“قضيت الـــ 17 سنة  من حياتي أناضل من اجل إطلاق سراح المساجين الإسلاميين من حركة النهضة، واليوم يريدون إدخالي للسجن لأني أطالب فقط باسترجاع الشرعية التي اغتصبوها من الشعب”.

يجد الطاهر بن حسين، اليوم، نفسه ملاحقا قضائيا على خلفية دعاوى قضائية تتهمه بالتحريض على العصيان المدني ورشوة أعوان أمن لمده بمعلومات حول ما يسمى بالأمن الموازي.

“قضيت الـــ 17 سنة  من حياتي أناضل من اجل إطلاق سراح المساجين الإسلاميين من حركة النهضة، واليوم يريدون إدخالي للسجن لأني أطالب فقط باسترجاع الشرعية التي اغتصبوها من الشعب”.

يجد الطاهر بن حسين، اليوم، نفسه ملاحقا قضائيا على خلفية دعاوى قضائية تتهمه بالتحريض على العصيان المدني ورشوة أعوان أمن لمده بمعلومات حول ما يسمى بالأمن الموازي.

هذه التهم خطيرة، وقد تكلفه، كما قال محاموه، السجن مدى الحياة، وربما الاعدام. لكن الطاهر بن حسين اعتبرها تهم كيدية “هدفها تكميم الأفواه و إخماد ولجم الأصوات الحرة وسياسة تعتمدها حكومة النهضة لتركيع وتدجين الإعلاميين”.

ويؤكّد محاميه الأستاذ عبر الستار المسعودي أن هناك من بين التهم التي وجّهت للطاهر بن حسين، ما اعتبرته المحكمة دعوة الى عصيان مدني، كندائه إلى المواطنين بعدم تسديد  فواتير الماء والكهرباء، والتي اعتبرتها المحكمة “تآمر على أمن الدولة، ومحاولة لقلب نظام الحكم”.

“لقد أحيل إلى القضاء استنادا إلى الفصل 72 من المجلة الجزائية التي يعاقب فيه بالإعدام مرتكب الاعتداء المقصود منه محاولة تبديل هيئة الدولة وقلب نظام الحكم، وبالتالي هذه الحكومة تتعامل مع الطاهر بن حسين وكأنه الارهابي أبو عياض” يعلق المحامي المسعودي.

البقدونس، طريق الى الحرية!

الرأي العام التونسي تعاطف مع الطاهر بن حسين، ولم ينس نضالات الرجل ووقوف قناة الحوار التونسي التي يملكها منذ 2003 كشوكة في حلق نظام بن علي. فقد كان بن حسين يخصّص كل يوم ساعات بث القناة للحديث عن فساد العائلة الحاكمة في تونس من خلال صور حية وحصرية لما يحدث في البلاد في العشرية الأخيرة لحكم بن علي.

وحين واجهت القناة صعوبات، أطلق بن حسين نداء استغاثة، العام الماضي على صفحات التواصل الاجتماعي.  فردت عليه الصفحات المقربة من الحكومة ومن حركة النهضة متهكمة “اذهب وبيع المعدنوس (البقدونس)”.

وكان بن حسين سبق وأن شكك في شفافية تمويل قناة الزيتونة التي يملكها ابن وزير التعليم العالي والقيادي في حركة النهضة منصف بن سالم الذي استطاع أن يملك قناة تلفزيونية رغم أن والده صرّح أنه كان يبيع البقدونس سنوات قمع الاسلاميين.

وفعلا نظم بن حسين يوما لبيع البقدونس أمام مقر قناته وشهدت هذه العملية الطريفة إقبالا منقطع النظير. يقول بن حسين “فوجئت بذلك الاقبال الرائع من التونسيين لدعم القناة. يومها كادت تنقطع الحركة من شارع الحرية، مقر القناة، وتهاطلت المكالمات والمساعدات من التونسيين من كل أنحاء العالم”.

“المعارضة قدري..”

يتحدث بن حسين بداياته ويقول “سنواتي الأولى في فرنسا ورغم الصعوبات التي واجهتها كانت سنوات رائعة وعشت فيها ذكريات لا تنسى”.

في عام 1981، يستفيد من العفو الذي أصدره بورقيبة، ويحصل على جواز سفره التونسي ويعود للمرة الأولى في البلاد بعد 11 عاما من المنفى، لكن إقامته لم تدم في تونس. كانت رحلة إعادة الشحن العاطفي كما يسميها والعودة من جديد إلى باريس.

بعد عقود وما أن اندلعت الثورة حتى قرّر بن حسين العودة والاستقرار نهائيا في تونس  فسقوط نظام بن علي كانت احدى أحلامه التي تحققت وكان سعيدا بذلك.

رغم نجاح الثورة إلا أن الطاهر بن حسين ظلّ محافظا على صورة المناضل اليساري الثوري هاجسه تحقيق العدالة الاجتماعية في بلاد ثلث شعبها فقير. لكن التحاقه بنداء تونس، الحزب الذي طالما أثار الشبهات حوله كان مفاجأة غير متوقعة خاصّة للمقربين منه والذين استغربوا كيف يمدّ الطاهر بن حسين يده للعسكر القديم (الدستوريين والتجمعيين الذي اجتمعوا في حزب نداء تونس).

يبرّر ذلك بقوله “أنا مع حزب نداء تونس طالما هو في المعارضة. وما ان يصل للحكم سأغادره. فقدري هو المعارضة”.

ومنذ أيام استقال الطاهر بن حسين من الهيئة التنفيذية لنداء تونس لانعدام “أدنى مقومات التسيير الديمقراطي للحزب”. كما يقول، و يضيف “ذلك مضر بالحزب أولا وبالبلاد ثانيا لان ذلك يؤسس لاستنساخ نظام استبدادي جديد”. لكنه لم يغادر نداء تونس وإنما من قيادته واكتفى بأن يكون في القواعد.

اليوم يحصر الطاهر بن حسين معركته السياسية في اسقاط حكومة النهضة “الفاشلة والمتورّطة في الدمّ” كما يقول. “بعض قيادات النهضة هم في ذات الوقت قيادات في تنظيم أنصار الشريعة، الذي صنفته حكومة علي العريض تنظيما إرهابيا، فالقواعد النهضوية والقواعد الإرهابية متشابكة”. 

وبحسب بن حسين، كان الهدف من إطلاق قناة الحوار “نقل بشاعة وجه نظام الدكتاتور بن علي للعالم وفضحه من الداخل”.  لكن لم يتخيّل للحظة أن الثورة التي طالما حلم بها وساهم في زرع شرارتها الأولى في نفوس التونسيين ستأكل أبناءها فيما بعد. وسيواجه بعد سنتين من سقوط النظام، نظام جديد بملامح قديمة.

“استطعتنا في عام 2008، وبإمكانيات محدودة، كسر الطوق الأمني والحصار الذي فرضه بن علي لإخفاء حقيقة الاحتجاجات المندلعة في مدن الحوض المنجمي في الجنوب التونسي، واليوم يريدون إخماد كل صوت ينادي بإسقاط الحكومة المنتهية شرعيتها”.

ورغم ذلك يصرّ أن “الحكومة ستخسر حربها ضد الحريات، وما محاولات تدجينها للجهاز القضائي إلا أسلوب آخر تلجأ إليه بعد أن جربت سياسات الاغتيال والعنف والإرهاب”.

طالب الطب الشيوعي

الطاهر بن حسين، الذي ولد والحرب العالمية الثانية تضع أوزارها والعالم يمضي سريعا نحو تغيرات جذرية في موازين القوى الدولية، لم ينس يوما مسقط رأسه الشابة حيث حلم يوما بدراسة الطب ليساعد الآخرين ويخفّف ألامه.

 لكن الطبيب الشاب وجد ضالته في العمل السياسي بضغط من أفكاره الشيوعية الذي دفعته لينخرط في العمل السري ضمن حركة آفاق. وهي حركة يسارية سرية أتت بعد قمع الحزب الشيوعي التونسي والملاحقة البوليسية للطلبة في الجامعة، حيث قرر عدد من الطلبة في باريس سنة 1963 تأسيس حركة آفاق لتوحيد فصائل اليسار.  

وبعد سنة من العمل في فرنسا تم فيه تحويل التنظيم إلى تونس، ليصبح العمل السياسي تحريضيا بالأساس، وسرعان ما اصدم بالسلطة التي حاكمت كوادره في 1968 بسبب دعواته المتكررة للتظاهر ومواجهة البوليس مباشرة.

وكان الطاهر بن حسين من بين الطلبة الذين تم اعتقالهم ومحاكمتهم، حيث حكم عليه بالسجن لمدة تسع سنوات وستة أشهر في سجن برج الرومي (شمالي تونس).

لكنه يقول “لم أعد أذكر اليوم أهوال السجن، تلك الأيام رغم فظاعتها تبقى من أجمل التجارب في حياتي”. أمضى بن حسين سنتين ونصف سنة قبل أن يطلق سراحه ويوضع تحت الرقابة القضائية في المهدية التي تفترض أن يمضي في محضر الشرطة يوميا.

لكن في 5 كانون أول/ ديسمبر 1970 قرّر الطاهر بن حسين الهروب الى ليبيا سيرا على الأقدام والحصول فيما بعد على تصريح كلاجئ سياسي. وعن تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر يقول بن حسين “ملاحقتي من طرف  البوليس التونسي الى ليبيا جعلتني أفكرّ في مغادرتها مستعينا بأحد الأصدقاء.

في عاصمة الأنوار لم يكن حظّ الطاهر بن حسين في البداية جيّدا وفي سبيل تأمين لقمة العيش الذي تسدّ رمقه يقول “اضطررت الى القيام بكل الوظائف، موزع صحف. بائع سندويشات ومشروبات في القطارات. ليحالفه الحظ وتلعب الصدفة دورها سنة 1975 وبفضل اتقانه للغة العربية والفرنسية والإنجليزية حصل على وظيفة مهمة في أكبر شركة لتصنيع الأسلحة في أوروبا.

يصمت بن حسين، يحدق في الفضاء كمن يعيد حساباته، ويردف “كان بإمكاني أن أسلك طريق المال لقد كان الأسهل، لكن اخترت أن أمضي في طريق الدفاع عن الحرية، ولم يخطر على بالي أنني قد أواجه محاولة سلب حريتي إلى الأبد بعد ثورة كنت أحد صانعيها”.