لم تتمكن تونس بعد من استعادة نهوضها الكامل بعد أحداث 14 كانون ثان/جانفي 2011 على جميع المستويات وخاصة الاقتصادية.

ويتحدث بعض الخبراء الاقتصاديين، “كارثة مرتقبة” تتمثل في الإفلاس في حال استمر الوضع الأمني والسياسي على ما هو عليه. فيما تحاول الحكومة و الجهات الرسمية نفي هذا السيناريو مؤكدة استقرار الحالة الاقتصادية والمؤشرات المالية المرتبطة بالأسعار والعملة والمبادلات وحجم الاستثمار.

لم تتمكن تونس بعد من استعادة نهوضها الكامل بعد أحداث 14 كانون ثان/جانفي 2011 على جميع المستويات وخاصة الاقتصادية.

ويتحدث بعض الخبراء الاقتصاديين، “كارثة مرتقبة” تتمثل في الإفلاس في حال استمر الوضع الأمني والسياسي على ما هو عليه. فيما تحاول الحكومة و الجهات الرسمية نفي هذا السيناريو مؤكدة استقرار الحالة الاقتصادية والمؤشرات المالية المرتبطة بالأسعار والعملة والمبادلات وحجم الاستثمار.

وصرح محافظ البنك المركزي السابق مصطفى كمال النابلي، في الاسبوع الماضي بأن “وضع تونس حرج و صعب و أنه علينا التحلي بثقافة الإنقاذ والخروج من أزمة الحكم التي نعيشها و التخلي عن سياسية التشبث بالكراسي على حساب الأمن والاقتصاد “.

في حين قلل وزير المالية إلياس الفخفاخ من خطورة الوضع قائلا “لم نصل بعد إلى حالة الإفلاس، لكن الوضع صعب و خطير”.

مؤشر غير مطمئن

وفي تصريح لـ”مراسلون” قال الخبير الاقتصادي معز الجودي  إنّ الوضعية الاقتصادية التونسية سائرة نحو الوراء وإن “الأفق أمامنا ضبابي، بدليل وجود رسائل تُفهم على أننا ذاهبون إلى موجة جديدة من رفع الأسعار وعدم استقرار مؤشرات سعر صرف العملة ومؤشرات البورصة التي تغلق كل يوم منذ شهر تقريبا على انخفاضات متباينة”.

يأتي هذا التصريح بعد التطورات الأخيرة في الشأن الاقتصادي والتي أعادت إلى الأذهان المخاوف التي انتابت التونسيين بعيد أحداث 14 جانفي، من ذلك التخفيض السيادي الائتماني الذي أصدرته وكالة “ستاندارد اند بوورز” مؤخرا والأزمة التي تعيشها البورصة التونسية والمؤشرات المالية وأزمة قطاع السياحة.

فقد أعلنت وكالة ” ستاندارد اند بوورز” الأمريكية تخفيض تصنيفها للديون السيادية لتونس طويلة الأجل بالعملة المحلية والأجنبية من /بي بي سلبي/ إلى /بي/ .

وفي قراءة سريعة لهذه الرموز، فإن رمز /بي بي سلبي/  يعني أن الوضع الاقتصادي للدولة غير مستقر تماما وينصح بعدم إقراضها لأنها غير قادرة على تسديد الدين في الآجال المحددة وربما غير قادرة تماما على تسديد الدين، في حين أن الرمز /بي/ يحيل إلى اضطراب سياسي وعدم استقرار بالإضافة إلى اضطراب مالي ملحوظ و تغيّر مستمر وحاد في مؤشراته. وهذا التقهقر يعني أن تونس الآن على بعد خطوات قليلة من الدرجة /سي/ وهي درجة إعلان الإفلاس.

وحسب تقرير رسمي لوزارة التنمية الجهوية والتخطيط الصادر يوم 17 أغسطس/آب فإن وكالة “ستاندارد أند بوورز ” قد استندت في تخفيضها لترقيم تونس السيادي إلى جملة من المبررات أهمها ضعف أداء الاقتصاد باعتبار أن المؤشرات الاقتصادية والمالية الخارجية كانت دون التقديرات، وهذا ما تؤكده أرقام البورصة التونسية التي تشير إلى ارتفاع سعر اليورو مقابل الدينار التونسي الواحد إلى 2.260 و الدولار بـ 1.650.

أما المبرر الرئيسي الثاني للتخفيض الائتماني وفق التقرير ذاته فيعود إلى الضبابية التي تعم المشهد السياسي التونسي على الأقل في المدى المتوسط إلى حين اعتماد دستور جديد وتحديد موعد للانتخابات المقبلة.

تراجع في مجال السياحة

من جانب آخر، وسعيا لتوضيح الوضع الاقتصادي التونسي، أكد الخبير الاقتصادي مراد الحطاب في اتصال مع “مراسلون” أن اغتيال المعارض والنائب في التأسيسي محمد البراهمي حوّل الخطر الاقتصادي في تونس إلى خطر محوري على خارطة الطريق الانتقالية”. واعتبر ان “الانهيار النسبي للسوق المالية الذي تعاني منه تونس الآن يذكرنا بالانهيار المالي الذي ألمّ بالبورصة التونسية غداة اغتيال المعارض شكري بالعيد في شباط/فبراير الماضي والذي كبّدها آنذاك أكثر من 15 مليون دينار في أسبوع واحد”.

وأشار مراد الحطاب إلى تداعيات الأزمة السياسية والأمنية على السوق السياحية. وأكد أن الموسم السياحي قد تراجع بشكل ملحوظ هذه السنة نظرا لانخفاض نسبة امتلاء الفنادق إلى أقل من 40% في شهر رمضان وتراجع موارد الموسم بأكثر من 10%.

ونبه من أنه في حالة حدوث سيناريو تحذيري من قبل سفارات أجنبية لرعاياها في تونس فإن خسائر الموسم السياحي سوف تكون “كارثية”.

التوافق عنوان المرحلة

ويرى الخبير مراد الحطاب أن الحكومة الحالية تعتبر غير قادرة على اتخاذ قرارات تصحيحية لمعالجة ضعف الاقتصاد و القطاع المالي والذي يتطابق مع الدرجة الاستثمارية. وقال: “حتى في صورة حصول توافق سياسي وإيجاد حل لما يجري حاليا في تونس فإن إعادة النظر في المنهج الاقتصادي أصبح ملحا، لان البلاد على شفى حفرة من نار ستحرق الجميع إن لم يتم التكفل بالوضع بحرفية كبيرة وان لم نسترجع ثقة العالم”.

ولم ينف إلياس الفخفاخ وزير المالية في تصريحاته الاعلامية خطورة الوضع في تونس، بل شبّه الوزير خطر الوضعية الاقتصادية المتدهورة بخطر الإرهاب تماما محملا المسؤولية للسياسيين في الحكم والمعارضة، داعيا الى التفكير الجماعي لايجاد حل.

ولم يخل كلام وزير المالية من نبرة “تخويفية” و ذلك في تطابق تام مع تصريحات كل من الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي الذي أشار بدوره إلى “كارثية الوضع الاقتصادي”، ووداد بوشماوي رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (منظمة رجال الاعمال) التي أعربت عن تخوف رجال الأعمال من الوضعية الخطيرة التي وصلت إليها تونس اليوم.

سبل الخروج من الأزمة

ركزت وكالة “ستاندارز اند بوورز” في معرض تصورها للخروج من الأزمة التونسية على استقرار سياسي وأمني في الأفق القريب ينقذ البلاد من حالة الصراع والاستقطاب الحاد لينعكس ذلك تدريجيا على التوازنات المالية الداخلية والخارجية في السنوات القليلة القادمة. كما سارعت الوكالة إلى طمأنة المعنيين بأن الجهات المانحة على المستوى الدولي تبقى مستعدة لتمكين النفاذ إلى “التمويل الرسمي” شرط أن يكون للحكومة برنامج اقتصادي ومالي واجتماعي واضح واستراتيجي.

وأكدت الوكالة أن أفق إعادة تحسين الرقم السيادي مرتبط بالاتجاه نحو اﻗﺘﺼﺎد ﻤﺘﻨوع وﻤﻨﺎخ أﻋﻤﺎل ﻤﻼﺌم للاﺴﺘﺜﻤﺎر إﻀﺎﻓﺔ إلى ﺤرﻴﺔ اﻹﻋﻼم وﺘدﻋﻴم إﻤﻜﺎﻨﻴﺔ ﻤﺴﺎءلة ﻤؤﺴﺴﺎت الدولة. ونصحت الحكومة بتوفير هذه الشروط  كرسائل طمأنة و استعداد جاد لتحمل مسؤولياتها.