يمكن وصف تجارة الجمال بين مصر والسودان بأنها فريدة من نوعها. فالمصدر السوداني للجمال هو نفسه الذي يستوردها ويستقبلها في مصر من خلال وسطاء ووكلاء مصريين علاوة على ان مردود هذه التجارة يعود بالايجاب على الصناعات المصرية الصغيرة حيث ترتد قيمة هذه الجمال في صورة بضائع وسلع الى السودان.
ولا تحكم تجارة الجمال بين البلدين أية اعتبارات سياسية بدليل ان متوسط أعداد رؤوس الجمال الواردة خلال الـ 30 سنة الماضية لم تتغير تقريبا رغم تقلب العلاقات بين أهل السياسة.
يمكن وصف تجارة الجمال بين مصر والسودان بأنها فريدة من نوعها. فالمصدر السوداني للجمال هو نفسه الذي يستوردها ويستقبلها في مصر من خلال وسطاء ووكلاء مصريين علاوة على ان مردود هذه التجارة يعود بالايجاب على الصناعات المصرية الصغيرة حيث ترتد قيمة هذه الجمال في صورة بضائع وسلع الى السودان.
ولا تحكم تجارة الجمال بين البلدين أية اعتبارات سياسية بدليل ان متوسط أعداد رؤوس الجمال الواردة خلال الـ 30 سنة الماضية لم تتغير تقريبا رغم تقلب العلاقات بين أهل السياسة.
ويقول علي عوض، تاجر سوداني، انه يقوم بشراء الجمال من الاسواق المختلفة في السودان مثل الفاشر او نيالة او ام درمان او الجنينة وغيرها من الاسواق الكبيرة التي تشتهر ببيع الجمال ثم يقوم بعد ذلك بترقيم الجمال او وضع علامة معينة عليها ويتركها لمجموعة من الرعاة المتخصصين لتوصيلها من السودان الى مصر سيرا على الاقدام في دروب واودية معروفة للرعاة.
ويضيف ان الجمال السودانية تاتي الى مصر عبر طريقين فقط، الاول يقع غرب بحيرة ناصر عند منطقة ارقين الحدودية، والثاني يقع شرق البحيرة في مدينة شلاتين ويتميز الطريق الغربي بانه قريب من النيل لذا يرتاده عدد اكبر من الجمال السودانية.
حافلة الجمال
ويفيد عثمان محمد حامد البشاري، راعي جمال، ان الجمال تاتي في مجموعات كبيرة من السودان تضم ما بين 100 الي 200 جمل ويطلق على كل مجموعة منها “الحافلة”، ويقود هذه الجمال اربعة رعاة احدهم يسير في المقدمة ويسمى “خبير ” وهو اكثرهم خبرة ودراية بدروب الصحراء وهو المسؤول الاول عن سلامة ارواح زملائه والجمال بينما يسير الثلاثة الباقون على يمين ويسار وخلف الحافلة.
وان الرحلة في الطريق الشرقي -على سبيل المثال- تستمر لمدة 17 يوما على الاقل، حيث تبدأ من ام درمان في السودان الشقيق وتسير لمدة اربعة ايام حتي تصل الى الدامر ثم تسير ثلاثة ايام اخرى لتصل الي ابو حمد، ومنها تتابع المسير ستة ايام أخرى الي منطقة العلاقي علي الحدود المصرية السودانية وفي النهاية تحتاج إلى أربعة أيام أخرى حتي تصل الي المحجر البيطري في شلاتين داخل الاراضي المصرية.
ويضيف ان الجمال طوال هذه الرحلة الشاقة لا تشرب الماء الا خمس مرات فقط بواقع مرة كل 3 ايام تقريبا، بينما يحتفظ الرعاة بكميات من المياه ليشربوا منها خلال سيرهم على الاقدام في دروب الصحراء، كما ان حافلة الجمال تسير طوال ال 24 ساعة تقريبا ولا تتوقف الا لفترات قصيرة حينما يتناول الرعاة الطعام والقهوة، ولا يحصل الراعي إلا على غفوات نوم قصيرة جدا طوال الرحلة.
ويشير إلى أن اجر رعاة الجمال في هذه الرحلة يبلغ حوالي 300 جنيها، حوالي 43 دولار، على كل رأس ويتم تقسيمها بالتساوي علي الجميع بينما يحصل الخبير على اجر اضافي من صاحب الجمال تقديرا له، موضحا ان التاجر السوداني صاحب الجمال يلحق بهم عن طريق السفر بالطائرة او الباخرة من السودان الى مصر لكي يستقبل الجمال في سوق مدينة دراو لبيعها هناك، وفي حال لم يجد لها سعرا مناسبا يقوم بنقلها الى سوق امبابة في القاهرة لبيعها هناك وعقب بيع الجمال يشتري بثمنها سلع مصرية ليبيعها لاحقا في السودان.
مدينة قائمة على تجارة الجمال
ويوضح حاتم البرجسي، وكيل جمال، ان مدينة دراو بمحافظة اسوان تعتمد اعتماد كلي على تجارة الجمال من خلال توفير المأوى لها واستقبال التجار السودانيين لحين انتهاء الاجراءات الازمة لنقل هذه الجمال الي باقي محافظات الجمهورية، لافتا إلى أن مهمة وكلاء الجمال المصريين تقتصر على استلام الجمال على الحدود المصرية السودانية من الرعاة السودانيين ومن ثم توصيلها الي المحجر البيطري سواءا في مدينة ابوسمبل او في مدينة شلاتين، وذلك حسب الطريق الذي تأتي منه الجمال، وبعد ان تخضع للاجراءات البيطرية اللازمة يقوم الوكيل المصري بتوصيلهاالي سوق دراو.
ارتفاع الاسعار
ويقول تاجر الجمال سيد عابدين إن حركة الجمال القادمة من السودان تناقصت بشكل واضح خلال الفترة الماضية بسبب عدم الاستقرار الامني في البلاد، لان معظم التجار في الوجه البحري يعزفون عن المجيء لدراو وشراء الجمال منها بسبب قطع الطرق وانتشار البلطجية.
ويشير الى ان اسعارها ارتفعت بشكل كبير خلال الفترة الماضية ووصل سعر بعض الجمال الى 17 و18 الف جنيه للجمل الواحد مما ادى الى انخفاض حركة البيع والشراء.
الاجراءات البيطرية
ويقول أحمد عبد الكريم، نقيب الاطباء البطرييين في اسوان أن تسليم الجمال القادمة من السودان يتم أيام الاثنين من كل اسبوع داخل الحجر البيطري بابوسمبل، حيث تمكث فيه الحيوانات لمدة يومين وتخضع خلالهما للتحصين ضد حمي الوادي المتصدع والرش بالمبيدات للتخلص من الطفيليات الخارجية، ويتم بعد ذلك نقل الجمال بالسيارات من مدينة ابوسمبل الي سوق مدينة دراو على بعد مسافة تقدر بحوالي 320كم، حيث يقام هذا السوق يومي السبت والاحد من كل اسبوع، وبعدها تسافر الجمال الى مختلف محافظات الجمهورية او يتم بيعها مرة اخرى في سوق برقاش في القاهرة.
ويؤكد على أن السلطات المصرية تسمح بدخول ذكور الجمال فقط وتمنع دخول الاناث حفاظا علي الحالة الصحية خوفا من انتقال الامراض الوبائية التي تنقلها احيانا بعض الاناث، بينما تتراوح اعمار الجمال القادمة من السودان ما بين خمس الى ست سنوات ومنها ما يستخدم بغرض التسمين لمدة بضعة اشهر ثم يذبح بعد ذلك، وبعضها يستخدم في العمل داخل الحقول ذات الملكيات الصغيرة، والبعض الاخر يكون مسمن وجاهز للذبح الفوري.
الجمال تقاوم الامراض
وبحسب نقيب الاطباء البيطرين أحمد عبد الكريم فإن الجمال تقاوم الامراض بدرجة كبيرة ولم يتم ملاحظة اي مرض وبائي كان سببها ورود الجمال من السودان خلال الـ 30 عاما الماضية. وتتميز لحوم الجمال بانها صحية لانها لحوم حمراء خالية من الكوليسترول خاصة وان دهون الجمل تتركز في السنام.
ويوضح النقيب ان ثورة 25 كانون الثاني/ يناير لم تؤثر على حركة الجمال الواردة من السودان وإن متوسط الأعداد الواردة يتراوح ما بين أربعة إلى خمسة آلاف رأس شهريا في محجر ابوسمبل فقط، اضافة الى محجر شلاتين الذي يصله نفس العدد تقريبا.
وتقل حركة تجارة الجمال بين البلدين في فترة الصيف بسبب نزول الامطار في السودان ووفرة المراعي في تلك الفترة، لذلك يبقي المالك على الجمال للاستفادة من هذه الفترة في تسمينها، بينما تزداد حركة الجمال في الشتاء نظرا لاحتياج المزارعين لها كي تعمل في نقل محصول القصب من داخل الاراضي الزراعية الى الطرق الرئيسة.
تأثير الطريق البري
ويتوقع عبد الكريم ان الطريق البري الجديد بين مصر والسودان (قسطل – وادي حلفا) لن يؤثر على حركة الجمال الوادرة عبر منفذ ارقين الغربي، لكنه قد يؤثر على اعداد الجمال التي تاتي من ناحية مدينة الشلاتين علاوة على انه سيؤثر بشكل ايجابي على حركة استيراد العجول السودانية من خلال توفير طريق مناسب للسيارات التي تقل هذه العجول.
ويشير الى ان اسعار الجمال ارتفعت في السنوات الاخيرة وتتراوح حاليا ما بين ثمانية إلى عشرة آلاف جنيه مصري (حوالي 1400 دولار أمريكي) للجمل الواحد وفقا لوزنه، ويزيد سعر كيلو لحم الابقار عن لحم الجمال بحوالي عشرة جنيهات تقريبا، لذا فان الجمال تساهم في استقرار اسعار اللحوم في الاسواق.