حجاب خديجة باكوري لا يمنعها من المشاركة يوميا في اعتصام الرحيل بتونس والمطالبة بإسقاط الحكومة وحل المجلس التأسيسي.

حضور هذه الشابة ذات الـ 32 عاما في ساحة باردو في العاصمة التونسية لا يقتصر على الجلوس بين آلاف المعتصمين، بل تطور إلى “انضباط حزبي” من السادسة مساءا حتى منتصف الليل.

في نيسان/أفريل 2012 انخرطت الفتاة المحجبة في حزب العمال الشيوعي (العمال حاليا). فمعرفتها بمواقف إتحاد الشباب الشيوعي داخل أسوار الجامعة قبل سقوط رأس النظام التونسي، دفعتها إلى اختيار النشاط السياسي في صفوف هذا الحزب.

حجاب خديجة باكوري لا يمنعها من المشاركة يوميا في اعتصام الرحيل بتونس والمطالبة بإسقاط الحكومة وحل المجلس التأسيسي.

حضور هذه الشابة ذات الـ 32 عاما في ساحة باردو في العاصمة التونسية لا يقتصر على الجلوس بين آلاف المعتصمين، بل تطور إلى “انضباط حزبي” من السادسة مساءا حتى منتصف الليل.

في نيسان/أفريل 2012 انخرطت الفتاة المحجبة في حزب العمال الشيوعي (العمال حاليا). فمعرفتها بمواقف إتحاد الشباب الشيوعي داخل أسوار الجامعة قبل سقوط رأس النظام التونسي، دفعتها إلى اختيار النشاط السياسي في صفوف هذا الحزب.

قرار التحاق فتاة متحجبة بحزب يساري أثار استغراب بعض الأصدقاء والأقارب، فضلا عن استياء النشطاء الإسلاميين “الذين لم يستسيغوا انضمامي لحزب يصفونه بـالعلماني المتطرف” كما تقول. وهو ما جعلها عرضة للمضايقات والاستهداف من طرف السلفيين وأنصار الشريعة في مسيرات الجبهة الشعبية، وصلت إلى درجة استعمال العنف المادي واللفظي ضدها.

[ibimage==9340==Small_Image==none==self==null]
“الأحزاب اليسارية ليست كافرة كما يصفها خصومها”

الفصل بين الدين والدولة

ترفض خديجة على حد وصفها “المتاجرة بالدين من طرف تنظيم الإخوان المسلمين وبعض الدعاة”، وتؤمن بضرورة الفصل بين الدين والسياسة، وفي هذا الصدد تقول “الأحزاب اليسارية في تونس ليست كافرة كما يصفها خصومها، والدليل على ذلك قبولها بفتاة متحجبة في صفوف التنظيم الشبابي لحزب العمال”.

وترى أن حركة النهضة سعت قبل الانتخابات إلى توظيف الدين لصالحها من أجل ضمان قاعدة جماهيرية واسعة. وأنه آن الأوان “لتطوير أفكارنا بما يتماشى مع التحولات التي شهدها العالم، فظهور الإسلام كان قبل قرون في عهد الرسول الكريم محمد (ص)”.  

وتؤكد خديجة أن المبالغة في تأويل الدين أفرز ما يسمى بالإسلام السياسي، “فالمسلم من يقوم بفرائضه الدينية والإسلامي يتعمد استغلال الدين الإسلامي لفرض أفكاره المتطرفة”.

ولا يقتصر التطرف بحسب فهم هذه الشابة على دين الإسلام، “وإنما يشمل المسيحيين واليهود وبقية الديانات غير السماوية”.

لماذا لا يعتصمون لنصرة الله ورسوله؟

الإطلاع على مراحل تأسيس ونشأة “حركة الاتجاه الإسلامي” في تونس (النهضة حاليا)، يضاعف خشية خديجة على مصلحة البلاد والاستقرار الأمني والاجتماعي. وعن هذه المسألة تقول “هم لا يؤمنون بالحوار والديمقراطية، فمنذ بروزهم –الإسلاميون- بداية السبعينات، عمدوا الى تقسيم المجتمع التونسي إلى كافر ومسلم، واستعملوا العنف والمتفجرات للاستيلاء على الحكم، عكس الأسلوب السلمي الذي انتهجته التنظيمات اليسارية في محاولات إنهاء الحكم الفردي، ضد الرئيسين  بورقيبة و بن علي”.

وتشير إلى أن استعمال العنف، “تواصل بالوكالة” حتى بعد وصول الإسلاميين سدّة الحكم. “لقد أسسوا مليشيات خارجة عن القانون، ودعموا التيار السلفي لاستعماله حين تقتضي الحاجة، خاصة أثناء الأزمات السياسية لتغطية فشلهم في تسيير شؤون البلاد”.

وتضيف باستغراب “لماذا تحدث الاغتيالات والتفجيرات، ولا يظهر السلفيون لنصرة الله والرسول محمد (ص)، إلا أثناء المطالبة بحلّ الحكومة ومحاسبتها. هل يخيروننا بين البقاء في السلطة لسنوات وبين الإرهاب؟”.

“رقعة قماش” تخفي جمالك!

غطرسة نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، أجبرت خديجة باكوري على نزع الحجاب سنة 2008، خوفا من بطش جهاز البوليس السياسي وسعيا لمواصلتها دراستها للحصول على شهادة الأستاذية في اللغة الفرنسية.

تتذكر خديجة أن إدارة الكلية منعتها من اجتياز امتحان مادة الأدب الفرنسي، وطلبت من عناصر الأمن الجامعي منعها من الدخول إلى حين انتهاء فترة الامتحانات.

وتروي هذه الحادثة قائلة: “أخرجني كاتب عام الكلية وطلب مني نزع ما وصفه بـ “رقعة قماش” أخفت جمالي، ما اعتبرته تعديا على حقوق الإنسان ومحاولة تحرش جنسي. كما أن تواطؤ البوليس والأساتذة المنتمين للحزب الحاكم المنحلّ، زادت في تمسك الإدارة بمنعي من حقي في الدراسة”.

وتؤكد خديجة أن من كانوا يوصفون بالأساتذة الملحدين والمناوئين احتجوا على قرارات الإدارة، وشددوا على إلغاء المنشور 108 الذي ينص على “خلع اللباس الطائفي” داخل المؤسسات الدراسية.

أسرة خديجة تضامنت معها وقتذاك، حتى أن والدها طلب منها نزع الحجاب ومواصلة أداء فرائضها الدينية بطريقة عادية، وتقول لـ “مراسلون”: “والدي شدد على أهمية التخلي عن ارتداء الحجاب، خاصة بعد الشعور بمراقبة تحركاتي من طرف عناصر البوليس”.

المرزوقي خذلني

عاشت خديجة آنذاك حالة من الغبن والقهر وعدم القدرة على ردّ الفعل، إلى حين انطلاق الشرارة الأولى للانتفاضة التي أطاحت برأس النظام التونسي. فقد نشرت على شبكات التواصل الاجتماعي، منددة بالإفراط في استعمال القوة ضد أهالي الجهات الداخلية. ولم تتردد في الخروج إلى الشارع إلى جانب الحشود المطالبة برحيل بن علي.

نشوة الانتصار تواصلت مع خديجة، بالمشاركة في اعتصامات القصبة 1و2 المطالبة ببعث مجلس تأسيسي في تونس، دون معرفة أن هذا المطلب سيكون عكس ما تنادي به اليوم في اعتصام الرحيل.

وتوضح “طالبنا بمجلس تأسيسي لضمان وجود دستور يضمن الحريات العامة والفردية. لم نتوقع هذه النتيجة السلبية التي تسببت في الأزمة الحاصلة في البلاد. فقد خان النواب ثقتنا بعد منحهم أصواتنا”.

في 23 أكتوبر/ تشرين أول 2011، مارست خديجة باكوري كبقية التونسيين والتونسيات، حق المشاركة في أول انتخابات حرة ونزيهة في تونس منذ الاستقلال سنة 1956. واختارت شعار “النظارات” لمساعدة المنصف المرزوقي، على الظفر بمنصب رئاسة البلاد. “منحت صوتي لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية. كان هدفي مضاعفة حظوظ المرزوقي بتحقيق الحلم، الذي كان يراوده منذ رئاسته للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. توقعت أن فوز شخصية حقوقية سينهي القمع والاستبداد الذي تواصل في تونس حتى بعد 14 جانفي/ كانون ثان 2011. لكن مرشحي وجد نفسه رئيسا دون صلاحيات، ووافق على اقتسام الغنيمة مع حزب حركة النهضة”.

وفي تفسيرها لأداء الرئيس المؤقت منصف المرزوقي تقول:”حب السلطة والوصول إلى مناصب عليا في البلاد يدفع حتى بالحقوقيين إلى تغيير مواقفهم والتخلي عن مبادئهم وخيانة أنصارهم”.

“عائلة حاكمة جديدة”

التطورات السياسية الحاصلة في البلاد بعد تكوين حكومة الترويكا، ألزمت خديجة على مراجعة مواقفها، وعجلت بانضمامها لليسار التونسي “للنضال من أجل الأجيال القادمة، لفرض الدولة المدنية الحديثة، والمساواة التامة بين الرجل والمرأة”.

وهي ترفض اعتبار المرأة مكملا للرجل، وتستغرب من الفتاوى الصادرة عن الدعاة الإسلاميين. وتقول “ينظرون إلى المرأة كبضاعة وليس ككائن بشري، فقد كانت ومازالت جميع فتاواهم تتحدث عن الجسد والجنس، وهو ما يترجم التخلف الفكري والكبت الجنسي الذي يعيشونه”.

ورغم كل محاولات ناشطي الحركات الإسلامية، خصوصا حركة النهضة وأنصار الشريعة، في استقطاب خديجة، وإقناعها بمغادرة حزب العمال والانخراط في العمل الخيري والدعوي، إلا أنها تصر على وجودها على الضفة الأخرى من الخارطة السياسية.

وتتذكر أن عدد من السلفيين اعترضوا طريقها يوم 13 أغسطس/آب الماضي، أثناء مشاركتها في الاحتفال بعيد المرأة، واستنكروا مشاركتها في مسيرة دعا لها “كفار” حسب وصفهم.

عن هذه الحادثة تقول خديجة “خضت معهم نقاشا عقلانيا حول ارتداء الحجاب. مفهومهم السطحي للدين عجّزهم عن مجابهتي. وقد أبلغتهم أن قيام الثورة التي منحتهم حرية التعبير، لم تقم على ايدولوجيا إنما من أجل الحرية والعيش الكريم”.

حتى أن خديجة هجرت المساجد وتخلّت عن أداء صلاة التراويح خلال شهر رمضان بسبب ما اعتبرته “بروز المظاهر الغريبة في دور العبادة على غرار الخطب المحرضة على العنف والفتنة”. فقد كانت المنشورات التي يوزعها أنصار الشريعة، تتضارب مع إيمانها بعدم الإكراه في الدين. وتستغرب من الدعوة لارتداء النقاب ووضعه شرطا لرضا الله.  

عموما، لا تهتم خديجة بالانتقادات الموجهة لها حول نشاطها في صفوف اليسار التونسي وارتدائها الحجاب. وتعتبر أن الدين لله والوطن للجميع.

ويلازمها اليقين بنجاح المعارضة في تحقيق مطالب اعتصام “الرحيل”، وإنقاذ البلاد من “عائلة حاكمة جديدة” حسب تعبيرها، أغرقت البلاد في أزمة اقتصادية وسياسية.

كما تحلم هذه الشابة بعودة الاستقرار الأمني والسلم الأهلي في تونس، وإنهاء تقسيم الشعب إلى طوائف كافرة ومسلمة ومرتدة. وحتى ذلك الوقت تصر على بقائها في ساحة باردو مع آلاف المعتصمين المناهضين للحكومة.