في درجة حرارة تقارب الاربعين ترابط  صافية عرافة وزملاؤها لليوم الثالث على التوالي، أمام المصنع الذي قضت فيه عشر سنوات من العمل، بعد أن أغلق فجأة واختفى عن الأنظار صاحبه الإيطالي.

صافية عرافة مطلقة وأم لولدين، كانت تعمل في مصنع “جال قروب” بمنزل جميل (شمالي تونس)، تعتبر ان مأساتها مضاعفة لأنها تعمل في هذا المصنع رفقة ابنها وهو بدوره أب لرضيع. وتقول إنها وجدت نفسها وابنها بلا عمل ولا مورد للرزق بعد ان أغلق المصنع أبوابه دون سابق إنذار.

موجة غلق المصانع

في درجة حرارة تقارب الاربعين ترابط  صافية عرافة وزملاؤها لليوم الثالث على التوالي، أمام المصنع الذي قضت فيه عشر سنوات من العمل، بعد أن أغلق فجأة واختفى عن الأنظار صاحبه الإيطالي.

صافية عرافة مطلقة وأم لولدين، كانت تعمل في مصنع “جال قروب” بمنزل جميل (شمالي تونس)، تعتبر ان مأساتها مضاعفة لأنها تعمل في هذا المصنع رفقة ابنها وهو بدوره أب لرضيع. وتقول إنها وجدت نفسها وابنها بلا عمل ولا مورد للرزق بعد ان أغلق المصنع أبوابه دون سابق إنذار.

موجة غلق المصانع

حالة صافية وزملائها في مصنع “جال قروب” ليست معزولة أو استثنائية، فظاهرة غلق المصانع الأجنبية العاملة في تونس أصبحت متواترة في المدة الأخيرة.

ففي الأسابيع الماضية شهدت منطقة مقرين وهي من أشهر المناطق الصناعية بالعاصمة، غلق مصنع “أوروبيان ستيل” والذي كان يشغل 650 عاملا وعاملة، بعد أن أغلق المستثمر الاوروبي المصنع بصفة فجائية.

وكانت الادارة العامة لمجموعة “ليوني” تونس المختصة في صنع كوابل السيارات الألمانية، قد أعلنت في بيان لها صدر في مطلع أوت/أغسطس عن الغلق المؤقت لوحدة الانتاج “بي ام دابل يو”، بالساحل التونسي. وجاء قرار المجموعة  بعد أن عمد بعض العمّال آخر حزيران/جويليه الماضي الى ايقاف العمل دون سابق اعلام والتهجم على مسؤولين بالمصنع كما قال البيان.

و تشغل وحدات “ليوني” الثلاث  في منطقة سوسة الساحلية أكثر من ثمانية ألاف شخص، من مناطق مختلفة مثل سيدي بوزيد والفحص وتوزر والقصرين وقفصة وعديد المناطق الساحلية المجاورة. وتنتصب وحدة “ليوني” في تونس منذ ما يزيد عن 35 سنة وقد ساهم العمال ابان الثورة التونسية في حماية مصنعهم.

وتشير البيانات الإحصائية الى أن عدد المؤسسات الأجنبية التي أغلقت أبوابها في تونس بعد ثورة 14 كانون ثان/ يناير 2011  بلغت 172 مؤسسة والسبب إمّا الاحتجاجات أو تراكم الديون لدى اصحاب هذه المصانع الأجنبية.

تخوف المستثمرين

وحسب البيانات التي نشرتها الوكالة التونسية للنهوض بالصناعة فإن إغلاق المؤسسات تسبب في إحالة ما يزيد عن 12 ألف شخصا على البطالة.
وتصدرت المؤسسات الإيطالية قائمة المؤسسات التي أغلقت أبوابها، حيث بلغ عددها 63 مؤسسة، تليها فرنسا بـ 60 مؤسسة ثم بلجيكا بـ 11 مؤسسة، و ألمانيا بـ 10 مؤسسات، بالإضافة إلى 28 مؤسسة أجنبية أخرى تتوزع على عدد من الجنسيات الأوروبية.

وتجدر الإشارة الى ان بعض المستثمرين يتخوفون من عدم وصول سلعهم الى أوروبا بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والإضرابات في الموانئ التجارية، مما أدّى إلى تقلص حجم الطلبات وبالتالي وجدت عديد المصانع نفسها  تعاني من العجز المالي ومن تراكم الديون.

وأكدت مصادر رسمية من وزارة الصناعة لـ”مراسلون” ان لجنة وطنية يشرف عليها وزير الصناعة تكونت مؤخرا للإشراف على موضوع غلق المصانع، وأشار إلى أن غلق مصنع “جال قروب” بالذات ستكون له تبعات اجتماعية واقتصادية وخيمة على البلاد، نظرا للعدد الكبير للعمال، ولأهمية هذا المصنع بجهة بنزرت، وبالتالي لا بد من البحث عن حلول عاجلة.

وقد سارعت وزارة الشؤون الاجتماعية بتخصيص منحة تقدر بـ 200 دينار (حوالي 150 دولار) لفائدة العمال ليتمكّنوا من مجابهة ظروف الحياة.

وقال محمد المنصوري الكاتب العام لولاية بنزرت  لـ”مراسلون” ان موضوع مصنع “جال قروب” بالذات هو محل متابعة محلية ووطنية وجهوية. وان هناك عديد المقترحات منها أن يشتري هذا المصنع مستثمر تونسي أو أجنبي، مشيرا الى أن  بعض المستثمرين عبروا عن رغبتهم في استثمار وحدة على الأقل من هذا المجمع.

وقال إنه سيتم العمل على ضمان استمرارية عملهم دون التخلي عن مواطن الشغل خاصة وان الشركة تضم عديد الكفاءات وتمتاز بنوعية معينة من الأحذية ولديها سوقها في الخارج  رغم وجود منافسين من ألبانيا وتركيا وألمانيا.

وفي هذا الصدد قال طارق شبير المكلّف بالإعلام بمجمع “ليوني” لـ”مراسلون” ان الوحدة المتواجدة بمنطقة المسعدين بالساحل “أغلقت ظرفيا ثم عادت الى العمل لأن هناك محاولات لضرب المؤسسة”.

المستثمرون يتهمون والنقابات ترد

ويعتبر شبير أن “المطالب غير المقبولة للعمال وزيادة الاحتجاجات والتطاول على الادارة هي من أهم الاسباب لغلق بعض الوحدات الصناعية”.

وأضاف “شعرنا أن ما حصل من اعتداءات وتطاول على الإدارة سيتطور إلى ماهو أخطر لأن هناك جهات خفية تعمل على تعكير الأوضاع. ولحسن الحظ فإن الأطراف النقابية لم تتسرع ولم تصدّق المغالطات التي روّجها بعض العمال، ووقفت الى جانب مجمع “ليوني” وحاولت التهدئة”.

ويعتبر أصحاب المصانع، أن المطالب “مبالغ فيها” من طرف العمال، لا سيما لتحسين الأجور، في ظرف اقتصادي صعب، كان من أهم المشاكل التي واجهها المستثمرون، إضافة للمشاكل الأمنية والاجتماعية.

لكن بشير السحباني، كاتب عام الاتحاد الجهوي للشغل ببنزرت، نفى ان تكون الاحتجاجات والمطالب الاجتماعية وراء غلق المصانع. ويرى ان الأسباب التي تؤدي الى الغلق متعددة ومنها الوضع العام للبلاد والذي لم يعد مشجعا على الاستثمار. كما ان بعض المصانع وجدت نفسها ملزمة بتسديد الضرائب والتي كانت تتملص منها قبل ثورة 14 كانون ثان/جانفي 2011. وان السبب المعلن للغلق وهو الإفلاس وعدم القدرة على خلاص العملة “غير وجيه” مؤكدا أن عديد المصانع بعد الثورة أصبحت لديها طلبات مجحفة كإسقاط الديون أو جدولتها.  

وقال السحباني إن مدير مصنع “جال قروب” ، ومقره الأصلي في إيطاليا، كان قد اشترط على الدولة التونسية منحه 12 مليار دينار تونسي كمساعدة ليواصل العمل، وأمام رفض الدولة لطلبه نظرا للظرف الصعبة التي تمرّ بها البلاد فقد قرّر الرحيل. وقال ان في هذا الغلق “اعتداء كبير على العمال وعلى الدولة التونسية”.

المطالبة بضمانات سياسية

وأكدّ السحباني على ضرورة وجود قرار سياسي يطمئن المستثمرين، “خاصة وأننا اليوم أمام ملف كبير اسمه الشركات متعددة الجنسيات والتي أصبحت تغلق فجأة ويفرّ أصحابها الى الخارج”، مطالبا الحكومة بأن تعطي الضمانات الكافية للمستثمرين والعمال على حد سواء.

واعتبر محمد علي البوغديري، كاتب عام الاتحاد الجهوي للشغل في بن عروس، ان الغريب في الأمر ان صاحب مصنع “أوروبيان ستيل” لم يعد الى  أوروبا، بل فتح مصنعا آخر في جهة أريانة (في أحواز العاصمة تونس)، “ومع ذلك فالسلطات التونسية لا تحرك ساكنا”، مؤكدا ان هذا الأمر بات يطرح الكثير من التساؤلات.

وأكدّ ان العمال منضبطون وسبق وعملوا ساعات إضافية دون أجر ليتجاوز المصنع بعض الأزمات، وقال ان بعضهم خيّر اليوم حراسة المصنع دون أجر لأنه يضم سلعا باهظة الثمن وهم يعتبرونه مصدر قوتهم.

وحملّ  البوغديري مسؤولية تدهور الأوضاع في تونس الى الحكومة الحالية داعيا إيّاها الى تغليب المصلحة العليا للبلاد والعمال.

وتشير بعض التقارير الى ان المغرب استفاد من الاضطرابات الحاصلة في تونس وأصبح يستقطب المستثمرين الأجانب ومنحهم عديد الامتيازات المغرية.

وحسب عديد الملاحظين فإن الأسباب الرئيسية للغلق تعود إلى الوضع الأمني والى المناخ العام في البلاد وهو ما جعل الرؤيا غير واضحة أمام عديد المؤسسات الأجنبية في تونس.