عرف بمواقفه السياسية المعتدلة وبتصديه الشرس للفكر الوهابي وللتيارات السلفية. كما عرف بنقده لأداء الحكومة في التعاطي الأمني مع التيارات المتشددة، ونقده لسياسة حركة النهضة. واجه تهديدات بالتصفية ولقب “بشيخ العلمانيين“.

مراسلون” قابلت الشيخ فريد الباجي، رئيس جمعية دار الحديث الزيتونية، وكان هذا الحوار:

عرف بمواقفه السياسية المعتدلة وبتصديه الشرس للفكر الوهابي وللتيارات السلفية. كما عرف بنقده لأداء الحكومة في التعاطي الأمني مع التيارات المتشددة، ونقده لسياسة حركة النهضة. واجه تهديدات بالتصفية ولقب “بشيخ العلمانيين“.

مراسلون” قابلت الشيخ فريد الباجي، رئيس جمعية دار الحديث الزيتونية، وكان هذا الحوار:

“مراسلون”: تأييدكم  لمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل ومطالبتكم بحل الحكومة التي تترأسها حركة النهضة جعلكم تواجهون العديد من الاتهامات بل ان البعض وصفكم بـ “شيخ العلمانيين”. هل تتبنون فعلا أجندة علمانية؟

الباجي: نحن لا نتبنى لا الفكر العلماني ولا الفكر الإخواني ولا ننتمي إلى أي حزب. والدليل أننا لم نحضر لا في تجمع الشرعية بساحة القصبة الذي دعت إليه حركة النهضة ولا في اعتصام الرحيل بباردو الذي دعت إليه المعارضة رغم أننا تلقينا الدعوات من الطرفين.

 لقد أغضب موقفنا بعض العلمانيين، وأغضب جميع النهضاويين.

إن الذين يتهموننا بأننا علمانيون هم العلمانيون. لان الحزب الحاكم ليس حزبا دينيا ولا اسلاميا بل هو حزب سياسي مدني بامتياز، وكل الحكام الذين تعاقبوا على تونس منذ الاستقلال يستعملون الدين لخدمة لسلطة، بداية من بورقيبة مرورا ببن علي وصولا إلى الحكومة الحالية والمعارضة. الكل يريد أن يستعملنا لكن نقول لهم جميعا لا وألف لا.

يتهمك التيار السلفي أيضا بالعمالة لدول أجنبية. وقد بلغت التهديدات حد الاعتداء عليك بالعنف والتوعد بتصفيتك جسديا، فلماذا يكن لك المحسوبون على هذا التيار هذا العداء وأنت رجل دين؟

نعم هم يتهمونني بالعمالة لدولة الامارات وللسعودية مع أنني معروف بتهجمي الشبه اليومي على السعودية، لأنها هي من تغذي الإرهاب. ونحن ضد الانقلابات العسكرية كما صرحنا مرارا وتكرارا، ولسنا مع موقف شيخ الأزهر مع احترامنا له، لأنه كان ينبغي أن تكون (مشيخة الأزهر) حيادية ولسنا مع مشيخة الزيتونة الحالية التي انحازت للحزب الحاكم بكلية، رغم انه كان ينبغي أن تترفع عن الأحزاب وأن تقوم بدور الصلح والمصالحة لا بدور يغذي من حالة الاستقطاب.

أما في ما يتعلق بأننا علمانيون فيكفي للرد على هذا الكلام أن جمعية دار الحديث الزيتونية كانت مع التنصيص على الشريعة في الدستور لأننا لا نراه يتناقض مع مدنية الدولة والديمقراطية في الوقت الراهن ولا مع حرية الاعتقاد ولا مع استقلال مؤسسات الدولة عن الحزبية، بدليل أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وكان هو رئيس الدولة، تقاضى مع يهودي وهو من الأقلية عند القضاء، فحكم القضاء لليهودي ضد رئيس الدولة.

نحن في الحقيقة ضد المفهوم الوهابي للشريعة لكن المفهوم الزيتوني للشريعة هو مفهوم حضاري يجمع بين الأصالة والحداثة. بدليل أن مؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن ابن خلدون زيتوني، وبدليل أن أول من قنّن القضاء في التاريخ الإنساني هو ابو اسحاق ابن عبد الرفيع وهو زيتوني.

إن علماء الزيتونة لمّا انتقدوا القانون الوضعي وفيه آلاف القوانين لم ينصوا إلا على عشرة مسائل فهذا دليل على أن القضاء التونسي من صلب الشريعة في كليته إلا في ما استثنني، وعليه فإن من يتهمنا بالعلمانية هو العلماني بالحقيقة لا نحن.

تعرف بتصريحاتك المعادية للفكر الوهابي. هل تعتبر أن هذا الفكر هو الراعي الرسمي للإرهاب في الدول العربية والاسلامية؟

رفضنا للفكر الوهابي ناتج عن علم ودراسات معمقة وخبرة ميدانية معهم عشتها في الشرق الأوسط، فثبت لي ثبوتا قطعيا أنهم مخترقون استخباراتيا مستعملون لخلق الفوضى المدمرة للدول العربية والاسلامية حتى يبرروا للتدخل الخارجي.

ونلفت هنا أننا لا نحارب أشخاصا وإنما نرد على فكر معين متطرف، والأولوية تقتضى أن نحذر من الخطر الأكبر، فلا نريد أفغنة تونس ولا صوملتها بواسطة أدعية السلفية الجهادية. كما أننا لا نريد تونس ملكية دكتاتورية كالسعودية بواسطة الوهابية أدعياء السلفية العلمية. كما لا نريدها دولة ايضا ستالينية بل نريدها ديمقراطية مدنية مسلمة لان تونس لم تكن قط ولن تكون لائكيه.

ونحن نفرق بين العلمانية و الإلحاد، لأنه لو كان كل تونسي علماني هو ملحد فأول من سيتهم بالإلحاد هي النهضة لأنها علمانية. وعليه فلا ينبغي أن نقسم الشعب التونسي إلى إسلامي وعلماني كافر لأن هذا التقسيم لو استمر سيؤدي إلى تدمير كلي للمجتمع التونسي بل كلنا تونسيون .

تم عزلكم من الإمامة، هل تعتبر أن نقدكم للحكومة هو السبب؟

أصلا وزارة الشؤون الدينية رفضت تعييني منذ سنة ونصف رغم أن الملف كامل الشروط لأنني أحارب السلفية. ولكن بعد دعوتي لاستقالة الحكومة اتحد النهضاويون والسلفيون لإسقاطي وإنزالي من المنبر يوم الجمعة فاخترنا أن نكون دعاة سلام لا فوضى في بيوت الله.

على ذكر توحيد الصف الوطني هل تعتبر أن صعود حكومة اسلامية هو الذي أدى إلى انقسام التونسيين، وهدد الوحدة الوطنية؟

الذي ساهم في تشتت الصف الوطني هو التطرف اليميني والتطرف اليساري. إنه يشمل سياسيين ومثقفين، وعندنا تطرف من الجهتين، ونحن نميل إلى الوسط، ونقول إن تونس تسع الجميع ولا بديل عن الحوار والتنازلات وقبول الآخر مهما كانت خلفيته العقائدية والايديولوجية. وكثيرا ما حذرنا من الاستقطاب الثنائي الحاد وقلنا أنه سيؤدي إلى اختراق أمني وفوضى عارمة.

ولكننا اليوم وصلنا إلى مرحلة الاختراق وإراقة الدماء فمن هو المسؤول الاول عن هذا الوضع، سيما وأن الاغتيالات السياسية باتت تقترف بغطاء ديني؟

هذا الكلام الذي قلته عشرات المرات قبل سنة ونصف، وكنت نبهت من في الحكم والمعارضة من مغبة الوصول إلى هذا المنعرج. لكن السياسيون لا يسمعون إلا متأخرين.

كنا دائما ندعو إلى عدم تحزب رجال العلم الديني. وان يكونوا على مسافة من جميع الأطراف. بل وطالبنا أن يكونوا على مسافة واحدة ولا ينتخِبوا ولا يُنتخبوا، ولكن الشأن العام في البلاد لمّا يتدهور ويؤول إلى الفوضى والسقوط فمن واجب علماء الدين أن يصلحوا ذات البين بين جميع التونسيين سواء كانوا سياسيين أو غير سياسيين.

وقد كان اقتراحنا في الازمة الأخيرة وسطيا، فالمجلس التأسيسي خط أحمر يجب المحافظة عليه، مع وجوب تقييده في مهامه وزمانه حفاظا على حرمة ومبادئ الديمقراطية.

وفي نفس الوقت طالبنا باستقالة الحكومة واستبدالها بحكومة تكنوقراط بالكامل حتى يكون إشرافها القادم على الانتخابات غير مطعون فيه. وحتى نزيل فتيل التصادم، فلا نحن طالبنا بكل شيء كما طالبت به السلطة، ولا بإسقاط كل شيء مثلما طالبت المعارضة.

والصلح يقتضى التنازل من الطرفين ومبادرتنا هذه كانت سابقة لمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل الذي تبنى مضمونها فأيدناها، ولا نرى بديلا لهذه المبادرة إلا الفوضى التي ستكون سببا لاختراق امني وارهابي كبير ويخسر الجميع.

كيف ترى المخرج من الأزمة التي تتخبط فيها الحكومة حاليا خاصة مع تواصل اعتصام الرحيل وتمسك المعارضة بإسقاط الحكومة وحل المجلس الوطني التأسيسي؟

الأزمة الاقتصادية والاجتماعية لا حل لها إلا باستقرار السياسي والاستقرار الأمني. لذلك نحن أولوياتنا تنصب نحو وحدة الصف الوطني والمصالحة الشاملة والوحدة الوطنية الكاملة.

 وقد نادينا بضرورة حل الحكومة وتعيين حكومة كفاءات غير متحزبة تشرف على بقية المرحلة الانتقالية حتى نتمكن من عبور ما تبقى من هذه المدة بأقل الأضرار الاجتماعية الاقتصادية ونحقن الدماء ونقضى على الإرهاب المتربص بنا.

أنت رئيس جمعية دار الحديث الزيتونية، ما هدف هذه الجمعية؟

هي جمعية تكونت  في شهر أيار/ ماي 2011 على يد مجموعة من أهل العلم الشرعي، الذين درسوا في تونس وخارج تونس علوم الدين.

وهي جمعية ثقافية علمية تربوية اصلاحية تساهم في انجاح الثورة والمسار الانتقالي. وقد قمنا (المؤسسين) بالدعوة إليها فارتبط بها آلاف من الناشطين من جميع محافظات الجمهورية، ولها بعض الفروع في المحافظات الكبرى. وكذلك يأتيها الأجانب من أجل الدورات التعليمية واتاها ضيوف وشخصيات كثيرة من داخل وخارج تونس مثل أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد، ومن جامعة باريس وليبيا والجزائر وكذلك من جامعة أوكسفورد ومن جميع دول العالم مثل الحبيب عمر من اليمن. وهي تقوم بعدة نشاطات إعلامية ومؤتمرات في ما يخص الشأن العام من أجل التوعية والإصلاح وتوحيد الصف الوطني .

هل للجمعية برنامج أو خطة لمكافحة السلفي التكفيري وقد ثبت حسب مصادر رسمية أن من أصحاب هذا الفكر من هو ضالع في ما يدور في جبل الشعانبي وفي الاغتيالات السياسية؟

نحن نفوذنا معنوي على المجتمع حيث وجدنا قبولا شاسعا من الشعب التونسي في رفض الفكر الوهابي المتطرف. ولكن الإشكال هو في وزارة الشؤون الدينية حيث لم تتصد لهؤلاء الذين مازالوا يعتلون المنابر التونسية وبعضهم برخص وبعضهم يحرض على العنف والتكفير. لهذا نشدد على حكومة تكنوقراط لان وزارة الشؤون الدينية متهمة برعاية الإرهاب.