في ساحة باردو حيث المجلس التأسيسي وفي ساحة القصبة حيث مقر الحكومة تبدو الحركة غير عادية. تدفق الآلاف من المعتصمين بمحيط مقر المجلس الوطني التأسيسي للمطالبة بحله وللإفطار هناك منذ 28 تموز/ يوليو الماضي، وفي المقابل احتشد الآلاف من أنصار الحكومة المؤقتة مساء 3 آب/ أوت في ساحة القصبة “لتثبيت شرعية الحكومة والدفاع عنها”.

من بعيد تبدو الشوارع المحاذية للمجلس شبه مقفرة قبل آذان المغرب بدقائق، وبالاقتراب من المكان يتغير المشهد حيث تظهر أفواج المعتصمين المحاطين بالأعلام واللافتات.

في ساحة باردو حيث المجلس التأسيسي وفي ساحة القصبة حيث مقر الحكومة تبدو الحركة غير عادية. تدفق الآلاف من المعتصمين بمحيط مقر المجلس الوطني التأسيسي للمطالبة بحله وللإفطار هناك منذ 28 تموز/ يوليو الماضي، وفي المقابل احتشد الآلاف من أنصار الحكومة المؤقتة مساء 3 آب/ أوت في ساحة القصبة “لتثبيت شرعية الحكومة والدفاع عنها”.

من بعيد تبدو الشوارع المحاذية للمجلس شبه مقفرة قبل آذان المغرب بدقائق، وبالاقتراب من المكان يتغير المشهد حيث تظهر أفواج المعتصمين المحاطين بالأعلام واللافتات.

الإرهاق بادئ على محيا المرابطين بساحة باردو وما استطاعوا ان ينكروا شعورهم به. فعدد كبير من المعتصمين، من بينهم أعضاء المجلس الوطني التأسيسي الذين جمدوا عضويتهم فيه، لم يتخلوا عن المطالبة برحيل المجلس وحل الحكومة المؤقتة.

إفطار بين الأسلاك الشائكة

على مقربة من خيمة الاعتصام وغير بعيد عن المنصة الرئيسية ينشغل عشرات من الشباب والنساء بتوزيع وجبات الإفطار على من التحق بالاعتصام، وباتوا يفضلون الإفطار مع المعتصمين بانتظار أن يلتحق بهم بقية المتظاهرين طيلة الليل.

بين الأسلاك الشائكة المحيطة بالمجلس الوطني التأسيسي، للفصل بين أنصار الحكومة المؤقتة ومعارضيها الذين تزايدت بينهما حدة الانقسام بعد تعدد عمليات الاغتيال، اتخذ رشاد شوشان موضعا له متهيئا للإفطار.

رشاد شوشان -30 عاما- قدم إلى ساحة باردو منذ انطلاق اعتصام الرحيل، واسوة بباقي المتظاهرين الغاضبين تردد حنجرته حتى انبلاج الفجر من كل يوم عبارة الثورة الشهيرة “ارحل.. ارحل” وشعارات معادية لحركة النهضة ذات الاغلبية الحاكمة التي يحملونها المسؤولية السياسية في تكرار الاعتداءات على الجيش وفي ارتكاب عملية اغتيال ثانية لأحد زعماء المعارضة وهو محمد البراهمي بعد شكري بلعيد.

[ibimage==8283==Small_Image==none==self==null]

ترك رشاد الناشط السياسي والحقوقي منزله والتحق بالآلاف من التونسيين في اعتصام “الرحيل” معلنا أنه لن يقبل بأقل من إسقاط الحكومة الحالية، وبإنهاء استحواذ حركة النهضة على السلطة والالتفاف على مطالب الثورة وفق ما أكد لـ “مراسلون”.

قبل ساعة من موعد أذان المغرب، تنطلق عملية الإعداد لمائدة إفطار من قبل لجنة التموين الخاصة بالاعتصام، والتي كونتها جبهة الإنقاذ الممثلة لأبرز الأحزاب السياسية المعارضة على غرار الجبهة الشعبية والاتحاد من اجل تونس اضافة لعدد من المنظمات.

[ibimage==8289==Small_Image==none==self==null]

CAPTION TEXT

ينطلق الجمع في توضيب الأطباق والمشروبات الغازية والمياه والفواكه التي جلبها المتطوعون من المنازل المجاورة، او من غيرها اضافة الى التحاق عدد من الاسر التونسية بالاعتصام للمشاركة في الافطار الجماعي وقد جلبت معها أطباق أعدتها في البيوت لمشاركتها مع المعتصمين.

 غير بعيد عن موائد الافطار تقف سيارة سوداء تترجل منها امرأة في عقدها الرابع تتجه الى صندوق السيارة لتشرع في سحب ما اخفته فيها من مأكولات ومشروبات وفواكه جلبتها لتتقاسمها والمعتصمين.

متطوعون بالكسكسي

هذه السيدة التي رفضت ان تفصح عن اسمها أو ان تلتقط لها صورة، قدمت الى ساحة باردو محملة بأشهى الاطباق التونسية “الكسكسي”، وبالاقتراب منها وسؤالها قالت لـ”مراسلون”، “هذا الشباب يعيد لنا الأمل في أن نستعيد تونس من حكم الإخوان ومن التهديدات الإرهابية التي نراها وباتت تنغّص علينا حياتنا، وأقل واجب نقوم به هو أن ندعم المعتصمين بما نستطيع، وأن نقف إلى جانبهم”.

يرتفع صوت اذان المغرب ليعلن انتهاء ساعات الصيام، فينغمس رشاد شوشان في تناول وجبة إفطاره -شربة شعير وسلطة وطبق من الكسكسي- على مهل ليتهيأ لاستئناف التظاهرات الاحتجاجية الليلية مع بقية من يشاطرونه الرأي في الساحة منذ بداية اعتصام “الرحيل” قبل أيام للمطالبة بإسقاط الحكومة التي يتهمونها بالفشل في تسيير شؤون الدولة مما اسفر عن “استفحال الازمات في عهدها والتي لم يسبق وان عايشتها البلاد في تاريخها المعاصر” على غرار “الاغتيالات ونصب الكمائن لقوات الجيش التونسي”، كما يقول.

وترتفع صور الشخصيات السياسية التي تم اغتيالها، وفي مقدمتها المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، كما ترفع أعلام تونس وشعارات عديدة، منها ما هو مساند للجيش والأمن، ومنها ما يدعو إلى إسقاط الحكومة والمجلس التأسيسي وينتقد ظاهرة العنف والإرهاب.

وعلى وقع هذا النسق تمضى ايام رشاد شوشان ومن معه في اعتصام الرحيل، ليستمر التجاذب السياسي بسبب حالة انسداد قنوات الحوار بين الحكومة والمعارضة، حيث تصر الأخيرة على تشكيل حكومة إنقاذ وطني من شخصيات مستقلة غير متحزبة وتشكيل لجنة خبراء لإنهاء وضع الدستور، إضافة إلى مراجعة التعيينات الإدارية وفق ما قاله النائب المعارض عصام الشابي عن الحزب الجمهوري والذي انسحب من المجلس التأسيسي.

انتهت وجبة الافطار فانتفض الجمع لينصرف كل منهم لمهمة أعدّ لها من قبل، جمع الكراسي، حملة تنظيف وتهيئة الساحة لاستقبال زوارها الليلين، لتصبح ساحة باردو على امتدادها فضاء يتوزع بين ثناياه شبان تونسيون، بعضهم يخط شعارات على اللافتات والبعض الآخر يعلقها، واخر يعزف وصديق له يغني، وعلى منصّة الاعتصام، ينشغل اخرون بأعداد أجهزة الصوت والإضاءة.

لأنصار النهضة إفطارهم

في الطرف الاخر من العاصمة وعلى مقربة من قصر الحكومة بالقصبة بدا الغضب جليا على محيا  المتظاهرين المؤيدين للحكومة المؤقتة، الذين التحقوا بوقفة مساندة الشرعية التي دعت اليها حركة النهضة، الحزب الحاكم منذ ما يزيد عن عام ونصف.

واحتشد المؤيدون بكثافة ليلة السبت الماضي بعد ان استقدمتهم حركة النهضة من الجهات الداخلية للبلاد في حافلات نقل عمومي.

حمزة القروي أحد الشبان الملتحقين بالقصبة لنصرة “الشرعية” والذود عن “الاسلام” يعتقد أن المعارضة اليسارية و”أزلام النظام السابق” يسعون إلى “تدمير البلاد بدعوتهم إلى حل المجلس التأسيسي”.

ومن اجل الحيلولة دون ذلك ترك حمزة القروي منزل اهله بمدينة القيروان التي تبعد 150 كلم عن العاصمة والتحق بساحة القصبة ليدافع عن الحكومة وخاصة عن المجلس التأسيسي الذي “شارف على الانتهاء من وضع الدستور” والاعداد للانتخابات نهاية هذا العام.

في بهو مسجد القصبة وقف حمزة يتناول وجبة افطاره، أرز وسلطة وطاجين وهي الوجبة التي أعدت لهم من قبل لجنة تنظيم الوقفة الاحتجاجية التابعة لحركة النهضة، قبل ان يكملوا السهرة على ترديد هتافات مثل “تونس لا يوجد فيها سيسي.. والشرعية للتأسيسي” وليعبروا عن امتعاضهم من الدعوة لحل المجلس التأسيسي واسقاط الحكومة “المنتخبة”.

ويقول حمزة القروي لـ”مراسلون” إن الهدف من مشاركته يوم السبت 3 آب/ اوت في وقفة مساندة الشرعية بالقصبة هو “الدفاع عنها (الشرعية) حتى لا تسقط البلاد في الفوضى”. وأساس ذلك هو “الدفاع عن الاسلام ضد أعدائه”، حسب تعبيره.

الفرق بين شابين يتقاربان في السن ويتباعدان في الانتماء والاهواء ليس حالة عرضية بل هو سمة المجتمع التونسي اليوم الذي بات يعاني من الانقسام الحاد، قسم يدافع عن الله والدين حسب اعتقاده وجزء آخر يدافع عن الحرية والديمقراطية التي يطمح إليها.