الأزهر الزيدي أحد المقاومين التونسيين، شارك في الثورة التحريرية المسلحة في 1952. أمضى أكثر من سنة ونصف متنّقلا بين الجبال على المناطق الحدودية بين تونس والجزائر وقدّم نصائح للأمنيين التونسيين بخصوص المجموعات المسلحة المتحصنة في الجبال. وهو يستعد حاليا لنشر كتاب حول الفترة التي قضّاها في “الشعانبي” تحت عنوان “الثائر الصغير”. “مراسلون” التقت الزيدي فكان هذا الحوار.

مراسلون: كيف انضممت الى المجاهدين أو ما يعرف بالفلاّقة؟

الأزهر الزيدي أحد المقاومين التونسيين، شارك في الثورة التحريرية المسلحة في 1952. أمضى أكثر من سنة ونصف متنّقلا بين الجبال على المناطق الحدودية بين تونس والجزائر وقدّم نصائح للأمنيين التونسيين بخصوص المجموعات المسلحة المتحصنة في الجبال. وهو يستعد حاليا لنشر كتاب حول الفترة التي قضّاها في “الشعانبي” تحت عنوان “الثائر الصغير”. “مراسلون” التقت الزيدي فكان هذا الحوار.

مراسلون: كيف انضممت الى المجاهدين أو ما يعرف بالفلاّقة؟

الزيدي: ولدت وسط أسرة متواضعة وطردنا كغيرنا من أرضنا. ففي سنة 1925 قام معمّر فرنسي بالاستيلاء على الأراضي التابعة لأجدادنا ومنعهم من ريّ أرضهم.

وكنت ذات مرة أحمل فطور والدي الذي كان يحرث أرضه المتاخمة للمعمّر الفرنسي. وكان عمري آنذاك 7 سنوات وكان الطريق الذي يجب ان اسلكه طويلا، فقررت اختصار المسافة بالمرور داخل ارض الفرنسي ولكن عند التوغل اعترضني أعوان “الجندرمية” الفرنسية فغضبوا وصفعني أحدهم صفعة قوية اسقطتني أرضا وانقلب إناء الغداء واختلط الطعام بالتراب، ثم أمسكني من أذني وضغط عليها الى ان سال الدم منها وصاح في وجهي متوعدا إيايّ لو أني مررت مرة اخرى سيحطم رأسي ورجلي وشتمني وشتم والدي.

حملت الإناء فارغا ولما وصلت الى والدي رويت له ما حصل فغضب ومسح دموعي وقال لي :”ذلك هو المستعمر يا ولدي. سلبونا ارضنا وحرمونا من المرور فيها “.

كبرت في عقلي ووجداني روح الكفاح وكنت اتمنى ان أحمل السلاح وأحارب ذلك “الجندرمي” الذي صفعني وحرم والدي من الأكل، وأصبحت أجالس كبار القوم واسألهم عن أجدادنا وماذا فعل المستعمر الفرنسي بأرضنا.

في 1952 وبالتحديد في شهر مارس سمعت ان رجالا مسلحين دخلوا الجبال التونسية لمحاربة الجيش الفرنسي وكان يطلق عليهم المجاهدون أو الثوار، ويسميهم المستعمر “الفلاّقة” او قطّاع الطرق، وكان هؤلاء يحاربون المستعمر أين ما وجد في التراب التونسي، ساعتها قررت الالتحاق بالمجاهدين.

وكيف وصلت اليهم وهم في الجبال ؟

في البداية جمعت معلومات عنهم وعلمت أنهم يلبسون الزي الأخضر وفي أرجلهم حذاء رياضي خفيف. فاشتريت لباسا وحذاءً وذهبت الى رئيس الشعبة (فرع جهوي للحزب الحاكم) واخذت بطاقة الحزب “الحر الدستوري التونسي” والتي كانت إجبارية على المجاهدين لأن هذا الحزب كان يتبنى الثورة بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة والذي كان وقتها في السجون الفرنسية. وتوجهت نحو الجبل وقضيت عدة أيام في البحث والسؤال وقد ساعدني سكان الجبال في الوصول الى “الفلاّقة” .

ماهي أبرز العمليات التي قمتم بها ضدّ المستعمر الفرنسي؟

كنّا في جبل الحوض في معتمدية الدهماني. مكثنا أيّاما وأمرنا قائدنا بالتحوّل الى جبال مكثر في ولاية سليانة. ثم صدر امره بإطلاق النار على قافلة عسكرية حيث انهال عليهم الرصاص وتوقفت القافلة ونزل الجنود من الشاحنات وتبادلنا إطلاق النّار قرابة الساعة وسجلّنا عدة إصابات في صفوف العدو بين قتلى وجرحى، ثم  أصيب أحد أفرادنا في قدمه فانسحبنا في اتجاه جبل السرج، ثم تحولنا الى جبل برقو في ولاية سليانة حيث مكثنا قرابة العشرين يوما الى ان التحق بنا رفيقنا ثم تحوّلنا باتجاه القصرين أين مكثنا بجبال سبيبة قرابة الشهر .

يعني أنك تعرف جيدا جبل الشعانبي؟

أنحدر من “عرش أولاد زيد” بالوسط الغربي اين توجد أرضنا بين جبلين هما الشعانبي وسمّامة من ولاية القصرين ويوجد عرش أولاد زيد في سهل يشقه مجرى وادي الحطب الذي ينبع من الحدود الجزائرية في منطقة تبسة مرورا بمنطقة فوسانة بالقصرين. في الخمسينات قضيت سنة ونصف مع “الفلاّقة” متخفيّا في جبل الشعانبي وكان قائدنا في تلك الفترة المناضل المعروف لسعد ساسي.

بعد مقتل الجنود الثمانية في جبل الشعانبي في تموز/ يوليو الماضي تقدّمت بنصيحة للأمن، لو توضح أكثر ماذا قلت لهم؟  

لقد لفت انتباههم إلى ضرورة تعزيز دور المخبرين، ففي السابق كنا نستعين بهم لإرشادنا ورصد تحركات العدوّ. فالإرهابيون قد ينجحون في التخفي عن السلطة ولكن لا يستطيعون التخفّي عن المواطن لأنهم في حاجة الى الماء والطعام، وهم مضطرون لسؤال المواطنين عن بعض المعلومات.

لقد كان المخبر التونسي سواء داخل المدينة أو وسط الجيش الفرنسي يمدّ المقاومين في الجبال بكل تحركات المعمرّ، وهو ما سهلّ تنقلنا والتخفي عن العدوّ، فحتّى المقرّبين منا لا يعرفون تحركاتنا ولا وجهتنا القادمة .

كشفت وزارة الداخلية مؤخرا عن عدة معطيات عن الإرهابيين فهل تعتقد انهم لازالوا الى اليوم يتحصّنون في الشعانبي؟

لديّ قناعة كبرى انهم مازالوا بالجبال، ففي السابق بقينا سنة ونصف نتنقل من جبل إلى آخر وقد عجزت السلطات الفرنسية رغم ما تملكه من عتاد وقوة عسكرية من كشف مخابئنا والقبض علينا، وذلك بسبب وعورة المكان وتنقلنا باستمرار من جبل الى آخر.

أماكن التخفي في جبل الشعانبي كثيرة والطرق متشعبة ويمكن حتى الاختباء بين صخرة وأخرى والتوّغل  بين المغاور ولا يتفطن اليك أحد.

وحسب درايتي بطبيعة المكان فالإرهابيون يتنقلون من جبل الى آخر وعادة ما يتنقلون ليلا ويتبعون الطريق الصعبة كالشعاب والغابات.

ولكن الأكيد انهم سيحتاجون الى المواطن والى الماء والطعام. قد تكون هناك أماكن يتزودون بها بالماء، ولكنها ستكون قريبة من المواطنين لذلك يتعيّن على المواطن الانتباه والاتصال بالأمن أو الجيش مهما كانت طبيعة المعلومة التي لديه.

تم تصنيف تنظيم أنصار الشريعة بالتنظيم الإرهابي فهل تعتبرهم كذلك؟

هم إرهابيون لأنهم يقتلون التونسيين أي ابناء بلدهم. ولا أفهم كيف يقبل تونسي ان ينفذ أوامر أي كان ويقتل ابن بلده ذبحا. هم يحاولون بثّ الخوف في صفوف الجيش والشعب التونسي. 

في السابق لم تكن لدينا وسائل اتصال، ولكن اليوم نلاحظ ان الإرهابيين لديهم وسائل اتصال حديثة ومخبرين يرشدونهم، ويقولون لهم اين توجد أماكن القصف.

الشخص المهدّد والملاحق يكون حذرا وأكيد لديهم أصدقاء في القصرين وتالة وهؤلاء قد يغرونهم حتى بالمال لمساعدتهم.

اليوم مهما قتل الجيش التونسي من إرهابيين، فالتنظيم الذين ينتمون إليه يعوضهم بأشخاص آخرين، فكلّما يموت لديهم شخص او يفقد يعوض بشخصين أو ثلاثة  لتتواصل عمليات تنفيذ مخططاتهم.

يتحدث البعض عن وجود إرهابيين في الشعانبي من عديد الجنسيات فهل كان الامر مماثلا في فترة الاستعمار؟

في السابق كنا نتكون من تونسيين وجزائريون فقط أما الإرهاب الذي لدينا اليوم في الشعانبي فهو قادم من تشاد وليبيا ومالي والجزائر، فليس أولادنا فقط موجودون في الشعانبي بل هناك أجانب من عديد البلدان والعمليات التي يقومون بها هدفها إدخال الرعب والخوف في الشعب والجيش التونسي .

ما يقوم به الإرهابيون اليوم في جبل “الشعانبي” وتقنيات التخفي تشبه كثيرا ما كنا نفعله سابقا مع اختلاف في طبيعة العدوّ فقد كنا نواجه المستعمر الفرنسي الذي سلبنا ارضنا وحريتنا وهم يواجهون ابناء بلدهم.

هل اعترفت السلطات التونسية الحالية أو السابقة بكفاحكم ونضالكم واهتمت بكم؟

عندما سلّمنا السلاح، استغرب المعمرّ كيف ان هؤلاء هم “الفلاّقة” الذين روّعوهم طيلة عدة أشهر. أكبرنا كان “عبد الحكيم”، 25 سنة وكنّا شبابا صغار السن. دخلنا القصرين وكان الاستقبال عظيما وكبيرا من الأهالي.

كانت تونس تمر بفترة صعبة ، من فقر واحتياج ،ولم نكن نريد مالا ولا شكورا، ولكن الحزب الحاكم اهتم بنا في تلك الفترة، وإلى الآن لدينا جراية تقدر بـ 160 دينار ( أقل من 80 يورو). صحيح هو مبلغ زهيد، لا يفي المقاومين حقهم، ولكن مع ذلك لم نطلب أي امتيازات لنا.

والسؤال المطروح على الدولة التونسية اليوم :ماذا فعلت للمقاومين ممّن حملوا السلاح بالجبال؟ هؤلاء يقدر عددهم حسب بطاقات الحزب آنذاك بـ 3250 مناضلا أما من بقوا على قيد الحياة فهم أقل من ألف، وكان من المفروض أن يسألوا عنهم وعن عائلاتهم. كيف يعيشون وماهي ظروفهم. كان من المفروض ان يكرموا أولاد الشهداء منهم، ولكن للأسف كأن هناك رغبة من البعض في أن يندثر هؤلاء وأن لا يذكرهم التاريخ أبدا.ش