“بناتنا يعدن من سوريا حوامل بعد أن تداول عليهم العشرات تحت غطاء جهاد النكاح”  تصريح أطلقه وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو في 19 أيلول/ سبتمبر الماضي، كان بمثابة الصدمة للرأي العام في تونس حول تورط شبكات مزعومة في تسفير تونسيات إلى سوريا لممارسة جهاد النكاح مع مجموعات جهادية تقاتل ضد نظام بشار الأسد.

“بناتنا يعدن من سوريا حوامل بعد أن تداول عليهم العشرات تحت غطاء جهاد النكاح”  تصريح أطلقه وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو في 19 أيلول/ سبتمبر الماضي، كان بمثابة الصدمة للرأي العام في تونس حول تورط شبكات مزعومة في تسفير تونسيات إلى سوريا لممارسة جهاد النكاح مع مجموعات جهادية تقاتل ضد نظام بشار الأسد.

الوزير بن جدو لم يعرض أية أرقام أو معلومات تفصيلية حول حقيقة وجود هذه الظاهرة من عدمها، فضلا عن عشرات الأسئلة المعلقة في هذا الصدد، ما دفع بالنقاش إلى ملعب الجدل الإعلامي، بين مؤكد لوجودها ومحمل الحكومة وأطراف إسلامية المسؤولية، أو نافٍ له، وطرف ثالث يتحدث عن وجود حالات فردية محدودة.

وسبق لصحيفة اللوموند الفرنسية ومجلة الشبيغل الألمانية، فضلا عن تحقيقات استقصائية أخرى على مواقع دولية، ان نفيتا وجود ما يعرف بنكاح الجهاد في سوريا.

وذكر التحقيقان أن الظاهرة من انتاج إعلام النظام السوري، لا سيما قناتي “الدنيا” و”الإخبارية” السوريتين، وقناتي “الجديد” و”الميادين” اللبنانيتين المواليتين للنظام السوري، والأخيرة يديرها الصحفي التونسي غسان بن جدو.

ولم تكن تصريحات الوزير التونسي هي المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول عن موضوع “جهاد النكاح”، حيث سبقها الحديث عن خلية جهاد نكاح في جبل الشعانبي في جنوب البلاد، إلا أن تصريح الوزير بن جدو خلق حالة استنفار في أوساط المجتمع المدني لم يسبق لها مثيل بعد أن اعتبرت هذه المنظمات أن ما ورد يشكل انتقاص من مكاسب المرأة التونسية.

فتوى بـ 180 حرفاً

تعليقا على تصريحات الوزير التونسي قالت الحقوقية والناشطة في جمعية النساء الديمقراطيات بشرى بالحاج حميدة إن المرأة التونسية “مستهدفة من دعاة الرجعية باسم الفهم الخاطئ للدين الذين يريدون تحويلها من انسان فاعل في مجتمعها الى مجرّد سلعة ومتعة تشبع غرائزهم الحيوانية دون التفكير في مستقبلها”.

وأكدت أن “التغرير بالفتيات لإرسالهن إلى سوريا تحت غطاء ديني هو جناية يعاقب عليها القانون تصل عقوبتها الى الاعدام، فالمشكلة ليست فقط في عودة فتيات صغيرات حوامل،  بل إن الأخطر من ذلك أنهن سيلدن أطفالا مجهولي النسب هم عبارة عن قنابل موقوتة تهدد المجتمع”.

ورغم تشديد الحقوقية التونسية على وجود دعاة إسلاميين “يبثون السموم” في المجتمع و”يحضون على جهاد النكاح”، إلا أن أياً من الشخصيات الدعوية، بمن فيهم المنسوبين إلى تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية (داعش) أو جبهة النصرة المرتبطين بتنظيم القاعدة، لم يصرحوا أو يفتوا بما يسمى “جهاد النكاح”، إلى هذه اللحظة.  

وكان أول من اطلق التسمية هو قناة “الجديد” اللبنانية، بعد أن نسبت الفتوى للداعية السعودي محمد العريفي. لكن الأخير نفى علاقته بالفتوى على موقعه الرسمي معتبرا أنها من فبركات المخابرات السورية.

وقال الداعية العريفي في مداخلة تلفزيونية أن هكذا فعل “نوع من الفاحشة”، لافتاً إلى أن صورة التغريدة المنسوبة إليه على القنوات السورية مفبركة ببرنامج فوتوشوب بدليل احتوائها على 180 حرفا، أي بما يتجاوز ما تسمح به تغريدات تويتر.

“غير موجود في المجتمع التونسي”

في المقابل تعتبر إيمان الطريقي رئيسة منظمة حرية وإنصاف، وهي مقربة من الإسلاميين، أن مسألة جهاد النكاح تبقى أمرا مشكوكا فيه في غياب الأدلة والحجج، وما لم يقع تقديم حالات على القضاء واثبات التهم على الفتيات التي قالت الداخلية أنهن عدن من سوريا بعد أو وقع تسفيرهن لأداء هذه المهمة.

واعتبرت الطريقي أنه لا يمكن تصنيف هذا الفعل في إطار الجهاد أصلا، “وهو غير جائز وغير موجود في المجتمع التونسي”.

وفي سياق متصل لم تستبعد ايمان هويمل المديرة العامة لشؤون المرأة والاسرة بوزارة  المرأة “تورط شبكات الدعارة وشبكات المتاجرة بالبشر في التغرير بفتيات ونساء تونسيات والزج بهن في جهاد النكاح بعد أن قدمت لهن وعودا ربما بمساعدتهن على العمل في دول أجنبية”.

خلايا متابعة وإحاطة

تحت ضغط المجتمع المدني والاستياء الكبير في الشارع التونسي من قضية جهاد النكاح، تحركت وزارة المرأة لتعلن عن تنديدها بما وصفته بـ “الممارسات النكراء” التي تشكل خرقا صارخا للقيم الدينية والأخلاقية للمجتمع التونسي.

وزيرة المرأة التي أكدت على عدم امتلاك الوزارة لأي احصائيات أو معطيات رسمية في هذا الغرض، والتي تلاقي انتقادات لاذعة لتقصير وزارتها في الإحاطة بالقضايا الحقيقة للمرأة والأسرة أفادت بأن وزارتها شكلت “خلية إحاطة بضحايا جهاد النكاح وبأطفالهن، والعمل على  الحد من انتشار هذه الظاهرة”.

وفي إطار تفاعل المجتمع المدني مع تصريحات الوزير قالت راضية الجربي رئيسة اتحاد المرأة (المنظمة النسوية الأولى في تونس) إن “الاتحاد ينكب على دراسة ملف الحوامل العائدات من سوريا. وهو بصدد الاتصال ببعضهن والحصول على شهادات حيّة قصد تحديد طريقة التدخل والعلاج والمساعدة”.

وتأتي في السياق نفسه تصريحات باديس الكوباكجي رئيس جمعية الإغاثة للتونسيين بالخارج، الذي اشار إلى “ملفات تلقتها جمعيته من عائلات الفتيات اللواتي سافرن لممارسة جهاد النكاح في سوريا كشفت أن روابط حماية الثورة هي من الأطراف التي تقوم بترحيلهن لممارسة جهاد النكاح”.

لكن الكوباكجي ايضا، وعلى غرار التصريحات المؤكدة لوجود الظاهرة، لم يتطرق إلى تفاصيل التي في حوزته.

“هم يحبون ونحن نحبّ”

وكانت صحيفة اللوموند الفرنسية قد اشارت إلى غياب أدلة مادية على وجود هكذا ممارسات، في حين تساءلت تحقيقات إعلامية أخرى عن جدوى وكيفية تسفير فتيات قاصرات دون السن القانوني وعبورهن حدود أكثر من دولة من بينها الأردن وتركيا ومن ثم عودتهن حوامل دون المرور على أجهزة الأمن والحدود.

كما تساءلت تقارير إعلامية عن سبب التركيز في التقارير الإعلامية على النساء التونسيات، وليس النساء في مناطق اكثر قربا لسوريا تعاني من أزمات معيشية خانقة كالعراق مثلا، أو حتى مخيمات النزوح السورية في دول الجوار.

وذكرت روث ميكالسون، وهي صحفية بريطانية أمضت وقتا في تغطية الأحداث السورية وكتبت عن جهاد النكاح ان هكذا نوع من القصص يستهوي الصحافة الغربية التي استنفذها الحديث عن نساء عربيات يرسلن للخليج، معتبرة أن قصة جهاد النكاح تكمل التصورات النمطية “عن العربي المسلم الذي يحركه الجنس والنساء العربيات المطواعات سهلات القياد”.

في حين اكدت سناء سعيد في بحث لها باللغة الانكليزية حول جهاد النكاح على موقع “بوليسي ميك”، أن وسائل الإعلام  الغربية “تحبّ الكتابة عن الموضوع، ونحن (القراء) نحب القراءة عنه وتصديقه”.

وإلى أن يخرج المسؤولون الذين يؤكدون وجود الظاهرة ملفاتهم ووثائقهم إلى العلن، وتبت تحقيقات القضاء بصدقية المسألة، يبقى “جهاد النكاح” في ملعب التراشق الإعلامي بين جهات تنفي، واخرى تؤكد دون أن يقدم أي منها معلومات تفصيلية حتى الآن، سواء عن أعداد الفتيات وأعمارهن، أو الطرق والحدود التي يعبرنها، او المجموعات التي تستقبلهن، أو الدعاة والمنظمات المسؤولة عن إرسالهنّ.