بينما كان عبد الرحمن عائداً من مزرعته التي تبعد مسافة 70 كيلومتراً عن مدينة طبرق (أقصى الشرق الليبي) رفقة ابنه الأكبر محمد، فإذا بشاب يقود سيارة حديثة بسرعة تفوق 160 كم/ساعة، يصطدم بمؤخرة سيارته ليفقد السيطرة عليها وتندفع إلى الطريق المعاكس، ويجد نفسه هو وابنه في مواجهة شاحنة محملة بمواد بناء، صدمت سيارته ما أدى لوفاته ووفاة ابنه.

ترك عبد الرحمن خلفه أسرة مكونة من 4 أطفال وزوجته الأرملة، أصغر أطفاله عمره 8 سنوات مصاب بداء التوحد، وابنته عمرها 12 سنة تعاني هي الأخرى من إعاقة جسدية، وابنتين أخريين إحداهما في المرحلة الإعدادية والأخرى تدرس في الجامعة.

بينما كان عبد الرحمن عائداً من مزرعته التي تبعد مسافة 70 كيلومتراً عن مدينة طبرق (أقصى الشرق الليبي) رفقة ابنه الأكبر محمد، فإذا بشاب يقود سيارة حديثة بسرعة تفوق 160 كم/ساعة، يصطدم بمؤخرة سيارته ليفقد السيطرة عليها وتندفع إلى الطريق المعاكس، ويجد نفسه هو وابنه في مواجهة شاحنة محملة بمواد بناء، صدمت سيارته ما أدى لوفاته ووفاة ابنه.

ترك عبد الرحمن خلفه أسرة مكونة من 4 أطفال وزوجته الأرملة، أصغر أطفاله عمره 8 سنوات مصاب بداء التوحد، وابنته عمرها 12 سنة تعاني هي الأخرى من إعاقة جسدية، وابنتين أخريين إحداهما في المرحلة الإعدادية والأخرى تدرس في الجامعة.

تقول الابنة الكبرى إيمان في حديثها لمراسلون “لم يعد لنا ظهر يحمينا ونعتمد عليه فلقد ذهب أبي وأخي، الحياة أصبحت مظلمة بعدهما”، فيما تقول شقيقتها هدى “لا زلت أنتظر أن يدخل أبي كلما طرق أحد باب بيتنا”.

موت يومي

لا يكاد يمضي يوم في مدينة طبرق دون أن تسمع فيه خبر فاجعة خلفها حادث سير، من مقتل شاب يوم عرسه، إلى وفاة أم لعدة أطفال، إلى وفاة طفل صغير لم يخبر الحياة بعد، فضلاً عمن يصابون بعاهات مستديمة تصبح حياتهم معها صعبة عليهم وعلى من حولهم.

يقول حامد محمد طبيب الجراحة العامة بمركز طبرق الطبي “إننا نستقبل ضحايا مابين 2 إلى 5 حوادث سير يومياً، وعدد الوفيات جراء هذه الحوادث يتراوح بين شخص إلى اثنين كل يوم”، ويوضح حامد “هذا العدد مرتفع جداً إذا ما قارناه بأسباب الوفاة الأخرى مثل الإصابات بالطلق الناري، أو الحروق أو الأمراض الجراحية الأخرى”.

ويضيف “إن معظم مصابي الحوادث ينتهي بهم الأمر إلى الإعاقة، كإزالة الطحال أو الكلى لتهتكها، أو بتر ساق المصاب أو شلل كامل”.

سحب السيارات

الأثر المباشر للحوادث على الأشخاص ليس هو كل شيء، فهناك أيضاً ما ينتج عنها من مشاكل اجتماعية ونفسية، وخسائر مادية ضخمة في الممتلكات العامة والخاصة، وبحسب إحصائية أجراها عدد من الأطباء في مركز طبرق الطبي، فإن حوادث السير أصبحت السبب الأول للوفاة في المدينة، بحيث فاقت الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والسرطانات مجتمعة.

طبيب الباطنة في المركز أحمد عبد الله يقول من جهته “لا توجد أية مقارنة بين عدد الوفيات الناجمة عن حوادث السير وعدد الوفيات الناتجة عن الأمراض الباطنية مجتمعة”، ويضيف متهكماً بمرارة “الحوادث أصبحت أكثر خطراً حتى من السلاح، بل إن سحب السيارات من الليبيين أصبح أولى من سحب السلاح”.

إحصائيات

بحسب إحصائية أطباء مركز طبرق التي تعتبر أو إحصائية دقيقة حول هذا الموضوع في المدينة، فإن عدد المصابين جراء الحوادث كان في عام 2005 حوالي 278 حالة توفي منهم 19 شخصاً، أما في عام 2010 فقد بلغ عدد المصابين 347 حالة، ليرتفع في عام 2011 إلى 540 حالة توفي منهم 15 في 4 شهور فقط.

وبحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة حول أخطار حوادث السير في العالم فإن “إحصائيات حوادث المرور في ليبيا تظهر أن عام 2012 سجل وقوع أكبر عدد حوادث طرق، وصلت إلى حوالي 2122 حادثاً، في حين بلغت الخسائر المادية لحوادث الطرق نحو 19 مليون دولار، وقد تصل حالات الوفاة بسبب الحوادث في ليبيا إلى 25 حالة يومياً في السبع سنوات القادمة إذا لم تتخذ أي إجراءات” بحسب التقرير.

حرية والتزام

يقول شرطي المرور عثمان علي حربي لمراسلون “إن سائقي السيارات يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية في قوع مثل هذه الحوادث، فالتهور وتجاوز السرعة المسموح بها، وعدم لبس حزام الأمان أثناء القيادة، وعدم التزام مسلك الجانب الأيمن للطريق عندما تسير المركبة بالسرعة البطيئة أصبحت أموراً اعتيادية”

بالإضافة إلى نقص الانتباه والتركيز من السائق، حيث “سُجلت الكثير من حالات الحوادث بسبب القيادة تحت تأثير الخمور و المخدرات” يقول حربي.

ويضيف “كذلك الازدحام وعدم توفر شروط السلامة على الطرقات العامة بالمنطقة، من حيث انعدام عمليات الصيانة، وتعطل الإشارات الضوئية هي من أهم أسباب ازدياد هذة الظاهرة”.

ولا ينسى حربي أن يذكر بأنه “للمواطن الحرية في أن يقود سيارته، إلا أن هناك التزامات كثيرة تترتب على قيادتها، كل الحريات مقيدة بعشرات الالتزامات والواجبات”.

جروح نفسية

الإهمال في قواعد قيادة السيارت، وما ينتج عن حوادث السير من ازدياد عدد الفئات المجتمعية التي تحتاج للرعاية مثل الأيتام والمعاقين، هي محور مهم يحتاج الكثير من التركيز والعمل على إيجاد حلول له.

يقول حمود الشريف أستاذ علم النفس الاجتماعي المساعد إن “الجروح النفسية التي يصاب بها الذين يتعرضون للحوادث المرورية  قد تلازمهم زمناً طويلاً جداً، حتى بعد أن تشفى الجروح الجسدية، ولذالك فإن شركات التأمين في الدول المتقدمة تدفع تعويضات كبيرة عن آثار الجروح النفسية الناجمة عن حوادث السيارات”.

ولكن شركات التأمين في ليبيا تدفع التأمين للمتضرر فقط وليس  لمالك السيارة، والشاحنة التي صدمت عبد الرحمن لمن يكن عليها تأمين، وبالتالي فلم تحصل الأسرة علي مبلغ تأمين بحسب تأكيدهم لمراسلون.

وانتهى الأمر بأن سامحت قبيلة عبد الرحمن قبيلة صاحب الشاحنة، وأسقطت عنه أي التزام مادي تجاههم، وهذا ما يحدث عادة في مدينة كطبرق تسيطر عليها القبلية، خصوصا في غياب أي حضور لإدارة المرور، حيث لم يعد رجال المرور إلى عملهم في المدينة بعد الثورة، عدا بعض المتطوعين الذين يتواجدون عند الإشارات الضوئية وفي أوقات معينة حيث يكون الازدحام كبيراً، ولا يشعرون بخطر على حياتهم.

إزاء واقع السير المأساوي، يبقى الاهتمام بهذه المشكلة التي تفتك بالكثير من المواطنين رهن التأجيل، حيث لا أحد يلتفت في ظل الظروف الأمنية الراهنة إلى ضرورة الإسراع في صيانة الطرقات العامة، أو إنشاء برامج توعوية لنشر مفاهيم السلامة العامة واحترام القوانين والأنظمة، وتعميم مبادئ القيادة السليمة لدى الشباب، والتي يبقى الهدف الأول منها الحفاظ على أرواح المواطنين.