تحتفظ كل ربة منزل في بيتها بسلاح كيماوي صغير، تم تطويره خصيصا لمكافحة الحشرات من دون البشر، قد يكون اسمه “ريد” أو بيرسول” أو أي ماركة أخرى تتنافس لمؤازرة السكان في حروبهم المنزلية ضد ذوي الثماني أرجل.
لكن تطوير الإنسان لمبيدات كيميائية وبيولوجية ضد الحشرات، والذي بدأ في فترة متأخرة من القرن 19، قبل أن يصير منذ الخمسينيات في كل بيت، قد جاء متأخرا آلاف السنين عن استخدام تلك الأسلحة الفتاكة في حروب البشر ضد بعضهم البعض، وكانت جريمة استخدام غاز السارين في سوريا، حلقة أخيرة في سلسلة أقدم جدا مما يعتقد الكثيرون.
تحتفظ كل ربة منزل في بيتها بسلاح كيماوي صغير، تم تطويره خصيصا لمكافحة الحشرات من دون البشر، قد يكون اسمه “ريد” أو بيرسول” أو أي ماركة أخرى تتنافس لمؤازرة السكان في حروبهم المنزلية ضد ذوي الثماني أرجل.
لكن تطوير الإنسان لمبيدات كيميائية وبيولوجية ضد الحشرات، والذي بدأ في فترة متأخرة من القرن 19، قبل أن يصير منذ الخمسينيات في كل بيت، قد جاء متأخرا آلاف السنين عن استخدام تلك الأسلحة الفتاكة في حروب البشر ضد بعضهم البعض، وكانت جريمة استخدام غاز السارين في سوريا، حلقة أخيرة في سلسلة أقدم جدا مما يعتقد الكثيرون.
الإنسان الذي كان يقتل ليأكل كبقية رفاقه من الكائنات، طوّر مع الحضارة البشرية أنواع قتل جديدة “ميّزته” عن الحيوان، كالاغتيال السياسي والتطهير العرقي والتعذيب حتى الموت، ومعها، طوّر وسائل أخرى لتنفيذ هذا القتل، وهو لم ينتظر اختراع قنابل الفسفور وغازات الأعصاب ومساحيق الجمرة الخبيثة، وإنما تبادل الغزاة في حروبهم القديمة إلقاء الفئران المصابة بالطاعون من فوق أسوار المدن المحاصرة، ووضعوها في الأنهار وينابيع الماء، أما الروس السلافيين، في حروب تأسيس إمبراطوريتهم في القرن الثامن عشر، فقد ألقوا بموتى الطاعون أنفسهم إلى داخل الأسوار، ولم يختلف التأسيس الأمريكي كثيرا إلا في الحيلة، كانت بطاطين الجدري تصل إلى الهنود الحمر كهدايا أبادت قبائل كاملة.
إذا كان يمكن وصف تلك الحيل القاتلة بالخسيسة، فإن “الخسّة” ظلت مرتبطة بالسلاح الكيماوي حتى مع تطويراته الكبرى في القرن العشرين، إذ تتميز العائلة الكبرى منها “غازات الأعصاب”، وأشهرها “السارين” و”الخردل” والـ “vx “، بانعدام اللون والرائحة، فتتسلل إلى جسد الإنسان، عبر فتحات الجسم، أو العيون، أو عبر الجلد، وقبل أن يعرف الضحية ما أصابه، قد يزيغ بصره، أو ترتعش عضلاته، ويشعر بالرغبة في التقيؤ، ويُشلّ جهازه التنفسي فتحدث الوفاة، حتى ليصعب تصّور أن تلك الآثار المروعة، نتجت عن معادلات كيميائية قصيرة تضم عناصر في بساطة الأوكسجين أو الصوديوم.
وربما لأن غاز الخردل أقدم، وهو اختراع ألماني يعود إلى العام 1916 ، فإن الوفاة به قد تتأخر إلى الأسبوع التالي، على عكس السارين (1938 ) الذي قد يُحدث الوفاة خلال دقائق، كما أن آثاره تختفي من الهواء خلال أيام، بينما تبقى تلك الآثار لمدة شهور بالنسبة لغاز ” vx” في الطقس البارد، أو أكثر من ذلك في الطقس المعتدل، والغازات الثلاثة السابقة، إضافة إلى غاز الكلورين، والسيانيد الهيدروجيني، هي الأكثر عرضة للاستخدام من قبل المنظمات الإرهابية، طبًقا لتحذير مركز الأمريكي لمراقبة الأمراض ( CDC).
لكن ذلك الاستخدام “الإرهابي”، لم يثبت فعلا سوى مرة واحدة، على يد الطائفة اليابانية “أوم شينريكو ” (الكون/ الحق والحقيقة والعقيدة)، عندما لجأ أنصار زعيمها أساهار شوكو إلى إطلاق غاز السارين في مترو طوكيو عام 1995، لكن التقدّم الياباني استطاع التقليل بشدة من عدد الضحايا، إذ سقط 12 قتيلا من بين آلاف المصابين.
أما كيماوي الجيوش فهو الأسوأ، وقد كان “كيماوي” الجميع ضد الجميع في العامين الأخيرين من الحرب العالمية الأولى سببًا لحظرها في بروتوكول جنيف 1925، بعد 7 سنوات من نداء الصليب الأحمر المطالب بـ “منع الأسلحة الهمجية”، انضمام العديد من الدول تباعا إلى المعاهدة، لم يمنع الاستخدام “الحكومي” للسارين الذي طوّر بالأساس كمبيد للآفات الزراعية، فاستُخدم في حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران، كما استُخدم في سوريا التي لم توقع –إلا بعد الهجوم- على اتفاقية حظر الأسلحة الكمياوية ( CWC)، ومرة أخرى كانت سرعة اختفاء آثار استخدام السارين مقارنة مع غيره، عنصرا ساعد مستخدمه على التهرب من الاتهام، غير أن ضرورة توفر الصواريخ التي تنشيء التفاعل الكيميائي اللازم لتأثير السارين، هي ما رجح اتهام الحكومة بارتكاب الجريمة، مقارنة مع تصرّف الجماعة اليابانية التي ثقبت أكياس السارين بأطراف المظلات في عربات مترو طوكيو قبل 18 عامًا.
غير أن ثمة نوعا خليطًا بين التقليدي والكيماوي، هو قنابل الفسفور الأبيض، التي استخدمتها إسرائيل ضد قطاع غزة في حرب 2009، وفقا لتقارير عديدة منها تقرير لمنظمة العفو الدولية، تحدث القنبلة انفجارا ناريا كالقنبلة التقليدية، لكن تفاعل مادة الفسفور مع الأوكسجين، يسبب احتراق الجلد وصولا إلى العظام، كما يمكنه تدمير الرئتين والقصبة الهوائية عند استنشاقه من المسافات الأبعد، فضلا عن أثر تلويثي بترسبه في التربة وقاع الأنهار.
لكن نوعا واحدا من السلاح الكيميائي، يُسمح للحكومات باستخدامه ضد البشر، هو الغازات المسيلة للدموع، لمكافحة الشغب أحيانا، أو للقمع أحيانا أخرى، تغطى ثقوب قنبلة الغاز المسيّل بطبقة من الشمع، تذيبها الحرارة عند إطلاق القنبلة، فتنطلق جزيئات “سي إن” أو “سي إس” التي تهيّج الأغشية المخاطي في العين والأنف والفم والرئتين، مسببة السعال وصعوبة التنفس، في إحياء لتقليد صيني قديم، هو قنابل الفلفل المطحون المغلفة بقشور الأرز، وكما انتقل السارين من قتل الآفات لحصد البشر، قد ُتستُخدم قنابل الدموع للقتل كما في أغسطس الماضي، حين ألقى ضابط شرطة مصري قنبلة غاز داخل عربة ترحيلات، فقتلت 37 محتجزا من أنصار الإخوان المسلمين.