أعادت أحداث دار الحرس الجمهوري بالقاهرة فجر الثامن من يوليو 2013 والتي راح ضحيتها 51 قتيلا على الأقل وأكثر من 400 جريح حسب البيانات الرسمية لوزارة الصحة الرسمية، أعادت إلى الأذهان نماذج عديدة من تعامل قوات الجيش والشرطة مع المتظاهرين والمعتصمين عقب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير حيث الاستخدام المفرط للقوة، وهو ما تكرر في أحداث محمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء وغيرها.

أعادت أحداث دار الحرس الجمهوري بالقاهرة فجر الثامن من يوليو 2013 والتي راح ضحيتها 51 قتيلا على الأقل وأكثر من 400 جريح حسب البيانات الرسمية لوزارة الصحة الرسمية، أعادت إلى الأذهان نماذج عديدة من تعامل قوات الجيش والشرطة مع المتظاهرين والمعتصمين عقب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير حيث الاستخدام المفرط للقوة، وهو ما تكرر في أحداث محمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء وغيرها.

لكن الجديد في هذا الحادث هو أن اعتصام الحرس الجمهوري كان بدعوة من الاخوان المسلمين، ومعظم المشاركين فيه من أنصار الرئيس السابق محمد مرسي. موقف الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني من الحادث كان مثار بعض الانتقادات لانخفاض صوتها في ادانة الحادث.

ارتباك في العمل الحقوقي

بداية يعترف حجاج نايل مدير البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان والمتحدث باسم تجمع المنظمات الحقوقية بأن حالة من الارتباك تسود على مستوى متابعة الأحداث، ويقول “ما يحدث في مصر الآن اكبر من كل المنظمات الحقوقية والعمل الحقوقي يواجه صعوبات حقيقية علي الأرض منها أننا في شهر رمضان وثانيا ان جماعة الإخوان منتشرين في كل مكان والأحداث متلاحقة”.

وتابع نايل أن تجمع المنظمات الحقوقية والذي يشارك فيه أكثر من 66 منظمة حقوقية أصدر بيانا جاء فيه ان المؤسسات الحقوقية شاهد موضوعي ومتزن وأنها لم تكن يوما صاحب موقف أو مصلحة في دعم أي من النظم السياسية القائمة وأنها تدين بقوة العنف أيا كان مصدره وأكدت فيه أنها ستظل رقيبا على أوضاع حقوق الإنسان والديمقراطية واحترام الحقوق والحريات المكفولة في المواثيق الدولية لجميع المصريين وأنها سوف تتصدى لكافة الانتهاكات والخروقات أيا كان طبيعتها أو القائمين عليها.

بيان يدين الطرفين

بيان المؤسسة الحقوقية التي يرأسها نايل لم يكن البيان الوحيد لإدانة الحادث فقد أصدرت 15 منظمة حقوقية أخرى منها مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان والشبكه العربيه لمعلومات حقوق الانسان والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومركز هشام مبارك للقانون ومركز الارض لحقوق الانسان ومركز حابي للحقوق البيئية والمنظمه العربية للاصلاح الجنائي، أصدرت بيان لها في التاسع من يوليو 2013 تدين فيه الاستخدام المفرط للقوة من جانب قوات الجيش والأمن الذي استهدف المعتصمين من انصار الرئيس المعزول محمد مرسي، هكذا أكد احمد سميح مدير مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف أحد الموقعين على البيان.

وأشار سميح إلى أن بيان المنظمات الحقوقية كان متزنا فقد أكد على أن مواجهة التظاهرات يجب أن تلتزم بالمعايير الدولية حتى إن شهدت تلك التظاهرات استخداما للعنف أو للاسلحه النارية ولا تسمح هذه المعايير باستخدام القوة المميتة بصورة مفرطة ولا تسوغ للقناصة من الجيش والشرطة استخدام القتل العمدي. وشدد البيان على أن استخدام القوة ينبغي ان يكون في الحدود التي تدرأ خطر استخدام السلاح من جانب المسلحين حتى في حالة محاولة اقتحام دار الحرس الجمهوري كما قال بيان القوات المسلحة.

وفي الوقت ذاته استهجنت المنظمات الحقوقية بشدة استمرار جماعة الإخوان المسلمين ومناصريها على التحريض علي العنف والقتل بحق خصومها والتحريض على الدخول في مصادمات واسعة النطاق تزيد من تعقيد المشهد السياسي كما أدان البيان كافة الممارسات التي قامت بها الجماعة في حي المنيل ومنطقة ماسبيرو وسيدي جابر وأيضا أدانت الانتهاكات التي استهدفت جماعة الإخوان المسلمين ومناصريها سواء في سيدي بشر او الزقازيق والتحريض ضدهم في بعض وسائل الإعلام.

“طالبنا بتحقيق محايد”

الانتقاد الآخر الذي يوجهه البعض لمنظمات العمل المدني والحقوقي هو تأخرها في تقديم الدعم الحقوقي للمقبوض عليهم خلال حادث الحرس الجمهوري.

“مراسلون” التقت محمد زارع رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي الذي قال “المنظمة تابعت بالفعل مع المواطنين الذين تم القبض عليهم في أحداث الحرس الجمهوري، وحاولنا الحضور معهم لنقف علي أسباب القبض عليهم والاستيضاح حول المعاملة التي يلقونها لان واجب المجتمع المدني ان يطمئن عليهم”. مشيرا الى انه تم الإفراج عن معظمهم وقال انه من الممكن ان يكون المتهمين قد ارتكبوا بالفعل جرائم وهذا ليس مجالنا فنحن نمارس دورنا فقط في التأكد من تلقيهم معامله حسنه والباقي يعود للتحقيقات. جدير بالذكر أن تقارير اعلامية أوردت مشاركة بعض الناشطين مثل راجية عمران في حضور التحقيقات مع المقبوض عليهم من المتظاهرين في أحداث الحرس الجمهوري، لكن محامي المقبوض عليهم رفضوا مساعدتها.

وطالب زارع بتشكيل لجنة خاصة لإجراء تحقيق محايد حول أحداث الحرس الجمهوري وفقا للمعايير الدولية على ان يشارك فيها قضاة ومسئولين مشهود لهم بالنزاهة ومنظمات حقوقية وبقرار رئاسي لتكون ذات مصداقية ونصل من خلالها الى الحقيقة من خلال معرفة التجاوزات التي حدثت وشروط التظاهر السلمي وهل أسرف الجيش في استخدام الذخيرة الحية ومن المسئول عن الأزمة حتي لا يتكرر ذلك في المستقبل.

تجربة سيئة

حساسية تعامل هيئات ومنظمات المجتمع المدني مع قضايا الإسلاميين حاليا قد تنبع من التجربة السيئة لهذه المنظمات تحت حكم محمد مرسي والمجلس العسكري. في هذا يقول احمد الهواري الناشط السياسي “شهدت منظمات المجتمع المدني والحقوقية بصفة خاصة حصارا وتضييقا من نظام حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر لمدة عام كامل، مورست قبله ضغوط من المجلس العسكري خلال المرحلة الانتقالية على عمل هذه المنظمات خلال رصدها ومتابعتها وانتقاداتها للانتهاكات التي تقع بحق مواطنين. وتصاعدت الضغوط مع عزم نظام مرسي تمرير قانون العمل الأهلي من خلال مجلس الشورى والذي اعتبره الكثير من رواد العمل الحقوقي والمدني مصيدة للجمعيات الأهلية لتقع في براثن الدولة وتحت سيطرتها.”

لكن محمد الحمبولي مدير مركز الحريات والحصانات لحقوق الإنسان بالمنيا يرى أن ذلك لا يصلح لأن يكون سببا للتمييز بين قضايا المواطنين على أساس الهوية، ويقول “إن تعرضنا لضغوط من جانب الإسلاميين في المرحلة السابقة ليس مقياسا أبدا لعملنا في الفترة القادمة. واجبنا أن نرصد وندين كافة أشكال الانتهاكات بحق المواطن وسنقوم بذلك مهما كانت الظروف”. مشيرا إلى أن هناك خطأ كبير قد يقع فيه بعض الحقوقيين ضد الإخوان أو الجماعات الاسلاميه عموما بسبب الخلاف الفكري أو الإيديولوجي قد يجعلهم غير محايدين في رصد الانتهاكات ونحن ندين ذلك بشده ولا نرحب به.

وقال الحمبولي إن المركز دان كافه أنواع العنف التي تحدث بمصر الآن، “إلا إننا وفي نفس الوقت نرفض التعدي على الحريات والقبض العشوائي على المنتمين للتيار الاسلامى وحبسهم احتياطيا او اعتقالهم بدون سند قانوني وإنما بسبب الانتماء لنظام حكم الإخوان. وإن كان التيار الاسلامى أثناء فتره حكمه قد قام بتلك الأفعال فلا يجب أن يتم الآن بعد ثورة استكمال ثورة يناير ان تمارس الدولة نفس طريقة حكم الإخوان في انتهاك الحريات”.

وتابع أن المركز دان أيضا “غلق القنوات الموالية للتيار الاسلامى بدعوى أنها قنوات تحريضية وان كانت تلك القنوات قد سلكت طريق غير سليم مهنيا فيمكن ان تنزل الدولة عليها القوانين وإنما لا يجوز نهائيا غلق تلك القنوات بدون حكم قانوني لأن ذلك مخالف للمواثيق الدولية الخاصة بحرية الصحافة والإعلام”.

أكثر من لجنة لتقصي الحقائق

المحامي والناشط الحقوقي احمد سعد ثابت قال إن عدة لجان لتقصي الحقائق والتحقيق في وقائع مذبحة الحرس الجمهوري تم الإعلان عن تشكيلها منها لجنة قضائية أعلنت عنها مؤسسة الرئاسة للوقوف علي ملابسات الاحداث التي وقعت امام دار الحرس الجمهوري والتحقيق فيها وإعلان النتائج للرأي العام ولم تعرض تقريرها بعد. فيما تشكلت عدة لجان أخرى الأولى من منظمات حقوقيه كمركز الحريات والحصانات والثانيه لجنة لتقصي الحقائق تابعة لمجلس الشوري تم تشكيلها بميدان رابعه العدويه من نواب جماعة الاخوان المسلمين في مجلس الشوري، كما أعلنت لجنة الحريات بنقابة المحامين علي لسان عضو اللجنه طارق ابراهيم تشكيل لجنه لتقصي الحقائق وافق عليها بالفعل نقيب المحامين سامح عاشور.

تضارب في الحقائق

يقول محمد الحمبولي “قمنا برصد ما حدث أمام دار الحرس الجمهوري وشكلنا لجنة لتقصي الحقائق تكونت من 50 ناشط وحقوقي كنت مهمتها الرئيسة الاستقصاء والبحث للوقوف علي حقيقة الأمر”. فحوى تقرير الحمبولي هي “أن الأحداث بدأت بعد مرور ساعة كاملة علي صلاة الفجر وبدأت بتراشق الألفاظ المسيئة من الإخوان ضد القوات المسلحة واعتلاء عناصر من الإخوان لأسطح المباني حاملين قنابل مولوتوف وأسلحه وذخيرة فيما التزمت عناصر القوات المسلحة بضبط النفس في الوقت الذي اندفعت فيه عناصر الإخوان بشكل منظم وطبقا لخطه موضوعة ومعدة مسبقا”. ويحمل التقرير الإخوان مسؤولية البدء في العنف.

لكن التقرير السابق الذي أعده ما يسمى اتحاد منظمات حقوقية تعرض لانتقادات حادة. الناشط الحقوقي أحمد سعد ثابت قال إن اللجنة لم تتشكل بمعايير يمكن من خلاله الحكم على مصداقية تقريرها وهي تبنت وجهة نظر واحده مشيرا الي ان النيابة العامة هي فقط المختصة بالتحقيق في احداث الحرس الجمهوري.

وأمام تقرير اتحاد المنظمات الحقوقية هناك تقرير تقصي حقائق أصدره مجلس الشورى المنحل، فيقول سعد عماره وكيل مجلس الامن القومي بمجلس الشورى إن تقرير لجنة تقصى الحقائق بالمجلس والذي تم الاعلان عنه في 16 تموز/يوليو 2013 كشف أن المذبحة كانت معدة سلفا في ظل مشاركة الداخلية للجيش في تنفيذ المذبحة.

وأضاف التقرير أن احد دلائل الاعداد للمذبحة هو مشاركة قوات أخرى خلاف قوات الحرس الجمهوري مثل قوات الصاعقة حيث هبطت طائرة تحمل جنود من قوات الصاعقة علي نادي الحرس الجمهوري في اليوم السابق للمذبحة وترجل منها جنود الصاعقة ليتواجدوا في المكان فضلا عن حديث بعض من كان لهم أقارب في الحرس الجمهوري أنه تمت اتصالات بهم تحذرهم من المكث في المكان لأنه ستتم عملية إبادة للمعتصمين في تمام الرابعة فجرا.

وإلى أن يصدر تقرير محايد، وتأخد التحقيقات مجراها، تبقى الحقيقة محتجبة وراء الروايات الكثيرة.