الخط العربي منح كريم جباري حياة اجتماعية جديدة بعد طفولة موحشة اتسمت بالوحدة. فما كان منه إلا أن رد الجميل للحرف العربي بإخراجه من دائرة الوطن العربي لكي يشع في دول الحرف اللاتيني.
كريم ذو (35 عاما) ولد واستنشق أولى نسمات الحياة في ربوع القصرين بالوسط التونسي، لذلك اختار اليوم أن ينجز بمسقط رأسه أكبر جدارية في تونس.
التقته “مراسلون” فكان الحوار التالي:
“مراسلون”: لو تقدم لنا تعريفا بالخطاط كريم جباري؟
الخط العربي منح كريم جباري حياة اجتماعية جديدة بعد طفولة موحشة اتسمت بالوحدة. فما كان منه إلا أن رد الجميل للحرف العربي بإخراجه من دائرة الوطن العربي لكي يشع في دول الحرف اللاتيني.
كريم ذو (35 عاما) ولد واستنشق أولى نسمات الحياة في ربوع القصرين بالوسط التونسي، لذلك اختار اليوم أن ينجز بمسقط رأسه أكبر جدارية في تونس.
التقته “مراسلون” فكان الحوار التالي:
“مراسلون”: لو تقدم لنا تعريفا بالخطاط كريم جباري؟
كريم جباري: أنا من مواليد حزيران/ جوان 1978، أنحدر من منطقة القصرين. امتهنتُ الخط العربي ولم أتلق تعليما أكاديميا في هذا المجال وأقيم بكندا.
متى بدأ اهتمامك بالخط العربي؟
لم أتمتع بطفولة عادية، ففي سن الثانية عشر، اتهم والدي بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، كانت هذه التهمة تضاهي خيانة الدولة في زمن رئاسة بن علي. فما كان منه إلا أن هرب إلى الجزائر بعد أن نال ألوانا من التعذيب على أيدي عناصر البوليس السياسي.
ظلت عائلتي وحيدة، جابهت أمي كل الصعوبات لكي توفر لنا ما يسد رمقنا ويبني لنا مستقبلا دراسيا محترما. في ظل هذه الأحداث لم يتمتع الكثيرون بالجرأة للاقتراب من عائلة يُعتبر أحد أعضائها من “المغضوب عليهم”.
فاستأنست الوحدة لأجعلها صديقا وفيا لي. ولم يتغير حالي حتى عندما انتقلت إلى المعهد النموذجي في الكاف، حيث ظلت تهمة والدي تلاحقني. وبحثت في طيات وحدتي لاكتشف حبا للافتات الإشهارية، ما لبثت أن ترجمته من خلال اتقاني شيئا فشيئا للخط العربي.
ما الذي أضافه لك الخط العربي في هذه الفترة من حياتك؟
بعد فترة من العزلة، اكتشف زملائي موهبتي في الخط العربي، ومن هنا بدأت رحلة تكوين الصداقات. وقد كان اتقاني للخط العربي نقطة قوة في صالحي، استطعت من خلالها أن أستبدل ماضي القريب، الذي اتسم بالوحدة والعزلة، بحاضر تملؤه العلاقات، وان كان جلها لأجل مصالح شخصية، فإنها كانت حياة جديدة وممتعة بالنسبة لي.
لكن لم تتواصل العلاقة بيني وبين الخط العربي بعد دخولي الجامعة. فقد انسقت كغيري من الشباب اليافع إلى ممارسة الرياضات الجماعية، وصرت مولعا بكرة السلة. وكان انضمامي إلى الفريق الرياضي يغني عما كان يوفره لي الخط العربي من صداقات. فكان عالما جديدا تميز بحياة اجتماعية مغايرة للماضي وصخب الجامعة وتبعاته.
كيف عدت الى ممارسة الخط العربي؟
لقد هاجرت الى كندا في عام 2000 في بعثة دراسية. كنت قد نسيت فضل الخط العربي علي، تلك الموهبة التي جعلت مني انسانا اجتماعيا. أقمت عند أختي بكندا وبعد فترة تزوجت بتونسية وأسست عائلة متكونة من زوجتي وطفلتين.
وذات يوم في 2004، كنت بصحبة مجموعة من الأصدقاء نتبادل أطراف الحديث داخل مقهى بمونتريال. فقال أحد الأصدقاء متحدثا بعفوية “لا تستنفد حياتك في مهنة لا تعشقها، ابحث في طياتك عن مجال مقرب الى قلبك واجعل منه مهنتك، وستجد حينها السعادة”.
تسارعت دقات قلبي وشعرت أن الكلام موجه لي دون غيري، وكالحبيب الخائن تذكرت عشقي الأول، الخط العربي.
بقيت أتجول سنة كاملة بين المتاحف والمعارض وأتصفح المجلات والجرائد علّي أجد ضالتي. بحثت عن بوابة تخرج الخط العربي من حدود العروبة إلى العالمية، خاصة وقد لاحظت أن معظم التونسيين المقيمين بكندا لا يحملون اعتزازا بهويتهم العربية. فأحسست أن من واجبي تشريف التونسيين من خلال السعي الى منح روح جديدة للخط العربي.
وفي تكويني العصامي لم أقتصر على الخط العربي فقط، انما تتلمذت على يدي صديقي “السيد”، وهو تونسي من ولاية قابس ومقيم بكندا، لكي أتعلم أبجديات زخرفة الحيطان أو ما يعرف بالغرافيتي.
قمت بأعمال فنية عالمية، لو تحدثنا عنها؟
شاركت في عدد من التظاهرات الفنية على غرار “آرت ابو ظبي” و”آرت دبي” التي تعد من أكبر التظاهرات الفنية في الشرق الأوسط. كما شاركت كمحاضر في منتدى الابداع 2013 بالظهران في المملكة العربية السعودية حيث قدمت محاضرة بعنوان “إعادة شحن طاقة الخط العربي” عرضت فيها فيلما يحكي تجربتي الفنية.
وأقوم حاليا برسم أطول جداريه في تونس ( 215 مترا طولا و4 أمتار ارتفاعا بمدينة القصرين) كما سأشارك قريبا في تظاهرات بكل من إفريقيا الجنوبية والكويت إلى جانب مساهمتي ضمن قافلة فنية بالمملكة العربية السعودية.
وما الذي أضفته من خلال أعمالك للخط العربي؟
لم أقتصر على الخط العربي التقليدي، إنما أضفت إليه خطا جديدا يعرف بـ “فن الخط الضوئي”. فأنا أستعمل التقنيات الحديثة لتقريب الخط العربي لهذا الجيل. فالخط بالنسبة للكثير من الشباب ممل ويلزمه صبر ووقت طويل لتعلمه، وهو ما دفعني للتفكير في تقنية تحبب إليهم الخط. وقد اخترت استعمال تقنية الضوء تماشياً مع رغبة الشباب.
وشخصيا تزعجني كثيرا الكتابة العشوائية على الجدران وأعتقد أن الحل في نشر الفن، لذلك أعتزم إنشاء جمعية في تونس تعنى بفن الخط العربي.