تسريب وثيقة من وزارة الداخلية حول علم الحكومة بمخطط اغتيال المعارض محمد البراهمي، كان بمثابة صدمة في الاوساط الشعبية والسياسية التونسية.  

الوثيقة هي عبارة عن تحذير من وكالة الاستخبارات الامريكية لوزارة الداخلية التونسية، بوجود مخطط من جماعات متشددة لاغتيال المعارض البارز والقيادي بالجبهة الشعبية محمد البراهمي. لكن الحكومة لم تتخذ الاجراءات اللازمة ولم تقم حتى بتحذير البراهمي.

تسريب وثيقة من وزارة الداخلية حول علم الحكومة بمخطط اغتيال المعارض محمد البراهمي، كان بمثابة صدمة في الاوساط الشعبية والسياسية التونسية.  

الوثيقة هي عبارة عن تحذير من وكالة الاستخبارات الامريكية لوزارة الداخلية التونسية، بوجود مخطط من جماعات متشددة لاغتيال المعارض البارز والقيادي بالجبهة الشعبية محمد البراهمي. لكن الحكومة لم تتخذ الاجراءات اللازمة ولم تقم حتى بتحذير البراهمي.

وفيما اعتبر البعض ان عدم التحرك لمنع الاغتيال يمثل “جريمة بحد ذاتها”، رأى البعض الآخر ان إثارة هذا المشكل يدخل ضمن باب التوظيف السياسي. وفي المقابل ترك البعض مضمون الوثيقة وخطورته، ليركز اهتمامه على من سرّب الوثيقة ويطالب بمعاقبته.

الطيب العقيلي، عضو لجنة حقوقية تعمل على “كشف حقيقة اغتيال” المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي فجر قنبلة بإعلانه الأسبوع الماضي أن علي العريض رئيس الحكومة، التي تقودها حركة النهضة الإسلامية، علم بالوثيقة الأمنية وأمر بإعدامها، إثر اغتيال البراهمي مباشرة.

تلك الوثيقة، حذرت فيها أجهزة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي ايه) في 13 تموز/يوليو وزارة الداخلية التونسية من وجود مخطط لاغتيال النائب المعارض محمد البراهمي، (الذي اغتيل في 25 تموز/يوليو  الماضي).

ومن المنتظر أن يتقدّم العقيلي (وفق تصريحاته) بشكوى ضد رئيس الحكومة علي العريّض ووزير الداخلية لطفي بن جدّو إضافة إلى 18 مسؤولا أمنيا بوزارة الداخلية ووحدات الأمن العمومي وإدارة مكافحة الإرهاب بتهمة “المشاركة والتواطؤ في جريمة اغتيال النائب محمد البراهمي”. إذ ينص القانون الجزائي التونسي على “أن من يعلم بجريمة ولا يمنعها يصبح مشاركا فيها” حسب ما ورد على لسان الحقوقي التّونسي.

الحكومة متواطئة

عدنان البراهمي نجل محمّد البراهمي علّق خلال حديث خصّ به “مراسلون” على ما ورد في الوثيقة المسرّبة بنبرة تمتزج فيها السّخريّة بالحزن “فعلا الأمر مضحك ومبكي في نفس الوقت. تتوفّر معلومة من وكالة الاستخبارات الأمريكيّة تحذّر من اغتيال والدي أمام منزله ولم يحرّكوا ساكنا فيما وفّروا فريقا لحماية رئيس كتلتهم البرلمانيّة الصّحبي عتيق لمجرّد تلقّيه تهديدا عبر موقع “فايسبوك”.

ويضيف البراهمي الابن “الوثيقة المسرّبة تثبت تواطئ رئيس الحكومة وبعض الكوادر الأمنيّة في اغتيال والدي وحرماني وإخوتي منه ولكنّهم لن يُفلتوا من العقاب”.

مراد العمدوني نائب في المجلس التأسيسي عن كتلة حركة الشّعب، التي ينتمي لها محمّد البراهمي” يرى من خلال إفادته لـ”مراسلون” أن ما تم الكشف عنه إلى حد السّاعة وخاصّة الوثيقة التحذيريّة “يوجّه القضيّة في منحى آخر ليوسّع مجالها من إتهام جماعة أنصار الشّريعة فقط إلى إدانة الحكومة وقيادات أمنيّة في وزارة الدّاخليّة الذين تخاذلوا في حماية البراهمي إن لم نقل تواطؤا على اغتياله”.

النّاطق الرّسمي للاتحاد التونسي للشغل (أكبر منظّمة عمالية في البلاد) سامي الطّاهري طالب خلال حديثه لـ”مراسلون” “بتحقيق جدّي في الموضوع” واعتبر أن الأمر بغاية الخطورة وبلغ حدود تواطؤ الحكومة في اغتيال البراهمي خاصّة مع ما يتم تداوله بخصوص الأمن الموازي التّابع لحركة النّهضة ومحاولتها السّيطرة على أجهزة الدّولة، على حد تعبيره.

وأكّد أن المنظّمة العمّاليّة لن تدّخر جهدا في المساعدة على الوصول إلى من يقفون وراء اغتيال البراهمي أو بلعيد مهما كانت صفتهم وموقعهم في البلاد”.

مزاعم وافتراء

ردّ رئيس الحكومة علي العريض لم يتأخّر حيث سارع بتكذيب اتهامات الطيب العقيلي ونفى علمه بالوثيقة المسرّبة بشأن استهداف النائب محمد البراهمي مؤكّدا في بيان اطّلعت عليه “مراسلون” أنه لم يعلم بوجود الوثيقة المذكورة إلا بعد فترة من حادثة اغتيال البراهمي.

ووصف البيان ما صرح به الطيب العقيلي بـ”المزاعم والأراجيف” واعتبر أنّ استغلال هذه الأحداث “لكيل الاباطيل للحكومة والاطارات الامنية والمدنية بالتشكيك في جهودها ومصداقيتها هو توظيف سياسي مبني على الافتراء والنيل من مؤسسات الدولة لا على تكريس احترامها واحترام قيم العدل والإنصاف”.

وتأكيدا لما صرح به العقيلي، نشرت إحدى الصّحف التونسية وثيقة أمنية حذرت فيها وكالة الاستخبارات الامريكيّة “سي آي ايه” من “إمكانية استهداف النائب محمد البراهمي من قبل عناصر سلفية متشدّدة” قبل 12 يوما من اغتياله وهو ما لم ينفه وزير الداخليّة لطفي بن جدّو حيث اعترف بفشل وزارته في حماية النّائب القومي رغم بلوغ “مراسلة” من “جهاز أمن خارجي” تُعلم باستهدافه.

وقال وزير الدّاخليّة التونسي فور تسريب الوثيقة إنه لم يكن على علم بالتحذير الأميركي، في الوقت اللازم لأن إدارة الأمن العمومي التونسي، التي تلقت رسالة التحذير من المخابرات الأميركية، لم توجّه إليه الرسالة، وذكر أنّه أمر بفتح تحقيق سيحدّد المسؤولين الذين تهاونوا في التعامل بجدّيّة مع الوثيقة التي وصلتهم.

لكن وزير الداخلية تراجع عن هده التصريحات خلال جلسة المساءلة التي حضرها نهاية الأسبوع الماضي أمام المجلس التأسيسي، والتي حضرتها “مراسلون”. فقد دافع عن وزارته وأكّد أنّه عكس ما يروج فإنّ الوثيقة المسربة بشأن علم الوزارة بعملية اغتيال البراهمي قبل نصف شهر أخذت طريقها الصحيح وأنه تمت مراسلة مختلف الإدارات العامة للأمن العمومي وإدارة مكافحة الإرهاب وإقليم الأمن الوطني بتونس وبسيدي بوزيد (مسقط رأس البراهمي)، إلا أنّ عملية الاغتيال تمت قبل اتخاذ التدابير اللازمة لمنع وقوعها.

وأشار وزير الداخلية أنّ المعلومات الاستخباراتية لا ترفع إلى الوزير إلا بعد البحث في خطورتها وتحديد نوع الحماية التي ستخصص، مبيّنا أنّ المعلومات التي وردت بشأن اغتيال البراهمي لم تكن مؤكدة بل وردت في شكل مقتضب وتفيد الاحتمال. وأضاف أن عديد المعلومات وردت من المخابرات الأجنبية في وقت سابق مفادها حدوث اغتيالات وتفجيرات إلا أنها لم تحدث.

الدّاخليّة مستهدفة

وشدّد بن جدو على أنه لا يمكن أن يكون هناك تواطؤ من طرف وزارة الداخلية في عملية الاغتيال مشيرا إلى أنّ وزارة الداخلية أول المستهدفين من قبل تنظيم القاعدة وأن هناك رسائل تؤكد استهداف مسؤولي الوزارة، على حد تعبيره.

ولم يستسغ وزير الدّاخليّة التونسي الضجّة التي أحدثتها الوثيقة المسربة معتبرا أنّها وثيقة وحيدة في حين أنّ الحادثة ليست معزولة واستشهد بأمثلة من دول أخرى مذكرا أنّه “في تفجيرات مدريد وردت معلومات للسلطات الاسبانية ولم تتعامل معها بجدية كذلك الأمر في تفجيرات 11 أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية”.

الطيب العقيلي علّق على عدم علم وزير الدّاخليّة بمراسلة “سي آي ايه” قائلاً: “الوزير الحالي هو مجرد صورة في وزارة الداخلية، ووزير الداخلية الفعلي سابقًا وحاليًا هو علي العريض (الذي كان وزيرا للداخلية قبل ان يتولى رئاسة الحكومة)”.

كما أفاد العقيلي أن “كبار المسؤولين الأمنيين الحاليين في وزارة الداخلية عيّنهم علي العريض عندما كان وزيرًا للداخلية”.  وأكّد “ولاءهم لراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة وتلقيهم التعليمات إلى يومنا هذا من علي العريض” مشيرا إلى إن كل أركان جريمة الدولة متوافرة في هذه القضية و “مقاضاة الحكومة دوليًا واردة”.

وتتّهم المعارضة التّونسيّة حركة النّهضة، منذ تولّي علي العريّض وزارة الدّاخليّة، بخلقها لجهاز أمن موازي داخل الوزارة الأكثر غموضا في البلاد يدين بالولاء لها، وهو ما تفنّده الحركة باستمرار.

خيانة أم توظيف

ردود الفعل بعد انتشار الوثيقة اختلفت بين مطالب بتحقيق سريع وجدّي ومن اعتبر أن الملف وقع توظيفه سياسيّا وشق آخر ركّز على عمليّة تسريب الوثيقة في حدّ ذاتها.

النائب المعارض الطاهر هميلة طالب بمحاكمة “من أخفوا الوثيقة عن وزير الداخلية بـتهمة التقصير والخيانة العظمى”. وقال إن جهاز الأمن التونسي “غير سليم لأن من يقوم بعمله على الوجه المطلوب إما يطرد او يعاقب، ومعنى ذلك أن إدارة الأمن تعمل لحسابات أخرى غير حسابات الوطن” وفق تعبيره.

الأمين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة (حزب الرّئيس المرزوقي) عماد الدّايمي لم يقلّل من خطورة الموضوع ووجوب التّحقيق فيه ولكنّه يرى أن “ملف الوثيقة السريّة وقع تحميله أكثر ممّا يحتمل” واستغلاله في “الضغط على رئيس الحكومة”.

خلافا لردود الأفعال المستغربة من عدم حماية الدّاخليّة للنّائب محمّد البراهمي رغم ورود تحذيرات من استهدافه ورد تعليقات ترتبط بالوثيقة ذاتها. فقد استنكر صحبي عتيق رئيس الكتلة البرلمانية لحركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس عمليّة “تسريب الوثيقة الأمنية التي حذرت فيها المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي ايه) وزارة الداخلية التونسية من اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي وطالب بفتح تحقيق للكشف عمن قام بـ”التسريب”.

وتساءل عتيق “ما معنى أن يقع تسريب وثيقة داخلية؟ هذا أمر خطير يمس بالأمن القومي، إن تسريب الوثائق في حد ذاته أمر خطير وجريمة يعاقب عليها القانون، ونحن مع فتح تحقيق وتحديد المسؤوليات، نريد فتح تحقيق في التسريب وتحديد المسؤوليات”.

في المقابل استنكر الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل (أكبر منظّمة عمالية في البلاد) ردود الفعل التي رافقت تسريب وثيقة التحذير من اغتيال البراهمي حيث شكر مسرّبها وطالب بمحاسبة المتخاذلين وليس من سرّب الوثائق مشيرا الى “ان التخاذل في التعاطي مع هذا الموضوع كاف لأن تقدم الحكومة استقالتها”.

لجنة للتحقيق

في ذات السّياق أعلنت رئيسة لجنة الحقوق والحريات بالمجلس الوطني التأسيسي، سعاد عبد الرحيم، أنه سيتم تكوين لجنة مصغرة لمتابعة التحقيقات التي تجريها وزارة الداخلية في قضية اغتيال زميلها سابقا في المجلس، النائب محمد البراهمي.

وأوضحت عبد الرحيم أن اللجنة التي سيتم تشكيلها، ستهتم بالأساس بمتابعة حيثيات التحقيق في وثيقة الإشعار التي تحذر من الاغتيال، والتي وردت على الداخلية قبل الحادثة بـ 12 يوما.

وأعلنت وزارة الدّاخليّة في وقت سابق أن جماعة أنصار الشريعة تنظيم إرهابي وحمّلته مسؤوليّة اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد والنائب القومي محمّد البراهمي، وكشفت حينها عن قائمة اغتيالات أعدّها التنظيم تضمّ سياسيّين ونشطاء من بينهم وزير الخارجيّة في عهد بن علي كمال مرجان ورئيس الوزراء الأسبق ورئيس حركة نداء تونس الباجي قائد السّبسي.