“مراسلون” التقت عامر العريّض، رئيس المكتب السّياسي لحركة النهضة للإطلاع على تقييم الحركة للوضع الحالي في مصر، ومدى إمكانيّة تكرار سيناريو مصر في تونس. وعن واقع العلاقة بين حركة النهضة بتنظيم الاخوان في مصر، وبالتنظيم العالمي للاخوان. وفي ما يلي نص الحوار:

“مراسلون”: بداية لا شك أن أحداث ميداني رابعة العدويّة والنهضة هزّت ضمير العالم، ألم يكن باستطاعة الإخوان في مصر تفادي سيناريو العنف لو كانوا أكثر براغماتية؟

“مراسلون” التقت عامر العريّض، رئيس المكتب السّياسي لحركة النهضة للإطلاع على تقييم الحركة للوضع الحالي في مصر، ومدى إمكانيّة تكرار سيناريو مصر في تونس. وعن واقع العلاقة بين حركة النهضة بتنظيم الاخوان في مصر، وبالتنظيم العالمي للاخوان. وفي ما يلي نص الحوار:

“مراسلون”: بداية لا شك أن أحداث ميداني رابعة العدويّة والنهضة هزّت ضمير العالم، ألم يكن باستطاعة الإخوان في مصر تفادي سيناريو العنف لو كانوا أكثر براغماتية؟

عامر العريّض: في مصر هناك انقلاب على إرادة الشعب الّذي انتخب الإخوان، هذا الانقلاب العسكري تحوّل إلى انقلاب دمويّ ضدّ متظاهرين سلميّين. ولعلّ الانقلاب لم يكن مفاجئا بالنسبة لجماعة الإخوان، لأنّ الهدف هو فضّ الاعتصام، ولكن المفاجئ للجميع هو حجم الكارثة الدّمويّة وعدد الضحايا.

نحن اليوم أمام مجزرة سقط فيها آلاف الضحايا من شهداء وجرحى، والأفظع أنّ الموضوع ليس الإخوان. فقد تم استخدامهم كعنوان للانقلاب على الثورة لخدمة أجندة سيّاسيّة مضادّة للثورة.

كما أنّ ذنب الإخوان الوحيد هو أنهم عبّروا بطريقة سلميّة عن رسالتهم المطالبة بإرجاع الرئيس المعزول مرسي إلى الحكم واحترام شرعيّة الصناديق، وبدل أن يتخذ الجيش دور حامي الديار والمواطنين، فقد دخل معركة دامية تحرّكها أياد خفيّة لإنجاح ثورة الرّدة.

ونحن كحركة نرى أنّ الوضع في مصر يضع الشعب المصري أمام خيارين أحلاهما مرّ، إمّا الانتصار على الانقلاب وتقديم التضحيات أو الخضوع لهذا الانقلاب وبالتالي العودة إلى الوراء والخضوع لسلطة العسكر الذي يخدم مصالح سياسيّة تهدف للعودة بنا إلى عصر الاستبداد والقمع.

برأي المتابعين للشأن المصري أن ما جرى في مصر هو ضربة قاسية لحركة الإخوان المسلمين، ما تعليقكم، هل حاولت النهضة بذل أي جهد لمنع ما حدث في مصر سيّما وأنّ لكم علاقة مميزة بالإخوان في مصر؟

نعم، فالحركة الاسلاميّة في البلدان الثائرة أصبحت تواجه تحديات صعبة، ونحن كحركة اسلاميّة بذلنا جهودا حثيثة بدورنا قبل الانقلاب العسكري ضدّ حكم الإخوان المسلمين في مصر، فقد كنّا في زيارة منذ فترة قصيرة إلى القاهرة. والتقينا بأهمّ الأطراف السيّاسيّة في محاولة للوصول إلى حلول مشتركة بين الطرفين. لكن يبدو أنّه في ذلك التاريخ (الزيارة) كان الجيش المصري تحت سلطة الفريق أوّل عبد الفتّاح السيسي قد حسم قراره بالاتفاق مع جزء كبير من المعارضة المصريّة، وبالتّالي زيارتنا، التي أكّدنا خلالها أن لا حلّ حسب حركة النهضة الإسلامية إلّا بالعودة إلى إرادة الشعب من خلال صناديق الاقتراع، لم تأت بنتائج فعليّة لمنع ما حدث من مجزرة ومحرقة للمسلمين في مصر وهاهي مصر اليوم تواجه مصيرا مجهولا نتيجة الانقلاب الباطل.

ما علاقتكم بالقيادي البارز في تنظيم الإخوان، راشد الغنوشي، وكيف تنظرون إلى علاقتكم بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين؟

الشيخ راشد الغنوشي من القيادات البارزة في تنظيم الإخوان العالمي، ولدينا علاقات كحركة بالتنظيم وبكل الحركات الإسلاميّة المعتدلة وغيرها من الجمعيّات والأحزاب غير الإسلاميّة أيضا في سبيل المصلحة العامّة وتوسيع دائرة العلاقات. ولعلّ تعدّد النقاط المشتركة بين كلّ من حركة النهضة وتنظيم الإخوان المسلمين في مصر يجعله الشّق الأقرب خاصّة وأننا نشترك في نهضة الأمة الإسلامية والدفاع عن الحريّة التي هي جوهر الإسلام وعن استقلال قرار الأمّة الإسلامية. وبالتالي علاقة الشيخ راشد بالتنظيم شيء وعلاقة الحركة بالتنظيم شيء آخر، نحن فقط شركاء في المبادئ والأهداف على المستوى الإسلامي العربي والعلاقة بيننا جيّدة لهذه الأسباب.

ما موقفك من امضاء كل راشد الغنوشي ومحمد العكروت على بيان القاهرة للجهاد في سوريا، وهل هوملزما لحركة النهضة؟

شخصيّا لم أطلع على البيان، وليست لديّ تفاصيل جديّة عن محتواه، ولكن على حدّ علمي بأنه لم يعد ملزما لحركة النهضة، أي لم يعد قائم بحد ذاته.

وضع الاسلاميون في الثورة السورية متعثّر، وفي ليبيا غامض وفي مصر أنتهى أو كاد. فهل بقيت تونس القلعة الأخيرة للإسلاميين؟

نعم تونس القلعة الأخيرة للإسلاميين، حيث هنالك موجة عالية من الرّدة تستهدف الثورات العربيّة وحكوماتها الإسلامية، وبصفتي رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة لا أعتقد أنّ هذه الثورات لم تكتمل بعد. وأظنّ أنّ شعوب المنطقة قد اتخذوا قرار التحرر ولذلك فإنّ انتصار إرادة الشعوب الثائرة سيكون ثمنه باهض بالنسبة لحالة الصراع في مصر خاصّة بين مؤيّدي شرعيّة الصناديق الانتخابيّة والمنقلبين، أو ليبيا أو سوريا وغير ذلك.

أمّا بالنسبة للحالة التونسيّة، فأنا أصف الحركة الإسلامية بالشمعة المتبقيّة المضيئة والمستهدفة بالإطفاء حتى يعمّ الظلام على كل المنطقة، لذلك نحن نبذل جهدنا لإنجاح التجربة الإسلاميّة على أرضيّة التوافق والإصلاح والتغيير وسننجح في بناء دعائم العيش المشترك، ولعلّ ذلك يختصر في وثائق حركة النهضة الموجودة بوزارة الداخليّة والتي تتناول انطلاق التحضير لانتخابات حرّة قادمة بغض النظر عن الفوز فيها من عدمه، لأن وضع تونس على طريق الديمقراطيّة والتعايش في كنف الاختلاف هو من مصلحة الجميع، وحتّى التناقض أهمّ بكثير من فوز حزب على آخر في المرحلة القادمة.

كلّ أنظار العالم اليوم متجهة لاختبار قوّة صلابة الحركة في مواجهة التحديّات المفروضة عليها، فهل أنتم قادرون على تحقيق دخول الإسلاميين للديمقراطية؟

لعل حركة النهضة هي أكثر الحركات الإسلامية الّتي تعرّضت للنقد لأنّ تجربتنا تؤكّد صحّة قناعتنا كحركة إسلامية بضرورة تلازم الإسلام والديمقراطيّة وتكاملهما، وذلك يتجلّى في الائتلاف الثلاثي الحاكم بين حركة النهضة الإسلامية وكل من حزب التكتل وحزب المؤتمر العلمانيين، ومن أجل تكريس الديمقراطيّة وصلنا الى المزج بين أجيال من التيار الإسلامي والتيار العلماني ونحن مستعدّون للتعايش مع الجميع في كنف التعدد والديمقراطيّة.

ولعلّ التجربة الإسلامية في تونس تعدّ ناجحة لأنها حققت التعايش بين جميع التيارات رغم الاختلاف. وما لاحظناه أنّ بعض الجماعات الراديكالية لا تعطي أيّ أهميّة للمصلحة العليا وترفض التفاوض حتّى لو أدّت هذه الثوابت إلى هدم البلاد.

ولعلّ سيناريو مصر لن يتكرّر لأن لا أحد يقبل برؤية المشهد المصري الدّامي في تونس، كما أنّ الرافضين للتفاوض والمستعدين للانقلاب ضدّ شرعيّة الإرادة الشعبيّة “شرعيّة الصناديق” وجب أن يلقوا نظرة على الانقلاب المصري ضدّ السلطة ويلاحظوا أنّ جميع الاعتصامات المطالبة برحيل الحكومة المصرية الإسلامية باءت بالفشل وبهرب قياداتها مثلا البرادعي وتراجعهم عن بعض مواقفهم، ومن هنا وجب على الانقلابيّين في تونس أن يفهموا أن لا حلّ إلّا في شرعيّة الصناديق، رغم محاولات السيسي مساعدة الانقلابيين وتدخله التعسفي في الإرادة الشعبية، الأمر الذي لن يحدث البتّة في تونس.

وماهي تداعيات اللقاء الذي جرى بين راشد الغنوشي ورئيس حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي، خاصّة وأنّ البلاد تمرّ بأزمة بين شقّ معارض يطالب بإقالة الحكومة وشقّ آخر يناشد شرعيّة الصناديق؟

لم تكن هذه المقابلة الأولى مع الباجي قائد السبسي ولن تكون الأخيرة، ويأتي اللقاء في إطار بحث معالجات سياسيّة للإشكاليّات العالقة، على سبيل المثال اعتصام الرحيل الذي نراه انقلابا على الشرعيّة. ونحن كحركة النهضة نرى أنّ المقابلة مع السبسي كانت إيجابيّة جدا وعلى عكس ما تمّ الترويج له وستتضّح إيجابيّاتها في الأيّام القليلة القادمة فعليّا.

كثيرا ما يطرح سؤال حول هويّة الحركة، فمتى ستحسمون نهائيّا مسألة الدّعوي من السّياسي؟

نحن حزب تونسي وحركة وطنيّة لها أطروحات تنطلق من فهم الإسلام المعتدل منهجا للعمل الشعبي والحوار السياسي والحرص على التعايش بين الجميع، وباعتبارنا حركة سياسيّة ذات مرجعيّة دينيّة. ولعلّه من الصعب على حزب ديني الحسم في مسألة الدّعوي والسياسي.