أرادها نجل القذافي لإقناع الغرب بأنه البديل المهم والخيار الوحيد في إطار مشروع توريث الحكم القائم حينها.

بداية كشف الحقائق

يبدو أن عملية القبض على الإرهابي أبو أنس الليبي (المتهم بتفجير سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بنيروبي) من أمام منزله بطرابلس من طرف قوة أمريكية خاصّة، ستكشف للعالم حقائق مذهلة حول الترابط الذي ما زال قائما وبشدة بين فصائل وتنظيمات إرهابية تتبنّى أفكار جهادية وتكفيرية وتدين بالولاء لتنظيم القاعدة المغرب الاسلامي المتمركزة قياداتها الميدانية في أعلى قمم جبال الأطلس بالمغرب وكذلك بتونس وبجنوب الصحراء الجزائرية والمنتشرة في كل بلدان المغرب العربي.

ومن بين هذه التنظيمات، أنصار الشريعة بتونس وأنصار الدين بشمال مالي وقاعدة المغرب الاسلامي بموريتانيا والجزائر الى جانب “الجماعة الليبية المقاتلة” التي كفّرت النظام الجزائري عندما كان بلحاج أميرها حيث اعتبرت في أحد بياناتها التي صدمت الرأي العام المحلّي والدولي “أنّ نظام الجزائر الحاكم نظام مرتدّ وكافر بالله العظيم ودينه القويم فلا شرعية ولا طاعة ولا موالاة، ويجب على كل مسلم قتاله والتصدّي له واستئصال شأفته” كما ورد حرفيا في البيان.

عبد الحكيم بلحاج الذي نفى معرفته بأبو عياض رغم أن كل الوقائع تؤكّد وجود علاقة ما بينهما، كان كل مرة يحاول التهرّب من الحديث حول علاقته بتنظيم قاعدة المغرب الاسلامي وزعيمها أبو مصعب عبد الودود أو عبد المالك درودكال. في حين أن قرائن عديدة تؤكّد أن بين الرجلين علاقة متواصلة في الزمن. فقبل توبته شارك عبد الحكيم بلحاج مباشرة في إشعال نار الفتنة في الجزائر إبان العشرية السوادء (في التسعينات) وهو ما يؤكد أن الجماعة الليبية المقاتلة شاركت في عمليات ميدانية على التراب الجزائري، وبالتالي نشأ بين هذه التنظيمات نوع من الارتباط الغريب الذي يصعب فكّه أو التراجع عنه.

نقاط مشتركة

اليوم وبعد ما سمّي بثورات الربيع العربي في شمال إفريقيا، تحاول هذه التنظيمات الجهادية لملمة شتاتها لتتوحّد في إمارة إسلامية قوية ومؤثرة في المحيط الإقليمي والعربي والإسلامي تعمل على افتكاك السلطة وتحويلها من مدنية إلى سلطة دينية.  

وكان وزير الداخلية التونسي صرّح في وقت سابق أن “تنظيم أنصار الشريعة” يملك جناحا سرّيا أمنيا عسكريا يخطّط لتنفيذ عمليات إرهابية و يسعى إلى السيطرة على الحكم بالقوة”. وقال في ندوة صحفية في أيلول/ سبتمبر الماضي أن “كتيبة عقبة بن نافع” المتحصّنة بجبل الشعانبي على علاقة بتنظيم القاعدة بالمغرب العربي التي يقودها أبو مصعب عبد الودود.

وفي نيسان/ أفريل 2013 وصفت شبكة إعلامية تابعة للقاعدة في المغرب الإسلامي بأنّ هذا التنظيم و”أنصار الشريعة” في تونس “إخوة هم منا ونحن منهم” وأضافت على موقع “تويـتر” “نحن نقدر مشروع إخوتنا في “أنصار الشريعة ونباركه وندعو شباب تونس إلى دعمه والتعاون معه”.

بالإضافة إلى ذلك، فإن أهم بيانات القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي حول أنصار الشريعة في تونس هو ذلك الصادر بتاريخ 17 آذار/ مارس 2013 والذي يدعو سلفيي تونس إلى الجهاد ضدّ العلمانية بدل الذهاب إلى مالي أو أي مكان آخر.

ورغم كل المؤيدات والوقائع فان علاقة عبد الحكيم بلحاج بأبو عياض تبقى لغزا إلى حين إماطة اللثام نهائيا عن كل الحقائق المتعلّقة بهذا التنظيم العنقودي والإرهابي، الذي يسمّى بقاعدة المغرب الإسلامي.