على العكس من منتجي البرامج الترفيهية أو السياسية، أكد صناع الدراما المصرية أنهم يتحلون بقدر كبير من الشجاعة في مواجهة نظام الإخوان المسلمين، فحتى قبل أن يعزل الرئيس محمد مرسي بداية شهر حزيران/يوليو الجاري، وفيما المسلسلات على عكس البرامج الحوارية يتم الاعداد لها منذ شهور طويلة، مثلت موضوعات دراما هذا العام صدمة في جرأة الموضوعات التي تنقد الواقع الاجتماعي، وصدامية مع الاخلاق المحافظة التي بدا أن الاخوان في سبيلهم لتشديد قواعدها.

على العكس من منتجي البرامج الترفيهية أو السياسية، أكد صناع الدراما المصرية أنهم يتحلون بقدر كبير من الشجاعة في مواجهة نظام الإخوان المسلمين، فحتى قبل أن يعزل الرئيس محمد مرسي بداية شهر حزيران/يوليو الجاري، وفيما المسلسلات على عكس البرامج الحوارية يتم الاعداد لها منذ شهور طويلة، مثلت موضوعات دراما هذا العام صدمة في جرأة الموضوعات التي تنقد الواقع الاجتماعي، وصدامية مع الاخلاق المحافظة التي بدا أن الاخوان في سبيلهم لتشديد قواعدها.

صورت معظم الأعمال عبر سنة من حكم الرئيس المعزول، فكانت كأنها طريقة مقاومة الفنون الدرامية لنظام حكم وضعها تحت الاستهداف، وتزامن عرضها مع زوال عصر الرئيس مرسي نفسه بعد ازاحة الجيش له في الثالث من تموز/يوليو، عزل، لولاه  لكانت تلك المسلسلات الآن مطاردة عبر البلاغات القانونية المقيدة لحرية الابداع، كما كان يحدث من محامي التيار الاسلامي حين كانوا معارضة، فما بالنا وهم في السلطة.

قاصرات وشيوخ وخيانة

مسلسل “موجة حارة” من بطولة إياد نصار وسيناريو مريم ناعوم، ومن إخراج محمد ياسين الذي أخرج قبل الثورة مسلسلا مثيرا للجدل عن حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين، يأتي كأول مسلسل مصري يقول للمشاهدين صراحة أنه “للكبار فقط”، بعد انتهاء شارات بداية كل حلقة.

[ibimage==8191==Small_Image==none==self==null]

مشهد من “موجة حارة”

لكنه لم يكن الوحيد، فشاركه في التحديد السني لأول مرة مسلسل “القاصرات” الذي يعالج موضوعا شديد الحساسية بالنسبة للتيار الاسلامي، وهو الزواج من قاصرات بإسم الدين أو الفقر أو كليهما.

أما ثالث المسلسلات التي رفعت شعار للكبار فقط فهو مسلسل”حكاية حياة” من بطولة النجمة الجماهيرية والمؤيدة السابقة لنظام مبارك غادة عبد الرازق، وهو يعالج بجرأة وإن كانت تجارية للغاية موضوع الخيانات الزوجية العابرة للأسرة الواحدة.

الالحاد تهمة جديدة على الشاشة الصغيرة

التقييم الفني لهذه المسلسلات لازال خاضعا للجدل، تحديدا العلاقة بين جرأة الموضوع والمعالجة الفنية الراقية. لكن حجم السجال المجتمعي على صفحات التواصل الاجتماعي، ونسب الاعلانات الكبيرة المرتبطة بنسب مشاهدة عالية، تؤشر إلى شوق الجمهور تحت تأثير الثورة إلي الاعمال الصادمة الكاشفة عن زيف وفساد الزمن القريب والحالي.

فالأمر لم يتوقف عند حدود القضايا الصادمة المسكوت عنها، بل امتد للغة الحوارية المستخدمة في مشاهد بعض المسلسلات. ففي مسلسل “موجة حارة” على سبيل المثال، يواجه رجل الدين الفاسد، شابا ثوريا بتهمة الإلحاد، بنفس الطريقة التي يستخدمها مناصري التيار الاسلامي مع المختلفين معهم من القوي الثورية، وتهمة الالحاد تطرح للمرة الاولى هنا في عمل يشاهده جمهور غفير، لكن يبدو أن الدراما قررت أخيرا أن تقترب من الشارع ولا تنفصل عنها، كذلك في مسلسل “حكاية حياة” جاءت جملة “ساعات ممكن تنسى إنّ في ربنا”، على لسان الممثل صلاح عبد الله، وهي جملا أثارت جدلا صحفيا دفع بطلة المسلسل غادة عبد الرازق للتبرؤ منها في تصريح صحفي خاص.

علاء مبارك على الشاشة

لم تتوقف الجرأة على مستوى الموضوعات والحوار، بل امتدت للتلميح لشخصيات واقعية ارتبطت لزمن بسرديات وشائعات شعبية، فالعلاقة التي تحدث عنها المجتمع المخملي بداية التسعينيات بين علاء نجل الرئيس الاسبق مبارك، والممثلة الجماهيرية الاستعراضية شريهان، تم تجسيدها بشكل رمزي في مسلسل نيران صديقة للمخرج خالد مرعي، دون إعلان ذلك صراحة، وهي العلاقة التي كما يعالجها المسلسل نتج عنها تدمير جسد الممثلة الشهيرة في حادث غامض واختفائها لاحقا، قبل ان تعود لتظهر بميدان التحرير اثناء الثورة.

الجرأة نتاج جيل ثوري شاب

الجرأة الدرامية تحتاج لأسماء ليست لها حسابات ولا تهتم بحملات الهجوم، وهو ما يفسر أن معظم المسلسلات التي شهدت التخلص من وهم الرقابة لصناع دراما جدد وشباب، عكس الممثلين الكبار الذين قدموا حكاياتهم الدرامية التقليدية كعادل إمام نموذجا، وهو ما يؤكده تصريح السينارست “وائل حمدي” أحد المشاركين في تأليف مسلسل موجة حارة لـ “مراسلون”، حيث أكد حمدي أن قرار وضع علامة +18 على شارة المسلسل هو قرار فريق العمل، الذي اتفق على أن المسلسل بما فيه من مشاهد عن كواليس الدعارة في مصر، ومشهد تعذيب يقوم فيه رجل الشرطة بوضع عصا في مؤخرة المتهم (تناصا مع حالة واقعية هي حادثة عماد الكبير التي فتحت ملف التعذيب في عصر مبارك لأول مرة منذ سبع سنوات)، لا يمكن أن يترك هكذا للأسر دون تحذير مسبق، مطالبا بأن يكون هذا النظام مفعلا في الدراما كما السينما، كي ينجو المؤلفون والعاملون في هذه الاعمال من مقص الرقيب الرسمي، وتصبح مشاهدة الاعمال الصادمة مسئولية المشاهد كما يحدث خارج مصر.

رغم السخرية ..الدراما الجادة كسبت

بداية تصنيف المسلسلات للكبار فقط بدافع من صناع العمل، جذبت انتباه الناقد السينمائي مجدي الطيب، الذي أكد أن صناع السينما طالبوا بالأمر مرارا وتكرار لكن الخطوة الشجاعة جاءت من صناع الدراما، مؤكداً أن أهم ما يميز ما جرى هذا العام في دراما رمضان هو أن التحرك جاء انطلاقا من “ضمير الفنان” الذي صنف عمله بنفسه، حتى لا يعطي للرقيب أي فرصة للتدخل، وعبر “مراسلون” وجه الطيب التحية لصناع الدراما الذين قرروا المجازفة وتقديم مسلسلات تتحدى سلطوية الأخوان المسلمين، ورقابة أتباعهم عبر البلاغات وحملات التشويه، مطالبا بالتفريق بين الذين قرروا تقديم دراما حقيقية تتجاوز الخطوط الحمراء التقليدية، وبين الذين اختاروا تقديم كوميديا تسخر بسطحية شديدة من خطابات الرئيس المعزول، وتنسج مشاهدها من النكات السياسية التي تم تداولها عبر عام كامل من حكم مرسي، مؤكداً أن أصحاب الفئة الأخيرة خسروا الرهان الذي اعتمد على أن الجمهور سيلجأ للكوميديا أيا كان مستواها بسبب الملل من الأحداث السياسية، بينما العكس تحقق مع المعالجات الدرامية الجادة، إما لأن الجمهور رأى الأعمال الجادة تحاول تفسير الواقع، أو تساعده على زيادة وعيه السياسي من خلال القاء الضوء على مراحل زمنية مختلفة أوصلت المصريين لما هم فيه الآن.

البحث عن نظام كامل للمشاهدة

من جانبه رأي د.صفوت العالم – أستاذ الرأي العام بجامعة القاهرة- أن الأمر لا يرتبط فقط برغبة صناع العمل في تحديد الفئة الموجه لها المسلسل، وإنما بنظام عرض القنوات للقنوات الفضائية يتكيف مع هذا المحتوى، فتعرض هذه النوعية من المسلسلات مثلا بعد الحادية عشر مساء، وأن يكون ذلك بالاتفاق بين كل القنوات حتى لا يعرض العمل كاملا على قناة وتحذف منه مشاهد على قناة أخرى، مؤكداً أنه لو استمرت الدراما المصرية على هذا الطريق ستساعد أخيرا في تغيير الوعي المجتمعي وستكون نقطة انطلاق للدراما العربية التي غاصت طويلا في وحل تقديم قصص اجتماعية أشبه بحكايات قبل النوم.