يجمعهن النشاط السياسي المعارض لحكم النهضة، ولكن يجمعهن أيضا ذلك الاحساس بالألم على فقدان الشريك والرفيق.

بسمة الخلفاوي ومباركة عواينية وإسلام الزاهي وهدى نقض، أسماء لأربع أرامل تونسيات لم يكبلهن الألم ولم تثنيهما الفاجعة من الانخراط في صفوف المعارضة ومتابعة مسيرة ازواجهن، فصرن من أبرز القيادات الميدانية والسياسية في حقبة الاغتيالات التي تعيشها البلاد.

البراهمي “لم يمت”

يجمعهن النشاط السياسي المعارض لحكم النهضة، ولكن يجمعهن أيضا ذلك الاحساس بالألم على فقدان الشريك والرفيق.

بسمة الخلفاوي ومباركة عواينية وإسلام الزاهي وهدى نقض، أسماء لأربع أرامل تونسيات لم يكبلهن الألم ولم تثنيهما الفاجعة من الانخراط في صفوف المعارضة ومتابعة مسيرة ازواجهن، فصرن من أبرز القيادات الميدانية والسياسية في حقبة الاغتيالات التي تعيشها البلاد.

البراهمي “لم يمت”

مباركة عواينيّة، زوجة الراحل محمد البراهمي القيادي في التيار الشعبي ذو التوجه القومي العروبي، تعطي للوهلة الأولى انطباعا بأنها امرأة بسيطة لا تستهويها السياسة، لكنها فاجأت الحاضرين وكل من هبوا إلى المستشفى يوم اغتيال زوجها ووالد أبنائها الخمسة محمد البراهمي في 25 تموز/ يوليو 2013 برباطة جأشها.

فالسيدة التي رافقت بصحبة أبنائها جثمان زوجها إلى مثواه الأخير في يوم حار رافعة العلم وشارة الانتصار كانت تعزي الجماهير الغفيرة في مصابها. وتحولت مباشرة إثر مراسم الدفن إلى ساحة اعتصام الرحيل أمام المجلس الوطني التأسيسي، وألقت خطبة جماهيرية هناك.

ومنذ البداية أكدت عواينية للحضور أنها تدرك هدف من رمّلوها، وأعلنت على الملأ أنها ستواصل مسيرة زوجها دفاعا عن حقه وعن حق من كان يدافع عنهم البراهمي من أبناء تونس وابناء جهته سيدي بوزيد التي انطلقت منها شرارة الثورة.

وفي باردو أكدت السيدة البراهمي أن زوجها القومي العروبي الناصري “لم يمت” وأنها عازمة على مواصلة المسيرة ودعم كل تحرّك شعبي من أجل تونس الديمقراطيّة قائلة ان دماء زوجها كانت “ثمنا لمعركة الديمقراطيّة”.

أما في سيدي بوزيد، وسط أهلها، فبدت خلال الجنازة الرمزية وموكب العزاء الشعبي أكثر قوة، وكان خطابها أكثر حماسة من خطابها بالعاصمة، خصوصا انه لزوجها الراحل ولشقيقها خالد عواينية دور كبير في تأطير وقيادة الحراك الشعبي في تلك الجهة إبان الثورة التي انتهت بسقوط نظام بن علي.

فأعلنت عواينية صراحة في خطاب سيدي بوزيد تحديها السلطة وحركة النهضة التي حمّلتها مسؤولية اغتيال السياسيين في تونس، وقالت أنها ستواصل مع رفاقها في الجبهة الشعبية ما بدأه زوجها مهما كان الثمن الذي ستدفعه.

“الحرية أغلى من الدم”

بعد يوم واحد من ترمّل مباركة عواينيّة ظهر اسم جديد على قائمة أرامل السياسيين التونسيين، هو إسلام الزاهي، التي كان زوجها محمد بالمفتي المنتمي أيضا للجبهة الشعبية يحمل على كتفه نعشا رمزيا للفقيد محمد البراهمي مساء الجمعة 26 تموز/ يوليو في مسيرة غاضبة دعا إليها الاتحاد الجهوي للشغل (التابع للاتحاد العام التونسي للشغل) بمحافظة قفصة في الجنوب الغربي حين باغتته عبوّة غاز مسيل للدموع على رأسه أثناء عمليه تفريق قوات الأمن للمتظاهرين، أردته قتيلا.

وبرغم حزنها العميق على زوجها حافظت إسلام الزاهي بدورها على صلابتها وأكدت في لقاء اعلامي عقدته في قفصة أنها  تنوي تتبّع قتلة زوجها قضائيا مطالبة وزارة الداخلية بفتح تحقيق في هذه الحادثة خاصة وأن شهود عيان أكدوا أن عملية الاغتيال كانت بسبب “وحشية الامنيين” في استخدام الغاز المسيل للدموع.

وأكدت اسلام الزاهي أنه لا يمكن تفسير هذه العمليّة سوى بالقول إنّها “عمليّة قتل مدبّرة وعمليّة اغتيال مباشر” لزوجها السياسي المعارض محمد بالمفتي. كما أعربت عن نيتها مواصلة مسيرة زوجها السياسية، إيمانا منها بأن “الحرية أغلى بكثير من الدم المراق على أرض تونس”. 

الخلفاوي تبحث عن الحقيقة

بسمة الخلفاوي أرملة شكري بلعيد أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد وأحد مؤسسي الجبهة الشعبيّة، الذي اغتيل صباح 6 شباط/ فبراير أمام منزله دخلت منذ ذلك التاريخ في معركة وجود مع أعداء زوجها ومن تعتبرهم أعداء للحرية وللرأي المخالف.

فلم تتردد المحامية بسمة الخلفاوي في أن تجيب من رمّلوها صباحا بتحيّة النصر عشيّة ذات اليوم وهي تلتحف بمعطف وردي اللون وتترجّل في شارع الحبيب بورقيبة. ولم تتردد أيضا منذ ذلك التاريخ في استغلال كل المنابر السياسية والإعلامية لإحراج السلطة وإشعارها بالتقصير في إماطة اللثام عن الاطراف التي تقف وراء اغتيال زوجها.

تحركات بسمة الخلفاوي الحقوقية ذات الانتماء اليساري تجاوزت حدود تونس، حيث عملت جاهدة منذ 6 شباط/ فبراير الماضي على أن يكون ملف بلعيد معها أينما حلت.

وقد تمكنت  بفضل هذا الإصرار من حشد دعم  كبير من عدد من المنظمات والجمعيات في الدول العربية، كما قامت بتدويل قضية زوجها وتشكيل هيئة دفاع عن قضية شكري بلعيد تضم مجموعة من أفضل المحامين المختصين في الترافع في قضايا الاغتيال السياسي.

أرملة بلعيد التي يلقبها تونسيون كثر بالمرأة الحديدية والتي تحولت إلى قائدة للتحرّكات الميدانية ترابط منذ بداية اعتصام الرحيل المنادي بسقوط الحكومة مع المعتصمين في ساحة باردو بالعاصمة، وتلقي خطابات تذكر كثيرا بخطابات زوجها الحماسية والتي لطالما أقلقت خصومه السياسيين.

أم ّالأرامل

هدى نقض كانت أولى التونسيات اللّاتي ترملن جرّاء العنف السياسي، فقدت هذه المرأة زوجها لطفي نقّض ظهر 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2012 عقب سحله في مسيرة احتجاجيّة جاءت “لـتطهير الفرع الجهوي لمنظمة الفلاّحين من بقايا رجالات النظام السابق على حدّ قول منظمي هذه المسيرة” وهم جمعية رابطة حماية الثورة بمحافظة تطاوين في الجنوب التونسي.

ورفضت هذه الأرملة عرض المفوضية السامية لحقوق الانسان بتمكينها وعائلتها من اللجوء اللسياسي معلنة إصرارها على ملاحقة المجرمين الذين تسبّبوا في وفاة زوجها.

وهي لا تتوانى في كل المناسبات عن التذكير بهذه القضية وحث السلطات القضائية على الاسراع في تحديد هوية القتلة والأطراف الواقفة وراءهم وتقديمهم إلى العدالة.

صمود مباركة وإسلام وبسمة وهدى، انعكس أيضا على زوجات وعوائل الجنود  الذين قضوا في جبل الشعانبي مساء 29 تموز/ يوليو في معركتهم ضد التيارات الجهادية المتحصنة في الجبال على الحدود التونسية الجزائرية، فجاءت تصريحات تلك العوائل مستلهمة رباطة الجأش نفسها، لتثبت أرامل الشهداء أن الرصاص الذي أخرس صوتا فجّر أصواتا.