في 17 أيلول/ سبتمبر الماضي أعلن الصحفيون التونسيون إضرابا عاما، استجابة لدعوة نقابتهم التي تطالب باعتماد المرسوم 115 في كل المحاكمات المتعلقة بقضايا النشر والصحافة وايقاف التتبعات ضد الإعلاميين وفق المجلة الجزائية.

“مراسلون” التقت نقيبة الصحفيين التونسيين نجيبة الحمروني في هذا الحوار عن واقع الإعلام في تونس والتحديات التي يواجهها القطاع ككلّ وبالأخص بعد الإضراب العام الاحتجاجي.

“مراسلون”- هناك من يعتبر الاضراب العام غير قانوني وهناك من قال إن النقابة تجاوزت العمل النقابي نحو السياسي، فما ردكم؟

في 17 أيلول/ سبتمبر الماضي أعلن الصحفيون التونسيون إضرابا عاما، استجابة لدعوة نقابتهم التي تطالب باعتماد المرسوم 115 في كل المحاكمات المتعلقة بقضايا النشر والصحافة وايقاف التتبعات ضد الإعلاميين وفق المجلة الجزائية.

“مراسلون” التقت نقيبة الصحفيين التونسيين نجيبة الحمروني في هذا الحوار عن واقع الإعلام في تونس والتحديات التي يواجهها القطاع ككلّ وبالأخص بعد الإضراب العام الاحتجاجي.

“مراسلون”- هناك من يعتبر الاضراب العام غير قانوني وهناك من قال إن النقابة تجاوزت العمل النقابي نحو السياسي، فما ردكم؟

الحمروني: عندما نعود إلى القانون الأساسي لنقابة الصحفيين التونسيين، سنجد أن المبادئ الأولى هي الدفاع عن قيم الديمقراطية وحرية التعبير والصحافة. فإذا كانت هذه سياسة فنحن نمارس السياسة بامتياز ومصرّون على  لعب هذا الدور.

“التسييس” هو ان ترتهن النقابة لتيار معين أو حزب معين ونحن مصرون على البقاء على نفس المسافة، لكن اذا جاء سياسيون وساندوا مطلبنا ووقفوا الى جانبنا فأكيد سنلتقي معهم لأننا ندافع عن نفس المبادئ وطبيعي ان نتصادم مع الحزب السياسي الحاكم لأننا لا نلتقي في نفس المبادئ.

ما عدا ذلك هذا كلام أشخاص مزعوجين من صمود نقابة الصحفيين التونسيين ومن تواجدها في مقدمة منظمات المجتمع المدني المدافعة عن حرية التعبير.

هل هناك ضغوطات على نقابة الصحفيين التونسيين؟

منذ البداية عشنا عديد الضغوطات. لقد ورثنا النضال منذ 2008 حيث كنا نناضل ضد نظام دكتاتوري ثم وقع الانقلاب على النقابة وعلى المكتب الشرعي السابق. لقد أخذ المكتب الشبابي المشعل عن المكتب السابق، واليوم سنواصل المسيرة وسندافع على استقلالية نقابتنا وعلى حرية القطاع.

تعرضنا الى العديد من الضغوطات حتى من قبل الصحفيين الذين كانوا في صف السلطة ومع النظام السابق، وللأسف البعض لديه علاقة مرضية بالنقابة ولكنهم لم يجدوا ضدنا اي شيء لأننا واضحون، وقد فشلت محاولات تشويهنا وربطنا ببعض الأحزاب السياسية. ولكننا لا ننكر الضغوطات المالية التي تعيشها النقابة حاليا إذ ليس لدينا تمويلات ماعدا الإنخراطات التي هي سنوية ولا تكفي، ولكن تعودنا التأقلم مع مختلف الضغوطات.

ما تقييمك للإضراب الأخير الذي نفذته نقابة الصحفيين في 17 سبتمبر2013؟

أعتبره إضرابا ناجحا على جميع المقاييس هناك من رأى فيه استعجالا، لكن كانت لدينا رؤية مختلفة لأننا نقيّم مسارا كاملا. سجلنا اعتداءات على الصحفيين وكانت هناك عمليات تضييق. وفي ظرف أسبوع واحد شهدنا محاكمة ثلاثة صحفيين، هناك  رفض من السلطة لإرساء القوانين، وبالتالي وصلنا الى القمة وقلنا كفى.

عبّرنا بالبيانات وعن طريق التقارير التي رصدنا فيها عديد الانتهاكات على الصحفيين، ثم نفذنا وقفات احتجاجية، وكلما توجهنا الى التفاوض نجد الباب مسدودا، وبالتالي كان قرار الإضراب. لقد وصلنا الى قمة التضييفات والى سجن الصحفيين فماذا ننتظر بعد؟

لم نقف عند إقرار الإضراب بل قرّرنا مقاطعة أنشطة رئيس الحكومة وذلك الى حين إرساء القوانين ويبقى قرار التصعيد واردا.

ما تقييمك لوضع الإعلام في تونس؟

بعد الثورة أصبح لدينا هامشا كبيرا من الحرية، وربما لأول مرة في تاريخنا انتقل الإعلام من الدور الإخباري الى الدور الرقابي. من خلال البحث عن الحقيقة ولعب دورا رقابيا على السلطات وبالأخص على السلطة التنفيذية، وربما هذا الدور صدم العديد من القائمين على الإعلام و صدم السلطة التنفيذية وخاصة الحكومة الحالية. لقد وجدنا أنفسنا في صراع مع السلطة، فالإعلام بصفة عامة يحرص ان يكون سلطة مستقلة بذاتها ويقوم بدوره الرقابي الى جانب دوره الإخباري.

بعد 14 جانفي كانت لنا رؤيا جديدة ومقترحات عديدة لإصلاح الإعلام ولكن اصطدمنا بواقع ان الإعلام تحت تصرّف نفس الأشخاص وهم موجودون في مواقع القرار وطبيعي ان نصطدم بهم ولا نتمكن من تحقيق أهدافنا في إصلاح الإعلام. كما اصطدمنا أيضا بمنظومة تشريعية تكرس تبعية الإعلام للسلطة التنفيذية والى بقية السلط الأخرى القضائية والتشريعية.

كيف تتابع النقابة أوضاع الصحفيين في تونس؟

المفروض أن الانتداب يتم عبر مجلة الشغل ولكن للأسف أصحاب المؤسسات الإعلامية يرفضون تطبيق القانون. والحكومة هي التي تشرف على تفقديات الشغل وهذه الأخيرة  تتولى مسؤولية معاينة أوضاع الصحفيين ولكنها ترفض التحرك.

 صحيح اننا عالجنا العديد من المشاكل الفردية سواء بالاتصال المباشر أوعن طريق التفاوض مع أصحاب المؤسسات، لكن في ظل الفوضى العارمة التي يعيشها قطاع الإعلام وأمام الفراغ التشريعي من الطبيعي ان لا نجد آذانا صاغية في عديد المؤسسات الإعلامية.

يوميا نشاهد بعث إذاعات وصحف والبعض يستسهل الاستثمار في قطاع الإعلام ولكن حان الوقت لإرساء “مجلس الصحافة” وتنظيم قطاع الصحافة المكتوبة، ولدينا هيئة الإعلام المرئي و السمعي أنهت عملها فيما يتعلق بكراس الشروط لتنظيم المجال السمعي البصري ولكن بالنسبة لبقية القطاعات لازلنا ننتظر.

الجانب الثالث يتعلق بحقوق الصحفيين، فالصحفيون بعد الثورة تجاوزا عقدة الخوف ولم يعد هناك خطوط حمراء أمامهم ، لقد أصبح بإمكان أي صحفي ان يقوم بالاستقصاء وان يصطدم مع أي سياسي ولكن الحقوق على المستوى المهني والاجتماعي وظروف العمل داخل العديد من المؤسسات تعتبر رديئة جدا مقارنة بمؤسسات أجنبية.

لماذا أثار المرسومان 115 و116 جدلا كبيرا؟

تم وضع المرسومين 115 و116  في بداية الثورة وذلك من قبل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، فهذه الهيئة وضعت القانون الانتخابي وحينها تشبثنا بإنجاز المرسوم 115 و116.

ويتعلق المرسوم الأول بحرية الطباعة والنشر، أما المرسوم 116 فيعنى ببعث هيئة تعديلية للإعلام السمعي والبصري.

ولكن التعطيل انطلق مع حكومة الباجي قائد السبسي، قبل انتخابات تشرين أول/ اكتوبر2011. إذ تم التركيز على قانون الانتخابات ولم يتم تفعيل المرسومين المذكورين ثم جاءت حكومة “الجبالي” والتي وجدت ان هذه القوانين ثورية مقارنة بالقديم حيث وفرنا الحماية اللازمة  للصحفيين ولاستقلالية وسائل الاعلام.

ولكن هذه القوانين رفضتها الحكومات السابقة وحتى حكومة علي العريض. ونذكر في هذا الصدد صراعنا الذي استمر لسنة ونصف من أجل هياكل تعديلية والتي هي في الدول الديمقراطية مسألة بديهية ولكن للأسف الى الآن الهيئة تعاني من التسويف ومن محاولات تحديد مجال تحركها.

صرّحت سابقا  أن النهضة و”الترويكا” تسعى الى وضع يدها على الإعلام. كيف ذلك؟

هناك نية واضحة لوضع اليد على الإعلام، وعندما تحدثنا عن ذلك، قال البعض ان هذا الحكم سابق لأوانه و”مسيّس” ولكن بعد سنتين تأكدنا من هذه النتيجة فعندما نتأمل تعامل الحكومة مع الإعلام، نجد عدة محاولات  لوضع اليد على الإعلام العمومي.

 لقد وجدوا صدا كبيرا وصمودا من الإعلاميين ،ثم توجهوا الى فكرة بيع الإعلام العمومي ونتذكر تصريحات “راشد الغنوشي” و”عامر لعريض” والدعوات الى بيع التلفزة الوطنية، ثم نوّعوا الأساليب ووصلنا الى تعيينات الموالين للسلطة حيث  رفضت الحكومة ان تكون التعيينات حسب الملفات والكفاءات والمعايير المهنية، والآن هناك تصادم بين الصحفيين والمعينين  بطريقة مسقطة. وبعد سنة ونصف، اكتشفنا أننا مع حكومة ضد حرية التعبير، ومعادية لحرية الصحافة والصحفيين.

لقد كان هناك مخطط كامل لوضع اليد على قطاع الإعلام العمومي ، و في المؤسسات الخاصة لاحظنا التداخل بين السياسي والمالي، ورأينا المال المشبوه يسيطر على مؤسسات إعلامية و أكيد ان هذا سيكون له تبعات على القطاع ككلّ .

كثر الحديث عن القائمة السوداء للصحفيين فأين وصلت هذه القائمة؟ 

تحديد القائمة السوداء لم يكن قرار المكتب التنفيذي للنقابة، فعند انتخابنا قرّر المؤتمرون تحديد قائمة في الصحفيين الفاسدين، اي الذين تورطوا مع النظام السابق، وساعتها كوّنا لجنة مستقلة من صحفيين ومحامين ولكن اصطدمنا بعديد الإشكاليات، لأن إصدار القائمة سيعرضنا الى التتبعات والمساءلة القانونية، فكل إنسان سيصدر اسمه في القائمة من حقه ان يقدم قضية ويدّعي ان النقابة تعمل على تشويهه وفي هذه الصورة لا بد من إثباتات، وللأسف هذه الإثباتات موجودة عند رئاسة الحكومة ولدى رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية و التي لديها قائمة البوليس السياسي من الصحفيين.

ورغم أننا طالبنا في أكثر من مناسبة بالقائمة إلا انهم رفضوا بل قال لنا علي لعريض (عندما كان وزيرا للداخلية) ان هؤلاء لديهم عائلات ولا فائدة من التشهير بهم.

أما في رئاسة الجمهورية فقد قام المسؤول الإعلامي باطلاعي على عديد الملفات والتي كانت موجودة ولكن عندما طالبنا بنسخة من تلك الوثائق للاعتماد عليها في المحكمة لم نتحصل على ذلك الى اليوم.

الداخلية ترفض ورئاسة الجمهورية ترفض والحكومة ترفض، فمن المسؤول عن عدم كشف القائمة السوداء؟.

وماذا عن حملات التشويه التي استهدفت “نجيبة الحمروني”؟

لقد اكتسبنا مناعة كبيرة من خلال عملنا مع المكتب الشرعي السابق. يعترضنا الناس في الشارع ويعبرون لنا عن دعمهم المتواصل وهذا يشّجعنا وينسينا حملات التشويه التي تستهدفنا والتي تأتي من أناس مرضى. تشن علي يوميا  في “الفايسبوك” عديد الحملات التشويهية وهي تأتي من أناس يخفون انفسهم وبالتالي ليس لديهم الجرأة للظهور وطريقة العصابات في التشويه تعودنا عليها منذ نظام بن علي ونعرف انها لن تؤدي الى أي نتيجة.

وعادة أجيب على هذه الحملات بكل سخرية، ولا تزعجني البتة مثل هذه التفاهات ويكفينا فخرا النظرة التي تحظى بها النقابة بين التونسيين وحتى خارج تونس، وبالأخص عندما نشارك في تظاهرات دولية.

لو غادرت النقابة فماهي وجهتك القادمة؟

منذ أن تفرغت للعمل النقابي لم أمارس الكتابة رغم أني متخصصة في الصحافة الاستقصائية وهناك عدة مواضيع تخامرني وتمنيت إنجاز عديد التحقيقات في هذه المرحلة، ورغم أني رئيسة تحرير مجلة “كوتريات” ولكن لدي شغف كبير للكتابة وممارسة مهامي كصحفية.