نجلاء امرأة ريفية وأم لخمسة اطفال، تقطن بمنطقة بئر الشعبة التابعة لمعتمدية الحمامات (60 كلم شرق العاصمة) كانت  تقف فى الطابور كغيرها من اهالي المنطقة تحمل بيدها وعاءً وتمسك بيدها الاخرى ابنتها الصغيرة في انتظار أن يحين دورها لتظفر ببعض اللترات من الماء علها تطفئ عطشها  وعطش أطفالها.

نجلاء امرأة ريفية وأم لخمسة اطفال، تقطن بمنطقة بئر الشعبة التابعة لمعتمدية الحمامات (60 كلم شرق العاصمة) كانت  تقف فى الطابور كغيرها من اهالي المنطقة تحمل بيدها وعاءً وتمسك بيدها الاخرى ابنتها الصغيرة في انتظار أن يحين دورها لتظفر ببعض اللترات من الماء علها تطفئ عطشها  وعطش أطفالها.

بنبرة تعكس المعاناة التي تعيشها، تحدثت لـ “مراسلون” عن المشاكل اليومية التي اعترضتها منذ أن تزوجت وسكنت في تلك المنطقة، بسبب الانقطاع المتواصل للماء الصالح للشرب. “إنني اجد صعوبة كبيرة في تنظيف بيتي واستحمام اطفالي الخمسة خاصة وانهم لا يزالون في سن صغيرة. زد على ذلك أننا نضطر في بعض الاحيان الى البقاء يوما كاملا دون ماء”.

عطش في الافراح والمناسبات

تتنهد نجلاء ثم تضيف “أطفالي لا يصبرون على انقطاع الماء خاصة في فصل الصيف لأنهم يلعبون ويركضون ما يزيد في احساسهم السريع بالعطش”.

كانت نظرات نجلاء أثناء حديثها مركزة على السيارة وعلى أوعية الماء، وكأنها تخشى من أن تنفذ الكمية دون الحصول على مبتغاها فترجع فارغة اليدين.

تلقي نظرة خاطفة على بقية الواقفين في الطابور ثم تضيف كمن يستجدي عطفا “نحن لا نطلب المستحيل، نريد فقط أن نتزود بالماء الصالح للشراب كباقي المناطق ونتخلص من كابوس انقطاع المياه، خاصة وأننا فلاحون وبحاجة لري حقولنا وحماية عائلاتنا وماشيتنا من العطش والهلاك”.

من أسوأ ذكريات نجلاء في هذه القرية انقطاع الماء الصالح للشراب أيام عيد الاضحى، مما عكر صفو فرحة المتساكنين بالعيد، واضطرارهم، رغم قلة إمكانياتهم المادية، إلى شراء قوارير المياه خلال حفلات الأعراس والمناسبات.

استنزاف للمائدة المائية

كريم مهندس فلاحي من منطقة الكرايمية التابعة لولاية نابل (65 كلم شرق العاصمة)  لم تمكنه شهادته العلمية من حل مشكل منطقته ومناطق ريفية أخرى لأن المسألة أصبحت معقدة حسب رأيه “وبحاجة الى  تدخل سريع من السلطات الحاكمة من أجل إنقاذ المنطقة من خطر العطش الذي بات وشيكا”.

يقدم كريم لـ “مراسلون” تفسيرا علميا  لتوضيح سبب ندرة المياه في هذه الجهة قائلا “تتطلب زراعة القوارص والفراولة والكروم كميات كبيرة من الماء ما دفع بالفلاحين الى حفر آلاف الآبار السطحية منها والعميقة والتي بلغت نحو 29 الف بئر على مستوى كامل ولاية نابل مما أدى إلى استنزاف المائدة المائية”.

ويسبب حفر المزارعين للمزيد من الآبار العميقة، التي تتجاوز 120 مترا، في تسرب المياه المالحة من البحر.

ويرى كريم أنه رغم وجود 5 سدود بولاية نابل و38 بحيرات تلية إلا أن مستوى التعبئة لا يزال دون المطلوب. فمن جملة 150 مليون متر مكعب من مياه الامطار لا يتم استيعاب سوى 90 مليون متر مكعب في السدود والبحيرات وتضيع كميات هائلة منها إما في البحر أو تصرف في وديان تفيض على الحقول.

كل هذه العوامل كانت سببا في تأزم الوضعية التي باتت تنذر المنطقة بالعطش خاصة مع تزايد الطلب و تراجع مخزون الماء الذي لم يعد قادرا على تحقيق الاكتفاء الذاتي خاصة أوقات الذروة وفي فصل الصيف  .

وفي حديثه مع “مراسلون” لم يخف كريم استغرابه مما اعتبره موقفا سلبيا  للسلطات المعنية التي تغاضت، وفق تقديره، عن عدة جزئيات مهمة كانت السبب الرئيسي في تفاقم المشكل.

عودة المياه وتواصل تذمر الأهالي

حتى عندما تعود المياه للتدفق في خزانات البيوت، يتواصل تذمر الأهالي. ومرد ذلك حسب ما أوضحت آمال التي تقطن المنطقة ذاتها، هو أن الماء عند عودته لا يتميز بالجودة المطلوبة. فلونه يميل الى الحمرة وكأنه ممزوج بالتراب كما أن طعمه ورائحته مختلفان عن العادة.

وحسب ما أفاد به لـ “مراسلون” عثمان بن عبد الله مدير فرع نابل بالشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (الصوناد)، فإن سبب الانقطاع المتكرر للماء خارج عن نطاق الشركة راجع أساسا إلى تضرر على مستوى القناة الرئيسية التي تنقل الماء إلى المناطق الريفية مما اضطر الشركة الى قطع الماء.

وأوضح أن عدم التزام المتساكنين بتسديد الفواتير مثل أحد العوامل التي تسببت في تراكم ديون الشركة.

ويوجد جمعيات مائية تقوم بدور الوسيط بين الشركة والمتساكنين باعتبارها تتولى عملية ايصال الماء من القنوات الرئيسة للشركة الى المناطق الريفية. 

وهذه الجمعيات تابعة للمجمع الفلاحي التنموي وهو مؤسسة شبه حكومية تحت اشراف اربع وزارات هي الفلاحة والصحة والداخلية المالية.

لكن هذه الجمعيات بدورها أصبحت، حسب ما أكده مدير الشركة بنابل، تشكو من عديد الإخلالات. فالقنوات التي تستخدمها لضخ المياه أصبحت غير قادرة على ضخ كميات كبيرة مما جعل الماء لا يصل الى المناطق المرتفعة لضعف مستوى الضخ وهو ما  يتسبب في انقطاعه المتواصل.

وفي السياق ذاته أكد تقرير صادر عن اللجنة الفنية المكلفة بإجراء تحقيق حول ظروف وأسباب الاضطرابات الحاصلة والمتسببة في انقطاع الماء، أن السبب الحقيقي للازمة راجع بالأساس إلى نقص التنسيق بين الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه والشركة التونسية للكهرباء والغاز، وغياب خطة تدخل  ناجعة وقت الازمات، وعدم وجود برنامج لمجابهة الحاجيات الاضافية من مياه الشرب وقت الذروة.

كما جاء في التقرير أن من أهم النقائص يكمن في التأخر في انجاز دراسة لجملة من المشاريع التنموية لتدعيم منظومة جلب وتوزيع المياه بمناطق الوطن القبلي (الاسم الذي يطلق على جهة نابل).

رب ضارة نافعة

تماشيا مع حاجة السكان الاكيدة الى الماء الصالح للشراب اختار رياض ددش أصيل مدينة قليبية التابعة لولاية نابل أن يعمل بائعا متجولا للمياه. عن هذه المهنة الجديدة، يقول لـ “مراسلون”: ”أقصد يوميا عين سيدي داود بمدينة قليبية وهي العين الوحيدة الموجودة بالمنطقة اتنقل الى هناك على متن شاحنتي منذ الصباح الباكر لتفادي الازدحام فأملأ الحاويات بالماء ثم أقوم بجولة على قرى الجهة لأبيع الماء للأهالي  بسعر مائتي مليم للتر الواحد.

ويشير بيده إلى مكان العين قائلا “من يقصد منبع الماء هذا وقت الذروة يضطر للانتظار طويلا لأن الجميع بحاجة لجلب الماء للشرب أو الاستحمام. بل هناك أيضا من يملك بئرا في منزله لكنه يقصد هذه العين لأنه تعود على شرب مائها العذب ويفضله على غيره من المياه”.

ويعتبر ددش أن الجمعيات المائية  لم تنجح في إيجاد حل ناجع خاصة وأنها تقوم بتوزيع الماء على المواطنين بالتناوب. لكنه يرى أن كل هذه المشكلات – رغم مساوئها- كانت سببا في خلق مورد رزق للعديدين مضيفا بابتسامة “رب ضارة نافعة”.

ينهي رياض حديثه ثم يواصل طريقه نحو زبائنه الذين لم يلتقوا “سقّاءً” منذ عقود.