يكاد لا يصدِّق أحد خبر رحيل الناشط السياسي عبدالسلام المسماري حتى بعد مرور أيام، فلم يكن يخطر في البال رحيله بهذه الطريقة، رغم توقع أصدقائه وقناعته أيضاً بالرحيل، فالرجل يعرف كل المقربين منه أنه كان يتعرض للتهديد بشكل متواصل.

المسماري أصيب بعيار ناري نافذ أصاب أعلى القلب واستقر في الضلوع، عقب أدائه صلاة ظهر الجمعة الثالثة من رمضان، وبحسب رواية شهود العيان فإن المسماري كان آخر الخارجين من المسجد.

يكاد لا يصدِّق أحد خبر رحيل الناشط السياسي عبدالسلام المسماري حتى بعد مرور أيام، فلم يكن يخطر في البال رحيله بهذه الطريقة، رغم توقع أصدقائه وقناعته أيضاً بالرحيل، فالرجل يعرف كل المقربين منه أنه كان يتعرض للتهديد بشكل متواصل.

المسماري أصيب بعيار ناري نافذ أصاب أعلى القلب واستقر في الضلوع، عقب أدائه صلاة ظهر الجمعة الثالثة من رمضان، وبحسب رواية شهود العيان فإن المسماري كان آخر الخارجين من المسجد.

اعترضت طريقه سيارة “تويوتا لاند كروزر”، صاح عبر نافذتها مجهول غير ملثم “عبدالسلام!” وانطلق بسيارته مسرعاً، حتى أن رفيق الفقيد القاضي جمال بالنور لم يتوقع أنه أصيب، لكن القناص المجهول كان قد أنهى مهمته وسط ذهول الجميع.

وفيما أنشغل الحقوقيون ورفاق المسماري في التحضير لمراسم الدفن، تجمع الغاضبون مساء الجمعة للتظاهر ضد الإرهاب، وبعد تأدية سكان بنغازي لصلاة التراويح خرجوا في مسيرات حاشدة، بدؤوها من حيث كان يجلس عبد السلام المسماري في فندق “تيبستي”، وأنهوها أمام بيته في منطقة البركة حيث اغتيل.

المظاهرات التي جابت شوارع المدينة مطالبة بكشف الحقيقة وتقديم الجناة إلى العدالة، بكى فيها العديد من أصدقاء الفقيد، الذين تخلوا عنه وأغلقوا هواتفهم وأبوا الاستجابة لمطالبه بالمؤازرة في نشاطه مراراً وتكراراً.

ولعل اللافت للنظر هو الحضور المكثف لمراسم العزاء ممن اعتبروا المسماري خصماً لهم، أو ممن طالتهم كلماته القاسية، حيث لم تمنع الزمالة المسماري من شن هجوم لاذع على العديد من محامي بنغازي الذين باعوا القضية من وجهة نظره، ومنهم حتى من تصدر الثورة في أيامها الأولى، أولئك من رافقهم المسماري أو رافقوه في وقفات احتجاجية لصالح معتقلي سجن أبو سليم أيام القذافي.

المسماري المحامي والناشط الحقوقي والسياسي كان من أبرز من تصدى لنظام العقيد القذافي من الداخل، حيث لم يتوانى عن الاعتصام أمام محكمة بنغازي مطالباً بكشف تفاصيل حادثة سجن أبو سليم، التي راح ضحيتها 1200 سجين إسلامي جلهم من أبناء مدينته (بنغازي)، التي طالما دافع عنها.

والغريبُ أيضاً أن مواقف المسماري ضد القذافي والداعمة للسجناء الإسلاميين لم تشفع له بعد سقوط العقيد، فسرعان ما انقلب تيار الإسلام السياسي عليه وبدؤوا في مهاجمته إعلامياً، بعد أن رفض هيمنتهم على مفاصل الدولة وتمسك بمطلب أن تكون ليبيا دولة مدنية.

ما يميزه عن الكثيرين هو أنه رفض تقلد أي منصب رسمي في ليبيا تشريعياً كان أم تنفيذياً، واهتم بتقديم الحلول والمقترحات والنقد والمعارضة عند اللزوم، وتفرغ للتوعية بأهمية الدولة المدنية، كما لم يرتبط اسمه خلال الثورة أو بعدها بأية شبهات مالية ولا علاقات نفوذ أجنبية، ما جعل له تأثيراً وكلمة مسموعة لدى الشباب فقدها جُل من يتصدرون المشهد اليوم.

في الأيام الأولى من الثورة أسس المسماري ما عُرف بائتلاف 17 شباط/ فبراير، الذي ضم لفيفاً واسعاً من الحقوقيين والنشطاء حينها، وانتقل من خلاله عدد من الحقوقيين إلى العمل في المجلس الوطني الانتقالي (أول سلطة حكمت ليبيا بعد سقوط نظام القذافي).

المسماري لم يكن يجامل أحداً في شؤون الوطن، فقد بدأ مشوار معارضته منذ أيام حكم المجلس الوطني الانتقالي الذي تم تشكيله توافقياً أيام الثورة وترأسه المستشار مصطفى عبد الجليل، حيث كان أبرز من عارضوا الإعلان الدستوري المؤقت الصادر عن المجلس في آب/ أغسطس 2011، وكان يصفه بـ “الكارثي على مستقبل ليبيا”، ويتهم الإخوان المسلمين بصياغته وفقاً لما يضمن مصالحهم الحزبية.

ولم يتوقف هذا المشوار في أي من المحطات التي مر فيها، والتي كان أبرزها مؤخراً تنظيمه ومشاركته في المسيرات والاعتصامات التي تطالب بحل الميليشيات المسلحة، كما اعترض كثيراً على سياسات المؤتمر الوطني العام التي وصفها بأنها تنتهج منهج المنح والعطايا لإسكات كل من يعارضه.

وكان المسماري قد استنكر قبل رحيله بساعات بيان القوى الإسلامية في المؤتمر الوطني العام، والذي وصفوا فيه الأحداث الجارية في مصر اليوم بأنها “انقلاب عسكري” أدانه من وقعوا على البيان، ووصف المسماري هذا التصرف بأنه “سيؤثر سلباً على العلاقات بين البلدين”.

والحراك الذي عمل على الإعداد له طويلاً ولم يعش ليشارك فيه كان انتفاضة “ذكرى شهيد.. إحياء وطن”، التي أقيمت يوم الأحد 28 تموز/ يوليو في ذكرى اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، القضية التي لم يكف عن الحديث عنها والمطالبة بالقصاص من منفذها، وقد أقيمت الاحتفالية فعلاً في بنغازي بعد اغتياله بيومين.

كان الأهم عند أعدائه، والأول الذي تخلصوا منه، وربما لن يكون الأخير.. إلا أنه برحيله فقد المشهد السياسي الليبي رجلاً حقيقياً.