“هيب ..هيبا .. هيلا .. هيلا .. هيلا والله .. هيلا الرزق على الله .. يا مقسم أرزاقنا يا الله .. أطرح في الشبكة البركة”، كلمات فلكلورية من التراث الشعبي للصيادين في مدينة الإسكندرية تتغنى بها مجموعة ترتدي زي الصيد المعتاد، “الصديري” الأبيض والسروال الواسع الفضفاض.

أثناء قيامهم بإلقاء الشبك على وجه البحر مرفقين به الطعم يعتقد أولئك الصيادون أن تلك الكلمات الرنانة تجلب لهم الإحساس بالقوة والرزق الوفير. إلا أن الحاج محمد رزق الله، 65 عاما، شيخ الصيادين بمنطقة بحري بالإسكندرية، يؤكد أن هذه الأغنية أو سواها لم تعد تجدي نفعا في إنقاذهم من محنتهم.

“هيب ..هيبا .. هيلا .. هيلا .. هيلا والله .. هيلا الرزق على الله .. يا مقسم أرزاقنا يا الله .. أطرح في الشبكة البركة”، كلمات فلكلورية من التراث الشعبي للصيادين في مدينة الإسكندرية تتغنى بها مجموعة ترتدي زي الصيد المعتاد، “الصديري” الأبيض والسروال الواسع الفضفاض.

أثناء قيامهم بإلقاء الشبك على وجه البحر مرفقين به الطعم يعتقد أولئك الصيادون أن تلك الكلمات الرنانة تجلب لهم الإحساس بالقوة والرزق الوفير. إلا أن الحاج محمد رزق الله، 65 عاما، شيخ الصيادين بمنطقة بحري بالإسكندرية، يؤكد أن هذه الأغنية أو سواها لم تعد تجدي نفعا في إنقاذهم من محنتهم.

يعمل الحاج محمد بمهنة الصيد التي ورثها عن أجداده منذ أكثر من 50 عاما. وفي السنوات الخمس الأخيرة اختلفت معالم المهنة تماماً بالنسبة له، و”مبقتش بتجيب همها” على حد تعبيره.

أما مشكلة الصيادين الأساسية فبدأت بحسب قوله عقب ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011 حين أعلنت هيئة الثروة السمكية عن منع الصيد لمدة ثلاثة أشهر من كل عام، مما جعل الصيادين يصرخون غضبا من هذا القرار الذي خفض دخلهم السنوي بمقدار الربع، وجعل أسرهم تكابد الفقر. ويؤكد شيخ الصيادين أنه وزملاءه لم يتعلموا غير مهنة الصيد، وأن هذا القرار جعل الإسكندرية المشهورة بعاصمة الصيد في مصر لا تبيع سمكة واحدة من صيد صياديها.

الهيئة شردت الصيادين

في هذا العام تفاقمت مشكلة الحاج محمد ورفاقه، بعد أن قررت هيئة الثروة السمكية رفع مدة منع الصيد لتصل إلى ستة أشهر سنويا.

“القرار صدر بذريعة حماية أنواع من السمك من الانقراض، وبزعم أننا نقوم بصيد السمك الصغير الذي ينمو، وهذا غير صحيح أبدا”. يوضح رزق الله، مؤكدا أن الصيادين هم الأكثر حرصا على استمرار تكاثر الأسماك وبالتالي استمرارهم في مزاولة مهنتهم. في حين يؤكد صياد آخر متضرر من القرار أن ابناء المهنة “هم من في طريقه إلى الانقراض وليس السمك، بسبب ما فعلته معنا هيئة الثروة السمكية”.

ويضيف أمين عبد التواب، أن “مشاكلنا لا تتوقف عند منع الصيد الذي يجعلنا عاطلين لا نجد لقمة نوفرها لأولادنا، بل تكبدنا خسائر أيضا في صيانة المراكب الصغيرة”، مشيرا إلى “عدم وجود تأمينات أو معاشات تصرف لأسرنا عندما نتعطل عن العمل، او تعرضنا لإصابات او غرق، أو حين وفاتنا، مما يجعلنا تحت رحمة المجهول”.

ويعزو عبد التواب صدور هذا القرار إلى أن الصيادين يقومون بصيد سمك يطلق عليه اسم “الذريعة” أي السمك الصغير، مما يعرض الثروة السمكية للانقراض، فضلا عن قيامهم بعدم إعطاء فرصة للثروة السمكية بالنمو والتكاثر، وأن السنوات الأخيرة أظهرت عجزا شديدا في كمية الأسماك المصطادة من الإسكندرية. لكنه يعلق قائلا إن “تراجع أعداد السمك لاعلاقة لها بالصيد، وقد ترتبط بأسباب بيئية”، وبجميع الاحوال “يجب أن لا يكون الحل على كاهل الفقراء”، يقول ساخطاً.

[ibimage==9846==Small_Image==none==self==null]

القوارب مركونة بانتظار بدء فترة السماح

 لقد أعدموا مهنة الصيد

قرار وقف الصيد لمدة ستة أشهر دفع شيخ الصيادين الحاج محمد إلى اللجوء للاقتراض من تجار الأسماك الكبار، وكذلك فعل معظم زملائه، بل إنهم وقعوا شيكات أو كمبيالات من أجل تجديد المراكب التي تتآكل باستمرار من شدة ملوحة البحر، “وسيكون بمقدور هؤلاء التجار الحجز على مراكبنا في حال عجزنا عن التسديد”.

وأفاد رزق الله، أن انتاج السمك انخفض حاليا بمحافظة الإسكندرية بشكل حاد، مؤكدا أن التجار أصبحوا يجلبون الأسماك من مدن ومناطق بحرية أخرى كرشيد وادفينا وادكو والمنزلة والبرلس وعزبة البرج لبيعها بالأسواق، وهو ما رفع أسعار الأسماك نظرا لزيادة تكاليف النقل.

بحر بلا أسماك

محمد مهنا، أحد الصيادين، يقول إن كمية الأسماك التي يصطادها بالإسكندرية في الوقت الحالي ضئيلة للغاية فهي لا تتعدى 100 كيلو لكل صياد طوال العام، في حين أن حصيلته من الصيد قبل خمسة أعوام ماضية كانت تبلغ خمسة أطنان.

ويوافقه في الرأي خميس برعي، صياد، ويضيف أن كمية صيد الأسماك مثلا في البرلس أو رشيد أو عزبة البرج مرتفعة جدا أي تصل معدلاتها إلى عدة أطنان خلال أشهر، “ما يوضح أننا نعاني من عجز في الثروة السمكية بأكبر المحافظات البحرية”، يقول برعي.

مهن بديلة

هؤلاء الصيادين الذين قابلهم “مراسلون” هم حفنة من 15 ألف صياد في الاسكندرية، معظمهم ترك المراكب لكنه لم يترك الشاطئ.

“نحن عاطلون عن العمل بأمر المسؤولين” يقول رزق الله، كاشفا أن زملاءه اليوم يقومون بأعمال متنوعة منها بيع الشاي على الشواطئ وبيع الآيس كريم والبطاطا، “فهذه هي المهن البديلة المتاحة أمامنا”.

ويضيف رزق الله، أن واقع المهنة جعل الصيادين يدفعون أولادهم لتعلم حرف أخرى، فأولاده الثلاثة البالغين قام بمنعهم من العمل في الصيد بسبب “غدر المهنة” على حد وصفه.

نقابة الصيادين

عادل عبد العاطي، رئيس نقابة الصيادين بالإسكندرية، يؤكد ما ورد على لسان الصيادين، واصفا الصيد بأنه “يحتضر” بالمحافظة بسبب “قانون الوقف الغاشم”.

ويقول نقيب الصيادين إن قوانين منع الصيد في كافة دول العالم تنص على عدم الصيد في مناطق محددة على السواحل في فترات محددة نظراً لوجود الذريعة أو السمك الصغير، “إلا أننا البلد الوحيد الذي ينص قانونه على امكانية منع الصيد منعا نهائيا، وهو ما أتاح الفرصة لهيئة الثروة السمكية أن توقف الصيد لمدة ستة أشهر لأنه من حقها طبقا للقانون إصدار هكذا امر بحجة تنمية الثروة السمكية”.

من جانبه، حاول موقع “مراسلون” الاتصال بمحمد فتحي عثمان، رئيس هيئة الثروة السمكية بالإسكندرية، لمعرفة تعليقه على شكاوى النقابة أو الصيادين إلا أنه رفض الرد أو التعليق على الأمر.

معاش لا يساعد

يوضح الحاج رزق الله، أن نقابة الصيادين نقابة فقيرة حيث أن الصياد صاحب العمل له الحق في معاش 100 جنيه فقط (حوالي 14 دولار أمريكي)، وفى حالة غرق المركب يحصل على تأمين 100 ألف جنيه من صندوق الدعم، بالرغم من أن ثمن المركب يتعدى المليون جنيه، كما يتم صرف مبلغ خمسة ألاف جنيه تعويضا لأسرته في حالة غرق الصياد.

ويطالب شيخ الصيادين ومعه آخرون كثر، المسؤولين بالنظر إلى وضعهم، وتخصيص ميزانية مالية لنقابة الصيادين كي تصرف معاشات لأسرهم وأبنائهم في فترات التعطيل، محذرا أن “كل الصيادين الذين أمامك قد يتحولون إلى بائعي شاي وآيس كريم في السنة القادمة”.