طيب طويلي كاتب تونسي شاب، أصدر مؤخرا رواية بعنوان” نقمة المهمّشين “، بطلها، عاطل عن العمل عاش الحرمان، يرى أحلاما في المنام و اليقظة و فلاسفة و ملوكا، ينتهي به الأمر إلى قتل شيخ والاستحواذ على ثروته مقتنعا أن الموت يغير الحياة.
والطويلي هو من مواليد 25 أوت 1979 حائز على دكتوراه في علم الاجتماع بالجامعة التونسية عن أطروحة حول التعليم والتشغيل. أجرى منذ سنة 2004 بحث ميداني متعلق بالبطالة وتأثيرها في الشباب التونسي. “مراسلون” التقى الكاتب طويلي وكان معه الحوار التالي:
طيب طويلي كاتب تونسي شاب، أصدر مؤخرا رواية بعنوان” نقمة المهمّشين “، بطلها، عاطل عن العمل عاش الحرمان، يرى أحلاما في المنام و اليقظة و فلاسفة و ملوكا، ينتهي به الأمر إلى قتل شيخ والاستحواذ على ثروته مقتنعا أن الموت يغير الحياة.
والطويلي هو من مواليد 25 أوت 1979 حائز على دكتوراه في علم الاجتماع بالجامعة التونسية عن أطروحة حول التعليم والتشغيل. أجرى منذ سنة 2004 بحث ميداني متعلق بالبطالة وتأثيرها في الشباب التونسي. “مراسلون” التقى الكاتب طويلي وكان معه الحوار التالي:
مراسلون: في رواية نقمة المهمّشين تحدّثت عن حالة يأس انتابت عاطلا عن العمل أدّت به إلى القتل المبرّر، هل تعتقد أنّ الوضع في تونس يشجع على ثقافة العنف؟
الطويلي: عندما تحدثت في روايتي “نقمة المهمشين” عن حالات الاحتقان النفسية للعاطلين عن العمل والمهمشين وتحدثت عن حالات الفساد المالي والإداري الذين سبقا الثورة، والسخط الاجتماعي على الظروف السائدة آنذاك في المجتمع التونسي من محسوبية ورشوة وفساد عام في البلاد حرم الشباب من خيرات الوطن، كنت حريصا على أن يكون المشهد النهائي للرواية هو يوم 14 جانفي/ كانون ثان، مع استشهاد إحدى الشخصيات الهامة في الرواية، معبرا بذلك أن كل الهموم وعدم التكافؤ الاجتماعي الذين تم التعبير عنهما داخل الرواية سوف ينتهيان في هذه اللحظة الفارقة، وسوف يحمل الشهيد معه كل أحزان الماضي ليقدم لنا مستقبلا أجمل وأكثر عدلا ورفاه. ولكن هذه النهاية لا أراها مناسبة إلا على المستوى الروائي الدرامي، أما على المستوى الاجتماعي الذي نعيشه فتلك اللحظة الثورية في الحقيقة بداية لرواية أخرى لا تقل مأساوية عن الأولى. فلم نلاحظ أن شيئا قد تغير، لا على المستوى الاقتصادي، ولا الاجتماعي، وها أننا نرى أن المواطنين يواصلون حرق أنفسهم في محاولة لإعادة ذكرى البوعزيزي في المخيال. مازلنا نرى فئات تثرى وأخرى تـفقــّر، والعجز السياسي يبدو واضحا للعيان. إن الوضع الاجتماعي والاقتصادي جدة ملاءم اليوم لإيديولوجيا العنف.
إذا من الممكن أنّ يؤدي الوضع الاجتماعي في بلادنا وضعف التنمية الجهوية إلى شكل من أشكال الانتقام، كالانتقام من النفس بالحرق؟
الشعور بالحرمان والتهميش هما محددان مفصليان في تفجير الثورة التي يمكن اعتبارها رد فعل سلوكي على مشاعر الكبت والحرمان التي استفحلت في الشباب التونسي حتى فجرت داخله طاقة متفجرة.
وهي رد فعل على العنف المعنوي الذي مارسته الدولة والمتمثل في التهميش وتعطيل الكفاءات.
كما أنة الثورة التونسية هي شكل من أشكال رد الفعل الانتقامي على مؤسسات الدولة ودواليبها التي اعتبرها المجتمع التونسي سببا رئيسيا في معاناته اليومية. أشكال أخرى لردود الفعل الانتقامية تظهر في قطع الطرقات، في الاعتصامات العديدة والتي يحاول بعض الأفراد – من خلالها – منع العاملين في مؤسسة ما من العمل حتى يتم انتداب المعتصمين.
العاطل انتقم هنا من العامل، لكن يمكن أن ترتد ردود الأفعال الانتقامية على الذات حيث أن ظاهرة الانتحار حرقا هي شكل من هذه الأشكال الانتقامية، حيث يعجز المحتج عن تطال يداه الهياكل التي يرى أنها تسببت له في الأذى فيقلب نقمته وعنفه على نفس.
الغليان الاجتماعي يولد شكلا من أشكال الرغبة في الانتقام أو الثأر للنفس من أسباب التهميش والفقر، ثم يؤدي إلى أشكال سلوكية مختلفة ومتباينة حسب طبيعة الأفراد والمجتمعات. والمسؤولية تلقى على كاهل الدولة فمن واجبها إيجاد حلول حقيقية لمشاكل المجتمع التونسي وطبقاته المحرومة والمعوزة، من أجل الحد من حالات الاحتقان والشعور بالنقص والتهميش الموجودة في المجتمع التونسي.
هل تتصور أننا في مواجهة حالة من عدم الاستقرار، وهل يمكن إعادة السيناريو المصري في تونس؟
لا يمكن التنبؤ بما سيحصل ولكن المؤشرات تعزز إعادة إنتاج السيناريو المصري، غير أن بعض النشطاء التونسيين يحاولون استعجال ذلك، ولكنني لا أرى ضرورة استعجاله، وأرى من الأفضل أن نتابع الحالة المصرية، ونرى حجم الخسائر الذي سيحدثه التمرد، ويمكننا أن نتذكر أن الشعب المصري لم يثر على مبارك في أولى أيام الثورة التونسية، ولكنه انتظر وترقب لكي يعرف تداعيات الثورة وثمنها، ولما لم يجده مكلفا ثار بدوره، فهبة الشعب المصري في البداية كانت محسوبة، وعلينا أن نحسب خطواتنا، خاصة وأن الوضع التونسي الآن مختلف عن الوضع المصري، فإذا كان المصريون قد ثاروا لكي يتخلصوا من مرسي الذي بقيت في فترته الرئاسية سنوات أخرى، ففي تونس لن ننتظر أكثر من أشهر لكي تسلم الحكومة مقاليدها بيديها.
يعني ذلك أنّ الوضع الاجتماعي في مصر ستكون له انعكاسات الاجتماعية على الوضع في تونس؟
الحالتان الثوريتان بتونس ومصر متقاربتان إلى حد التماهي، باعتبار أن الثورة المصرية استمدت زخمها وعنفوانها من نجاح الثورة في تونس، وظل هذا التماهي وسيظل مرتبطا بالثورتين حتى الاستكمال التام لمراحل الثورة في البلدين، ويمكننا أن نلاحظ أن عديد التمثلات والمظاهر يتساوى فيها البلدان، مثل المظاهر الاحتجاجية، أو التصريحات النارية، أو العنف الاجتماعي، ومن أهم هذه التقاربات هو وصول الإسلام السياسي إلى السلطة، وفشله الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في تحمل أعباء الدولة.
وباعتبار أن الحالتين التونسية والمصرية متشابهتان، وأن البلدان يتسابقان في ظهور إفرازات الثورة، فتارة نجد تونس تسبق في إفراز حالة تتبعها فيها مصر، وطورا نجد العكس، وهذا ما فسر الاستنفار الإعلامي والاجتماعي الكبير الذي خلفه اغتيال شكري بلعيد في مصر، باعتبار وأن النخبة المصرية تعي جيدا أن الانعكاس التونسي على مصر كبير، كما أننا نلاحظ أن “حملة تمرد” التونسية لم تتنظر أكثر من يوم واحد لكي تنفجر على الصفحات العنكبوتية. وهو ما يزيد من التأكيد على أن كل ثورة تلهم الأخرى سواء على سبيل الإيجاب أو السلب.
ماذا بشأن الحركات التي تعلن تمرّدها في تونس ؟
الحركات التي برزت في تونس من قبيل “خنقتونا” و “تمرّد التونسية “هي حركات طبيعية لا بد لها أن تنبت في مجتمع يعيش ثورته، باعتبار وأن الثورة خلفت شقين، شق يحاول أن يحصر الثورة في مصطلحات إيديولوجية وعقائدية، ويحاول أن يحميها ممن يسميهم مرتدين، وشق يحاول أن يوظف ثورته ثقافيا واجتماعيا ويسمي من سماه بالرجعيين، وهو ما جعل كلا من الطرفين يحاول فرض نفسه على الآخر، وغالبا ما يكون اللاجئ إلى العنف هو ذلك الطرف الذي لا يقدر على الحوار وعلى الذود عن معتقداته بالطرق السلمية.
ماذا عن التوترات داخل المجلس الوطني التأسيسي؟
يمكن اعتبار التوترات داخل المجلس التأسيسي جانبا إيجابيا، فمن غير المعقول أن تفرز ثورة مجلسا تأسيسيا جامدا أو متجانسا، والمجلس يعكس الشعب بتوتراته واختلافاته وحتى تصادماته، وهو مرآة عاكسة للشعب التونسي من ناحية، ولمستوى النواب والنائبات الإنساني والاجتماعي من ناحية أخرى، فزلات اللسان التي نسمعها من هذا أو ذاك هي عاكس حقيقي لشخصيته ولمرجعيته.
سُجن مؤخرا صحفيون وفنانون، كما برزت العديد من أشكال الحد من حرية التعبير. هل نحن إزاء شكل آخر من أشكال العنف والانتقام، عنف الدولة؟
حرية التعبير هي خط أحمر لا يجب الاقتراب منه، ولكن لا بد لنا أن نفهم أيضا أن حرية التعبير لها حدود. هذه الحدود يجب أن تضبط بقوانين، وأيضا يجب أن تتلاءم مع المعايير الدولية لحرية التعبير. والدولة هي الجهة الوحيدة التي تحتكر العنف وتمارسه حسب القوانين. لكن يجب أن لا تفرط في ممارسة هذا الحق بما يمس من الحريات.
وعموما يجب أن نقف جميعا مع حرية التعبير للمسرحيين والكتاب والشعراء والسينمائيين وغيرهم من نخب هذه الأرض وزبدة ذكائها.