يضطر أحمد نوح أصيل مدينة طبرق أقصى الشرق الليبي لنقل المياه إلى بيته بشاحنة مستأجرة، ورغم أن بيته يقع داخل المدينة إلا أن إمدادت شبكة المياه لا تصل إليه، ما يجعل حياة أسرته تفتقر إلى الاستقرار والثبات.
يشتكي نوح الموظف في الدولة من ظلم يطاله في مشكلة المياه، ويقول في لهجة تدل على حجم المعاناة “كيف لنا الوصول إلى حياة مستقرة ونحن نفتقر إلى أهم أساسياتها، كيف نجعل بيوتنا تغمرها السعادة والحيوية و ينقصها الذي منه كل شيء حي”.
استغلال السائقين
عبد السلام الكحاشي أيضاً يعاني المشكلة نفسها، لكن ما يؤلمه أكثر هو أن “الحاجة هي التي جعلتنا نخضع لاستغلال أصحاب الشاحنات الخاصة” بحسب قوله، حيث يضطر المواطن لدفع 70 دينار ليبي (حوالي 55 دولار أمريكي) لسائق الشاحنة الذي ينقل إلى بيته حمولة تبلغ 50 برميلاً من الماء في نقلة واحدة.
“مراسلون” تحدث كذلك إلى سائق شاحنة خاصة بنقل المياه – فضل عدم ذكر اسمه –،وأوضح أن التسعيرة المذكورة – 70 دينار ليبي – هي لنقل المياه داخل المدينة فقط، وتزداد عند النقل إلى الضواحي.
يعزو السائق ارتفاع سعر بيع المياه إلى “غلاء المعيشة، وارتفاع أسعار كل شيء، كما أنه لاوجود لتسعيرة معتمدة من قطاع الاقتصاد” بحسب قوله، وهو المبرر نفسه الذي ذكره رجال الحرس البلدي لعدم متابعتهم تسعيرة بيع المياه واستغلال السائقين لحاجة المواطنين.
محطة وحيدة
لا تزال مشكلة نقص المياه تمثل المعاناة الأكثر حضوراً في حياة المواطن في طبرق، حيث ثمنها الباهظ وصعوبة توفيرها، بالرغم من توفر محطة تحلية مياه، كمصدر وحيد يغذي المدينة بقدرة إنتاج تتراوح بين 35 إلى 40 ألف متر مكعب يومياً.
حسب مدير محطة تحلية مياه طبرق المكلف مهندس محمد رزق، فإن “دور المحطة يقتصر على إنتاج المياه فقط، أما مهمة توزيعها فتقع على عاتق مكتب خدمات طبرق”، مؤكداً أن “الإنتاج اليومي يصل بشكل سليم إلى خزانات شركة المياه عن طريق الخط البديل المستحدث، الذي لا يسمح بالتوصيلات العشوائية التي يلجأ إليها أحياناً بعض المواطنين، كما كان يحدث في الخط القديم ويتسبب في فاقد يقدر بأكثر من 11 ألف متر مكعب من واقع الإنتاج اليومي المذكور”.
يعتقد رزق أن العوامل الأساسية التي من شأنها حل أزمة المياه في طبرق تعتمد على “وعي المواطن وحرصه، وصلاحية شبكة المياه في المدينة، وعدالة التوزيع”.
ويوضح في هذا الصدد أن محطة التحلية التي يديرها “مصممة على أساس ألا تتوقف عن الإنتاج بشكل كامل في حالات الصيانة، حيث أن إدارة المحطة تعتمد برنامجاً يتيح إمكانية الصيانة أثناء العمل، بإخضاع كل وحدة تشغيل من مجموع الوحدات الثلاثة التي تقوم عليها المحطة، للصيانة على حدة”.
حلول بديلة
أما صالح عمران غريب مدير إدارة المشروعات بشركة المياه في المنطقة الشرقية، ومدير مكتب خدمات طبرق، فقد قال في حديثه لـ “مراسلون” إن “المصدر الوحيد للمياه في طبرق هو محطة تحلية تنتج كمية لا تكفي احتياجات المدينة، التي تسجل تزايداً مستمراً في تعدادها السكاني”، وأكد على أن إيجاد مصدر مياه آخر وبشكل عاجل هو أمر مُلحّ.
غريب يؤكد أن محاولات الخروج بحل لهذه المشكلة جارية، مشيراً إلى تعاقد سابق تم مع شركة نمساوية “لإنشاء محطة جديدة بسعة 40 ألف متر مكعب، في منطقة المرصص – 30 كيلومتر غرب طبرق –، إلا أن عراقيل قانونية تتعلق بملكية الأرض المزمع إقامة المشروع عليها أدت إلى تأخر تنفيذ المشروع، فضلاً عن الوضع الأمني غير المشجع للشركة لمباشرة العمل”.
ورغم حديثه عن محاولات الحل، لا زال غريب يحمل الحكومة التي “تغط في نوم عميق ولا تبالي بهذا الوضع” مسؤولية تفاقم مشكلة المياه، حيث يشير إلى حلول بديلة يمكن اللجوء إليها “فالكثير من الصعوبات يساهم في تذليلها مقاولون متطوعون، لتغطية غياب الدولة”.
الوضع الأمني
لا ينسى غريب الإشارة إلى سوء الأوضاع الأمنية وحوادث التخريب المتعمد التي تتعرض لها المرافق العامة بهدف رفع الاحتقان، في إشارة منه إلى “منصة تعبئة شاحنات نقل مياه تم إنجازها بتكلفة 70 ألف دينار ليبي (حوالي 55 ألف دولار أمريكي)، تم حرقها بالكامل في عملية تخريب غير مبررة، وقد قمنا بإرسال أكثر من اثني عشرة مكاتبة للأجهزة الأمنية في المدينة لتوفير حراسة دون جدوى”.
شبكة المياه المتهالكة في طبرق يعود إنشاؤها بحسب مدير مكتب خدمات المدينة إلى ثمانينيات القرن الماضي، “حين كان تعداد السكان لا يتجاوز 50 ألف نسمة، ولكن بعد مرور عقود على ذلك تضاعف التعداد السكاني لطبرق مرتين، وتم بالتالي استحداث أحياء سكنية جديدة بدون شبكة مياه، ويتم تغذيتها عن طريق شاحنات نقل المياه”.
فيما المياه التي “تصل للمواطن بسعر مدعوم يقدر بــ 250 درهماً للمتر المربع الواحد، تصل التكلفة الفعلية لإنتاجها إلى 860 درهم” يقول غريب.
معايير عالمية
اتفق رأي مدير محطة مياه طبرق المسئولة عن إنتاج المياه، مع رأي مدير مكتب الخدمات المسؤول عن التوزيع، حول الحلول الجذرية لمشكلة نقص المياه، والتي تكمن في التعجيل باستحداث محطة تحلية بسعة إنتاج أكبر، حتى تستوعب التزايد في تعداد السكان في المدينة.
ووفق معايير منظمة الصحة العالمية التي حددت حصة الفرد الواحد من المياه بـ250 لتر يومياً، فإن مدينة طبرق تحتاج حسب آخر تعداد للسكان تم في عام 2006، إلى 45 ألف متر مكعب يومياً، كحصة مخصصة للمواطنين، أي أكثر من القدرة الإنتاجية للمحطة الحالية الوحيدة في طبرق.
هذا طبعاً دون النظر إلى احتياجات المزارع والمصانع والمواشي، وكذلك التزايد السكاني الناتج عن الهجرة العكسية القادمة من المدن الليبية الأخرى التي تعرضت للتدمير إبان الثورة، والتي تشكل زيادة غير طبيعية في نمو السكان.