ثلاث طلقات كانت كفيلة بأن تودي بحياة العقيد المتقاعد عبد اللطيف المزيني (71 عاماً)، عندما كان واقفاً أمام منزل أخيه في درنة بالشرق الليبي في الصباح الباكر، منتظراً أن يسافرا سوياً إلى طبرق (175 كم شرقاً) لأداء واجب العزاء .حينها توقفت سيارة بداخلها مجهولون أطلقوا عليه النار ولاذوا بالفرار دون أن يراهم أحد.

وبحسب المعلومات المتوفرة، لا يوجد سبب واضح لاغتيال المزيني، فكلّ ما في سجله يشير إلى أنه عقيد متقاعد سجله الوظيفي نظيف، كما أنه قام بفتح مراكز لتدريب الثوار مع بداية اندلاع الثورة.

ثلاث طلقات كانت كفيلة بأن تودي بحياة العقيد المتقاعد عبد اللطيف المزيني (71 عاماً)، عندما كان واقفاً أمام منزل أخيه في درنة بالشرق الليبي في الصباح الباكر، منتظراً أن يسافرا سوياً إلى طبرق (175 كم شرقاً) لأداء واجب العزاء .حينها توقفت سيارة بداخلها مجهولون أطلقوا عليه النار ولاذوا بالفرار دون أن يراهم أحد.

وبحسب المعلومات المتوفرة، لا يوجد سبب واضح لاغتيال المزيني، فكلّ ما في سجله يشير إلى أنه عقيد متقاعد سجله الوظيفي نظيف، كما أنه قام بفتح مراكز لتدريب الثوار مع بداية اندلاع الثورة.

ذات الحادثة تكررت مع الضابط فتحي العمامي آمر فرقة الإنقاذ الجوي لقاعدة مرتوبة (20 كم شرق درنة)، حيث أطلق مجهولون عليه النار أثناء قيامه بفتح محل بيع الهواتف المحمولة الذي يملكه، ولاذ الجناة مجدداً بالفرار دون أن يراهم أحد.

خمسين قضية ضد مجهول

حوادث الاغتيال والتصفية في مدينة درنة بدأت منذ اليوم الأول لثورة فبراير، و شملت بشكل واسع قياديين وعناصر سابقين في الأجهزة الأمنية، سواء ممن انضموا للثورة ودعموها أو ممن آثروا البقاء في منازلهم أو من الذين فروا و عادوا بعد ذلك ليلاقوا مصير الموت.

الفاعل دائماً مجهول، ويردد الأهالي هنا في درنة أن “الجناة غالباً ما يستقلون سيارة من نوع شيفروليه سوداء اللون معتمة الزجاج ويخشى الجميع ملاحقتها”.

ولخلو المدينة من أي جهاز أمني يباشر عمليات التحقيق، يتعثر الوصول لأي نتائج حول قضايا الاغتيال التي تجاوزت الخمسين في عامين، وقيدت جميعها ضد مجهول.

يقول أحمد سالم لمراسلون إن “الاغتيالات في درنة منظمة وتستهدف عناصر الأمن السابقين، فبعد اندلاع الثورة هرب أغلب تلك العناصر، ومن تبقى منهم تمت تصفيته سواء ممن كانت له سمعة  سيئة أو عرف بخلو سجله من أعمال ذات شبهة إبان حكم العقيد القذافي”.

ويشجب سالم هذه الأعمال الخارجة عن القانون والتي تزيد من احتقان الشارع حسب تعبيره، ويقول “طالت هذه العمليات رجال أمن انضموا للثورة منذ بدايتها، وقدموا الكثير من إنشاء للمعسكرات وتدريب للثوار، بل وانخرطوا في العمل المسلح على جبهات القتال”.

إلا أن سالم غيره لا يوجه التهم لتيار بعينه، لكن الدوائر حسب قوله “تحوم حول مجموعة من التيار السلفي الجهادي، والتي آثارت مثل هذه القلاقل”، و يضيف بأن “المواطنين في درنة يتعجبون من عدم اتخاذ الدولة أي حلول للوضع الأمني السيء الذي تشهده المدينة”، و يتساءل إلى متى سيستمر هذا الحال “فاللائحة تطول والفاعل مجهول”.

“لا علاقة لهم بالقاعدة”

الشيخ عمر – 31عاماً – معتقل سابق بسجن أبو سليم، وأحد القادة الميدانيين في معارك الثورة ضد نظام القذافي، يؤكد لمراسلون أن “الإسلاميين ليسوا جميعاً على منهج واحد، ولا ينهجون الطريق ذاته، ومن الخطأ تعميم كلمة الإسلاميين أو السلفيين على كل من يمارس القتل ويقوم بالتفجير والاغتيال”، مؤكدا أن التيار السلفي نفسه يتنوع إلى سلفية جهادية وسلفية دعوية .

الشيخ عمر يُؤكد لـ “مراسلون” أن من يقوم بأعمال الاغتيال والقتل والتفجير بدرنة “لاعلاقة لهم بالقاعدة كما يُشاع، ربما يكون ارتباطهم بالقاعدة فكرياً وعقائدياً، لكنه ليس تنظيمياً”.

الشيخ عمر الذي قاتل ضد نظام القذافي حتى اُسقط، ومن ثم توجه إلى سوريا مع مجموعة من شباب درنة للقتال ضد نظام بشار الأسد، يؤكد أن “هؤلاء القتلة في درنة لا يمثلون الإسلام ولايمثلون السلفية، وأن تصرفاتهم الفردية والطائشة تضر بالإسلام وليست نصرة له كما يعتقد هؤلاء المراهقون”، حسب وصفه.

ضحايا ومراهقون

كذلك الشيخ إبراهيم – طالب جامعي 21 عاماً – يؤكد ما قاله زميله في جبهات القتال الشيخ عمر أن “من يقتل في درنة هم زمرة من المراهقين الذين رمت بهم ظروف الفراغ والجهل والبطالة إلى أحضان التطرف” .

إلا أن الشيخ إبراهيم يصف هؤلاء بـ”الضحايا”، ويحمل الدولة مسؤولية ما وصلوا إليه، واصفاً درنة بالمدينة “الأكثر تهميشاً على مستوى الوطن” .

ويُحمل الإعلام أيضاً جانباً من المسؤولية، مؤكداً أن الكثير من الوسائل الإعلامية “تنسُج الحكايات والروايات عن درنة، خاصة ما يتعلق منها بالتطرف والقاعدة، دون أن تكلف نفسها عناء زيارة المدينة الليبية التي أخذت النصيب الأكبر من التهميش طيلة عقود” يقول ابراهيم.

على الصعيد الرسمي

وليد الهنيد عضو المجلس المحلي في درنة تحدث لـ “مراسلون” طويلاً حول موضوع الاغتيالات في مدينته، مشيراً إلى أن المجلس المحلي لدرنة هو أول من شكل غرفة أمنية برئاسة محمد الحاسي، الضابط السابق في جهاز مكافحة المخدرات، إلا أن الحاسي اغتيل أيضاً من قبل مجهولين.

الهنيد تحدث أيضاً عن انسحاب كتيبة شهداء أبو سليم التي كانت تؤمن المدينة، حيث روى أنه وبعد انضمام الكتيبة لوزارة الداخلية تم تكفيرها، وأُهدر دم كل من ينتمي إليها من قبل المتشددين، بدعوى أنها “تعمل تحت إمرة دولة تتعامل مع الكفار، وتوقع عقوداً واتفاقيات مع الدول الكافرة”، وهو ما تسبب في انسحاب الكثير من أفراد الكتيبة من العمل مع الدولة خوفاً على حياتهم .

الهنيد يؤكد أن الوضع الأمني في درنة معقد جداً، “ففي غياب الدولة بأجهزتها الأمنية يغيب فيها دور القبيلة أيضاً، بعكس جاراتها من المدن مثل طبرق والبيضاء حيث للقبيلة دورٌ مهم في إحداث التوازن الأمني، حيث أن النسيج الاجتماعي في درنة  ضعيف ومفكك لأسباب تاريخية كثيرة” بحسب قوله.

ناتج الإحباط

رمضان بن طاهر باحث اجتماعي وعضو هيئة التدريس بكلية الآدب بجامعة عمر المختار تحدث لـ”مراسلون” حول ظاهرة التطرف في درنة، وأكد أنه “لابد من النظر إلى الموضوع ضمن السياق الاجتماعي والثقافي لمدينة درنة والذي ارتبط مباشرة بنشوء وتبلور هذه الظاهرة، خاصة أنها لم تظهر بالصورة نفسها في مناطق ومدن أخرى” .

يروي بن طاهر أن ظهور المطالبة بتطبيق الشريعة في درنة بعد الثورة “أخذ شكل التنظيم الذي يستهدف تطبيق الشريعة وإلزام الآخرين بها”، ولم يقتصر على مجرد الدعوة السلمية لتطبيق أفكار معينة، “وبما أن هؤلاء الشباب كانوا من الثوار، فإنهم قد شاركوا في هدم النظام القديم ووجدوا أن النظام الجديد لابد أن ينهض فكراً ودستوراَ ودولة على الإسلام” يقول بن طاهر .

إلا أنه يحدد أسباب انتشار ظاهرة العنف والتطرف باسم الدين في درنة بالذات إلى التهميش الذي عانت منه المدينة على كل الأصعدة، ويرى الحالة “بوصفها ناتج الإحباط التي يعقبها العنف والعدوان على الدولة والمجتمع الرسمي بكل رموزه المعبرة عنه، وقد اتخذ هذا العنف من الدين إطار شرعياً له، ومن المرجح إذا استمر تهميش المدينة أن تتسع دائرة التطرف” بحسب بن طاهر.

ويؤكد بن طاهر على ضرورة “الإسراع والعمل على إصلاح العقل بالوعي، وإصلاح الخطاب الديني، والارتقاء بمستوى الخدمات، وتوفير فرص العمل والسكن للشباب، بمعنى إصلاح العقل الذي يفرز هذه المشاكل وإصلاح الظروف التي تتسبب في انتشار مثل هذه الظواهر”.

عائدون من أفغانستان

عمليات الاغتيال التي وقعت في درنة حتى اليوم طالت الرموز الأمنية و قادة الثوار، خاصة ممن يأتيهم تكليف من طرف الدولة بإنشاء أجهزة رسمية، و تكررت هذه الحوادث حتى خلت المدينة من أي مشروع أمنى قد يبسط السيطرة على الوضع الهش.

محمد السلطني – 41 عاماً – قضى في سجن بوسليم أكثر من ثماني سنوات، على خلفية انتمائه لإحدى الجماعات الإسلامية المحظورة في عهد القذافي، وهو أحد الذين خرجوا للقتال في أفغانستان عام 1990 ضد الشيوعيين، وكان يبلغ من العمر وقتها 18 عاماً.

يوضح السلطني لـ “مراسلون” أن الجماعات التي كانت تقاتل في أفغانستان وقتها متنوعة، منها جماعة الجهاد المصرية بقيادة الظواهري، والإخوان المسلمون، والتيار السلفي، وحزب التحرير الإسلامي.

السلطني يقول أن “الخلاف بين هذه الجماعات بدأ عندما اختلفت حول تكفير من يقاتل مع الحاكم الذي لا يحكم بشرع الله، وهنا ظهر التيار الجهادي التكفيري، وانتشر هذا التيار أكثر بعد غزو العراق، وتأثر الشباب الجهادي بمنهج وأفكار أبي محمد المقدسي وبقيادة مصعب الزرقاوي”.

وعن وصول هذا الفكر إلى ليبيا ودرنة تحديداً يقول السلطني أن “كثير من الشباب تدافعوا للجهاد في أفغانستان والعراق بعدها، ومن دخلوا منهم السجون كمعتقل غوانتنامو تأثروا كثيراً بفكر هؤلاء”.

ويضيف “درنة تحديداً تعرضت في زمن القذافي إلى اضطهاد كبير، وتعرض كثير من أبنائها لملاحقات أمنية بل وقتل في الشوارع، كل هذا رصيد تركته الأجهزة الأمنية في ذاكرة أهالي درنة، ساعد على الرغبة في الانتقام من جلاديهم باسم الجهاد”.

ويتابع السلطني أن شهية التيار الجهادي للنيل ممن يعتبرهم جيش الطاغوت الكافر ارتفعت بعد انتشار السلاح في ليبيا في أعقاب الثورة، “بل انهم سعوا إلى النيل ممن يدافع عنهم وإن كان من الإسلاميين أنفسهم، كالإخوان المسلمين والسلفيين الدعويين والصوفيين، لأن هذه الجماعات الإسلامية تخالف الجماعات السلفية الجهادية في استخدام العنف في مشروعها الدعوي والسياسي، كما أن الأخوان ينفردون بقبولهم قواعد اللعبة الديمقراطية”.