قدس قدماء المصريين التماسيح في الماضي، وأقاموا للاله سوبك (الاله التمساح) معابد في كوم امبو وادفو وغيرها. غير أن أعداد التماسيح تناقصت بشكل حاد في العصر الحديث خاصة في فترة الخمسينيات من القرن الماضي بسبب الصيد الجائر، مما هدد بانقراض التماسيح تماما في مصر، ولكن مع بناء السد العالي وتكون بحيرة ناصر خلف السد بدا التمساح النيلي يتعافى ويجد فرصة سانحة لكي يتكاثر ويتزايد مرة أخرى في البحيرة.

قدس قدماء المصريين التماسيح في الماضي، وأقاموا للاله سوبك (الاله التمساح) معابد في كوم امبو وادفو وغيرها. غير أن أعداد التماسيح تناقصت بشكل حاد في العصر الحديث خاصة في فترة الخمسينيات من القرن الماضي بسبب الصيد الجائر، مما هدد بانقراض التماسيح تماما في مصر، ولكن مع بناء السد العالي وتكون بحيرة ناصر خلف السد بدا التمساح النيلي يتعافى ويجد فرصة سانحة لكي يتكاثر ويتزايد مرة أخرى في البحيرة.

تحيط بتماسيح بحيرة ناصر النيلية آراء كثيرة، تختلط فيها الحقيقة بالوهم، منها أن التماسيح مسؤولة عن التهام كميات كبيرة من أسماك البحيرة والتأثير على الانتاج السمكي، أو أنها تمثل خطورة علي الاف الصيادين المتواجدين في بحيرة ناصر. فما مدى دقة هذه الآراء؟

التماسيح تُطهر المجاري المائية

الوضع الفعلي للتماسيح في بحيرة ناصر كشفت عنه الدراسة العلمية التي قامت بها وحدة إدارة التمساح النيلي التابعة لإدارة المحميات الطبيعية في محافظة أسوان. ويقول المهندس محمد عزت المسئول في الوحدة إن وزارة البيئة قامت بهذه الدراسة هذا العام، وتواصلت بهذا الشأن مع الإتحاد العالمي لصون الطبيعة (IUCN/SSC) من أجل الوقوف على وضع التماسيح في بحيرة ناصر منذ عام 2008.

وأضاف أنه في بداية الدراسة تم اختيار خمسة مواقع رئيسية تمثل كافة البيئات في بحيرة ناصر وتمثل هذه المناطق حوالي 20% من مساحتها وأسفرت نتائج هذه الدراسة عن أن الاعداد التقريبية للتماسيح في البحيرة تتراوح ما بين 6 الاف إلى 30 الف تمساحا. وتبين أن التماسيح ليست مسئولة عن انخفاض الانتاج السمكي للبحيرة لأنها لا تأكل الاسماك الحية فقط، بل تأكل أيضا الأسماك والحيوانات الميتة والمترممة مما يساهم في تطهير المجاري المائية. علاوة على أنها لا تركز على نوع معين من الأسماك وتأكل أسماكا تسبب ضررا للصيادين مثل اسماك العائلة القطّية.

وأوضح عزت أن التماسيح كائنات غير أليفة ولكنها في نفس الوقت لا تمثل أي خطورة أو تهديد على الصيادين في بحيرة ناصر، ولم تحدث سوى ثلاثة أو أربعة حوادث فقط  للصيادين بسبب التماسيح خلال العشرين عاما الماضية، بدليل أن الصيادين ينصبون خيامهم على شواطئ بحيرة ناصر بالقرب من المياه بدون أدنى خوف ولا توجد حواجز بينهم وبين التماسيح، ولكن الشكوى الاساسية الصيادين هي أن التماسيح تقوم بتقيطع شباك الصيد الخاصة بهم وتأكل الاسماك العالقة بها، أي أن الصياد لا يخشى على حياته من التمساح بل يخاف  بصورة أكبر على تقطيع شباك الصيد التي تمثل مصدرا لرزقه، حسب ما قاله عزت.

حوادث بشعة لكنها قليلة

التمساح النيلي الذي قد يصل طوله إلى 5 أمتار، لا يهاجم في العادة أحدا، ولا يكون شرسا  إلا في حالة واحدة وهي الدفاع عن عش البيض، أو عن صغاره لدرجة أن الباحثين يجدون صعوبة كبيرة في صيد التمساح لاجراء الدراسات العلمية عليه بسبب محاولة التمساح الهروب منهم، حسب ما أوضحت دراسة إدارة التمساح النيلي. وهو ما يتفق معه رفعت صبري عضو مجلس إدارة الجمعية التعاونية لصيد الاسماك بأسوان الذي يقول “التماسيح تفضل العيش في الأخوار والمناطق الهادئة بعيدا عن الخيام التي ينصبها الصيادون على شواطيء بحيرة، ناصر ولكن هذا لا يمنع من أن عددا كبير من الصيادين يخافون بشدة من الاستحمام في بحيرة ناصر خوفا من أن تلتهمهم التماسيح فجأة”.

لكن صبري أكد أن الحوادث التي تعرض لها الصيادون بسبب التماسيح تعتبر قليلة نسبيا، وتعد على أصابع اليد منها. وقال “على سبيل المثال التهم تمساح صيادا في منطقة السبوع في المنطقة الوسطي من بحيرة ناصر منذ بضعة سنوات، حينما كان هذا الصياد يتوضأ للصلاة. فقد هجم عليه تمساح ضخم فجأة و سحبه من  رجله إلى وسط المياه وافترسه تماما، ولم يتبقى من جثة هذا الصياد سوى أجزاء وقطع لحم صغيرة ألقاها ذلك التمساح على البر في اليوم التالي من الحادث وجمعها زملاؤه الصيادين وقاموا بتكفينها ودفنها”.

وأوضح صبري أن التماسيح حينما تجوع فإنها تأكل الحيوانات الموجودة على البر مثل الكلاب أو الحمير أو الخراف، حيث يقوم التمساح بضرب هذا الحيوان ضربه قوية بذيله ثم يفترسه بعد ذلك، وتعتبر التماسيح أخطر ما يمكن حينما يقترب أحد من صغارها أو المكان الذي تضع فيه البيض، حسب ما ذكر صبري.  

التمساح مكسب اقتصادي

قبل حظر صيد التماسيح كان الصيادون في بحيرة ناصر يقومون بصيد التمساح بسنارة كبيرة، ثم يذبحونه ويسلخونه من أجل الحصول على جلده وبيعه لاصحاب البازارات السياحية بأسوان أو في المدابغ بالقاهرة بمبلغ  يتراوح ما بين 500 جنيها إلى 1500جنيها حسب حجم التمساح، حسب ما قال عبد المعطي مرسال رئيس جمعية رعاية عمال الصيد ببحيرة ناصر، مضيفا “بعض الصيادين كان يقوم بصيد التمساح وقطع العضو الذكري له والذي يستخدمه  البعض كمنشط جنسي مقابل مبلغ مالي قدره 300 أو 400 جنيها”.

وبعد الحظر الذي أصدرته وزارة البيئة عام 1994 أوضحت الدراسة التي قامت بها وحدة التمساح النيلي، وأرسلتها أيضا إلى منظمة سايتس الدولية المسؤولة عن حماية الحيوانات والنباتات البرية المعرضة للإنقراض، أن بالإمكان استثمار التمساح اقتصاديا. وأشار عمرو عبدالهادي الباحث البيئي بوحدة التمساح النيلي إلى أن الجدوى الاقتصادية من التماسيح كبيرة جدا حيث يمكن تنظيم رحلات صيد وسفاري للسائحين الأجانب والسماح لهم باصطياد التماسيح ثم إعادة إطلاقها مرة أخرى في بيئتها الطبيعية، أو إنشاء مزارع وفتحها للزيارة أمام السائحين لمشاهدة التماسيح. مضيفا أنه في حالة السماح بصيد التماسيح سيشكل الاتجار في لحومها وجلودها عائدا اقتصاديا، حيث يتراوح السعر العالمي  للسنتيمتر مربع من جلد التمساح مابين 3: 5 دولارت وفقا لجودته، كذلك هناك إمكانية لتصدير لحوم التماسيح الي الدول الاجنبية التي يأكل مواطنوها هذه اللحوم، حسب ما ذكر عبد الهادي.

وقال المهندس عمرو عبد الهادي “وافقت منظمة سايتس وافقت على نقل التمساح النيلي من القائمة الاولي التي تحمي التماسيح وتحظر صيدها، إلى القائمة الثانية التي  تسمح باستثمارها بشكل علمي مقنن بدون حصة تصديرية وذلك لحين استكمال الدراسات العلمية اللازمة على مساحة أكبر من بحيرة ناصر”. يُذكر أن مصر التحقت بمنظمة سايتس عام 1978.

التمساح بريء

المهندس محمود حسيب مدير عام المحميات الطبيعية بمنطقة جنوب الصعيد يرفض الاتهامات التي توجه للتمساح النيلي بأنه يؤثر على الثروة السمكية في البحيرة، ويرى أنه أصبح ثابتا علميا على ضوء الدراسة التي قامت بها هيئته، أن الانتاج السمكي ببحيرة ناصر في تزايد خلال السنوات الماضية وارتفع من 5 الاف طنا من الاسماك في عام 2001 إلى حوالي 20 الف طنا في عام 2012 وذلك على الرغم من حظر صيد التماسيح خلال تلك السنوات لأن التماسيح لا تتغذى على الأسماك فقط بل تتغذى أيضا على الحيوانات النافقة سواءً الطافية على سطح الماء أو المتواجدة على الشاطىء، حسب قول حسيب.

ووفقا للدراسة التي رصدت البحيرة خلال الفترة من 2008 حتى 2012 بالاستعانة بخبراء أجانب، فأن الأعداد التقريبية الموجودة من التماسيح تتناسب مع القدرة لبحيرة ناصر، ومازالت ادارة المحميات الطبيعية تواصل استكمال اعمال رصد التماسيح بطريقة علمية. مضيفا أن لدى الهيئة قاعدة بيانات عن اعداد التماسيح التي تم رصدها حتي الان في 30 % من شواطىء بحيرة ناصر و التي يصل طولها  7 الاف كم.

مطالب بالسمح بالصيد

وأضاف حسيب أن وزارة البيئة ممثلة في إدارة المحميات الطبيعية تقدمت بنتائج هذه الدراسة إلى هيئة السايتس الدولية وأسفر ذلك عن نقل التمساح النيلي في بحيرة ناصر من القائمة المحظور صيدها إلى قائمة أخرى تسمح باستثمار التماسيح خارج بيئتها الطبيعية عن طريق انشاء مزارع تربية واكثار من خلال المستثمرين وتحت اشراف بيئي معين، ثم تسويق هذه التماسيح واستخدامها في الاغراض الاقتصادية المختلفة.

وقال “مسموح حاليا لأي مستثمر أن يبدأ في مشروعات تربية للتماسيح خارج بحيرة ناصر، سواءً في أسوان أو أي محافظة أخرى بعد الحصول علي الموافقات البيئية اللازمة وذلك أسوة ببعض الدول الافريقة الأخرى وعلي رأسها دولة جنوب افريقيا التي تمثل لها التماسيح مورد اقتصادي كبير” .

وأشار حسيب إلى أن الدراسات العلمية حول التمساح النيلي مستمرة، قائلا “هناك آمال وطوحات كبيرة لأن يتم رصد التماسيح على مساحة 80 او 90% من شواطي ء بحيرة ناصر خلال العامين القادمين وقتها سيتم تحديد أعداد التماسيح بصورة أكثر دقة، ووقتها سيتم مخاطبة هيئة السايتس لكي تسمح بصيد التماسيح بضوابط بيئية من حيث العدد والنوع والحجم  في بحيرة ناصر”.